الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾. وَيَقُولُ: ﴿لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾.
فَاللهُ تَبَارَكَ وتعالى لَا يُحِبُّ السُّوءَ مِنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ مَحْبُوبٍ عِنْدَ اللهِ تعالى، ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الفَتْوَى، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى مَظْلَمَتِهِ، وَلَا يَتَعَدَّى بِشَتْمِهِ، بَلِ السَّيِّئَةُ بِسَيِّئَةٍ مِثْلِهَا.
وَلَكِنِ العَفْوُ وَالمَغْفِرَةُ أَوْلَى، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾. مَنْ مِنَّا لَا يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟
روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ».
وَإِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ، فَلْيَقُلْ كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي فِيهِ ثَأْرِي».
هَذَا تَشْرِيعٌ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَدْلًا.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا حَرَجَ مِنْ مُقَابَلَةِ المُسِيءِ بِإِسَاءَةٍ مِثْلِ إِسَاءَتِهِ بِدُونِ زِيَادَةٍ سِرًّا أَو جَهْرًا، مِنْ حَيْثُ العَدْلُ؛ أَمَّا مِنْ حَيْثُ الفَضْلُ فَالعَفْوُ وَالصَّفْحُ وَالدُّعَاءُ لِمَنْ أَسَاءَ بِالمَغْفِرَةِ أَوْلَى وَأَعْظَمُ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. هذا، والله تعالى أعلم.