الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ وَرَدَ في فَضْلِ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ جُمْلَةٌ مِنَ النُّصُوصِ وَالآثَارِ، مِنْهَا:
مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى للهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ».
وَمَا رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ وَأَبُو يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ شَيْءٍ صَفْوَةٌ، وَصَفْوَةُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى». وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ. وَصَفْوَةُ الشَّيْءِ: خُلاصَتُهُ.
وَفي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيِءٍ أَنَفَةٌ، وَإِنَّ أَنَفَةَ الصَّلاةِ التَّكبِيرَةُ الأُولَى، فَحَافِظُوا عَلَيْهَا».
أَنَفَةُ كُلِّ شَيْءٍ: أَوَّلُهُ وَمُقَدِّمَتُهُ؛ وَأَنَفَةُ الصَّلاةِ التَّكبِيرَةُ الأُولَى، لِأَنَّ الصَّلاةَ تُبْدَأُ بِهَا.
وَجَاءَ في كَنْزِ العُمَّالِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ لِابْنِهِ: «أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: أَدْرَكْتَ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى؟
قَالَ: لَا.
قَالَ: لَـمَا فَاتَكَ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ مِئَةِ نَاقَةٍ كُلُّهَا سَوْدَاءُ العَيْنِ.
وَجَاءَ في حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ: قَالَ وَكِيعٌ: كَانَ الْأَعْمَشُ قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ تَفُتْهُ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى، وَاخْتَلَفْتُ إِلَيْهِ قَرِيبًا مِنْ سِتِّينَ ـ أَيْ: سِتْيْنَ سَنَةً ـ، فَمَا رَأَيْتُهُ يَقْضِي رَكْعَةً.
وَجَاءَ أَيْضًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَهَاوَنُ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَاغْسِلْ يَدَكَ مِنْهُ.
وَرَوَى البَيْهَقِيُّ عَنْ وَكِيعٍ قَالَ: مَنْ لَمْ يُدْرِكِ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى فَلَا تَرْجُ خَيْرَهُ. هَذَا أَوَّلًا.
ثَانِيًا: مَتَى يُدْرِكُ المُقْتَدِي تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ؟
لَقَدْ ذَكَرَ الفُقَهَاءُ في ذَلِكَ عِدَّةَ أَقْوَالٍ:
الأَوَّلُ: أَنَّ المَأْمُومَ يُدْرِكُ فَضْلَهَا بِحُضُورِهِ تَكْبِيرَةَ إِحْرَامِ إِمَامِهِ، وَتَكْبِيرِهِ بَعْدَهُ بِدُونِ تَأْخِيرٍ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يُدْرِكُهَا مَا لَمْ يَشْرَعِ الإِمَامُ في الفَاتِحَةِ.
الثَّالِثُ: يُدْرِكُهَا إِذَا أَدْرَكَ الإِمَامَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِيَ مِنْ قِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهَا تُدْرَكُ بِإِدْرَاكِ القِيَامِ مَعَ الإِمَامِ.
الخَامِسُ: أَنَّهَا تَحْصُلُ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ مَعَ الإِمَامِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَتَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ هِيَ صَفْوَةُ الصَّلَاةِ، وَأَنَفَةُ الصَّلَاةِ، وَأَصَحُّ الأَقْوَالِ لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ هُوَ القَوْلُ الأَوَّلُ، أَنْ يُكَبِّرَ المَأْمُومُ بَعْدَ انْتِهَاءِ إِمَامِهِ مِنَ التَّكْبِيرَةِ، لِمَا ثَبَتَ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَالفَاءُ تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْقِيبِ؛ يَعْنِي: مِنْ حِينِ أَنْ يُكَبِّرَ وَيَنْقَطِعَ صَوْتُهُ مِنَ الرَّاءِ، يَشْرَعُ المَأْمُومُ بِقَوْلِهِ: اللهُ أَكْبَرُ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |