الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: ذَهَبَ جمهورُ الفقهاءِ إلى أنَّ دُخولَ الحمَّامِ مشروعٌ للرِّجالِ والنِّساءِ، ولكن بشرطِ أن يَسلمَ الدَّاخلُ من النَّظَرِ إلى عَوراتِ الآخرين، ويَسلمَ من نَظَرِهِم إلى عَورتِهِ، لأنَّ كشفَ العَورةِ ومُشاهدَتَها حرامٌ، لما روى الإمام أحمد عَنْ بَهْزٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن جدِّهِ قال: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: «إِن اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا» قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِياً؟ قَالَ: «فَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ»).
وشرطٌ آخرُ: أن يعلمَ الدَّاخلُ للحمَّامِ أنَّ كلَّ من في الحمَّامِ عليه إزارٌ، وإلا حَرُمَ عليه الدُّخولُ، لأنَّ دُخولَ الحمَّامِ مع الغيرِ بغيرِ إزارٍ حرامٌ، لما روى الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُل الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ». وفي روايةٍ «مَن دَخَلَ الحمَّامَ بِغيرِ مِئْزَرٍ لَعَنَهُ الملَكَانِ» أخرجه الشيرازى في الألقاب عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
ثانياً: ليسَ للمرأةِ النَّصرانيَّةِ أن تنظُرَ من المرأةِ المسلمةِ إلا ما يراهُ الرَّجلُ الأجنبيُّ منها، وقد كَتَبَ سيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ إلى أبي عُبيدةَ بنِ الجرَّاحِ: أنَّهُ بَلَغَني أنَّ نِساءَ أهلِ الذِّمَّةِ يَدْخُلْنَ الحمَّاماتِ معَ نِساءِ المسلمينَ، فامْنَعْ من ذلك، وحُلْ دونَهُ، فإنَّهُ لا يجوزُ أن ترى الذِّمِّيَّةُ عِريةَ المسلمةِ. اهـ.
ويقولُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: لا يَحِلُّ للمسلمةِ أن تراها يَهودِيَّةٌ أو نَصرانِيَّةٌ، لِئلا تَصِفَها لِزَوجِها. اهـ.
وبناء على ذلك:
فلا يجوزُ للمرأةِ المسلمةِ أن تدخُلَ الحمَّامَ مع المرأةِ النَّصرانيَّةِ بِوُجودِ امرأةٍ مُسلمةٍ، فإن لم توجد المسلمةُ فلا حَرَجَ من دُخولِ الحمَّامِ مع النَّصرانِيَّةِ للضَّرورةِ القُصوى، بشرطِ مُراعاةِ سَتْرِ العورةِ جُهْدَ الاستطاعةِ، كأنَّها أمامَ رجلٍ أجنبيٍّ. هذا، والله تعالى أعلم.