الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فَالمَوْلِدُ الشَّرِيفُ الَّذِي يُقَامُ بِذِكْرَى مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَوْ فِي أَيِّ مُنَاسَبَةٍ دِينِيَّةٍ يُعَدُّ مِنَ البِدَعِ الحَسَنَةِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ إِقَامَتِهِ إِذَا كَانَتْ مُفْرَدَاتُ المَوْلِدِ لَهَا أَصْلٌ في الدِّينِ.
وَذَلِكَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالتَّسْبِيحِ، وَالذِّكْرِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقِرَاءَةِ سِيرَتِهِ العَطِرَةِ، وَمَدِيحِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَتَذَكُّرِ سُنَّتِهِ الشَّرِيفَةِ، وَكُلِّ مَا هُوَ عِبَادَةِ للهِ تعالى، أَوْ مَا هُوَ مُبَاحٌ في الشَّرِيعَةِ.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَحْتَفِلُ بِمَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ، وَذَلِكَ بِصِيَامِ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ، فَقَدْ جَاءَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ، قال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ ـ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ ـ».
وَلَا يُحْتَجُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ المَوْلِدِ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَا فَعَلُوا ذَلِكَ، لِأَنَّ التَّرْكَ لَيْسَ حُجَّةً في التَّحْرِيمِ، لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾. فَإِذَا قَامَتِ الأُمَّةُ بِفِعْلٍ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِالتَّحْرِيمِ فَإِنَّ هَذَا يُعَدُّ أَمْرًا مُبَاحًا، وَيَجِبُ أَلَّا يُعْتَقَدَ بِأَنَّهُ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ.
وَالإِسْلَامُ سَنَّ الاحْتِفَالَ بِأُمُورٍ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ، مِنْهَا الاحْتِفَالُ بِالمَوْلُودِ بِجَعْلِ عَقِيقَةٍ لَهُ، وَبِشِرَاءِ دَارٍ بِجَعْلِ وَكِيرَةٍ.
وَإِذَا أَرَدْتَ التَّوَسُّعَ في هَذَا المَوْضُوعِ فَارْجِعْ إِلَى زَاوِيَةِ: (مُشْكِلَاتٌ وَحُلُولٌ) في هَذَا المَوْقِعِ، تَحْتَ عُنْوَانِ: (دَفْعُ الإِشْكَالَاتِ حَوْلَ مَشْرُوعِيَّةِ الاحْتِفَالِ بِمَوْلِدِ سَيِّدِ الكَائِنَاتِ). هذا، والله تعالى أعلم.