الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ في حُكْمِ اسْتِعْمَالِ المَاءِ المُسَخَّنِ بِتَأْثِيرِ الشَّمْسِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ مُطْلَقَاً مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الاسْتِعْمَالُ في البَدَنِ أَمْ في الثَّوْبِ، وَخَالَفَ في ذَلِكَ المَالِكِيَّةُ وَقَالُوا بِكَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ المَاءِ المُسَخَّنِ بِتَأْثِيرِ الشَّمْسِ.
وبناء على ذلك:
فَلَا حَرَجَ مِنَ اسْتِعْمَالِ المَاءِ المُسَخَّنِ عَنْ طَرِيقِ الطَّاقَةِ الشَّمْسِيَّةِ، لِأَنَّ الأَصْلَ في الأَشْيَاءِ الإِبَاحَةُ، وَيَدُلُّ على هَذَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعَاً﴾. وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾. وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعَاً مِنْهُ﴾. فَكُلُّ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَجُوزُ للإِنْسَانِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ وَيَسْتَعْمِلَهُ، إلا إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ على أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ.
وَلَمْ يَرِدْ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ صَحِيحٌ يَمْنَعُ الاسْتِفَادَةَ مِنَ المَاءِ المُسَخَّنِ عَنْ طَرِيقِ الطَّاقَةِ الشَّمْسِيَّةِ، وَأَمَّا حَدِيثُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا الذي رواه الدارقطني قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَوَضَّأَ بِالْـمَاءِ الْـمُشَمَّسِ أَوْ يُغْتَسَلَ بِهِ، وَقَالَ: «إِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ». فَهُوَ حَدِيثٌ يَدْورُ بَيْنَ الضَّعْفِ وَالوَضْعِ كَمَا ذَكَرَ المُحَدِّثُونَ. هذا، والله تعالى أعلم.