265ـ خطبة الجمعة: هذا ما قلناه.. والآن أقول

265ـ خطبة الجمعة: هذا ما قلناه.. والآن أقول

 

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:

اللهُ الذي خَلَقَنَا يعلمُ ما يُصلِحُنا وما يُفسِدُنا، فما تَرَكَنَا سُدَىً، بل أكرَمَنَا اللهُ تعالى بتشريعٍ ضَمِنَ فيه سعادةَ الأفرادِ والجماعاتِ، كما ضَمِنَ سعادةَ الحاكمِ والمحكومِ، ضَمِنَ سعادةَ الجميعِ في الحياةِ الدنيا قبل الآخرةِ، وضَمَنَ لنا به حياةً طيبةً كريمةً تُصانُ فيها الدماءُ والأعراضُ، وتُحفظُ بها الأموالُ، وتَتَرَابَطُ بها الأمَّةُ كلُّها حتى تصبحَ كالجسدِ الواحدِ، لذلك أمرنا بالاستجابةِ له، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}. هذا الخطابُ شملَ الحاكمَ والمحكومَ؛ لأنَّ الجميعَ عبيدٌ للهِ تعالى، قال تعالى: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}.

فمن آمن باللهِ تعالى ربَّاً وإلهاً ومُشَرِّعَاً، وأنَّهُ خالقٌ ورازقٌ وحاكمٌ وعدلٌ، والكلُّ راجعٌ إليه، كما قال تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُم}. والكلُّ محاسبٌ بين يديه، كما قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم}، فلا يَسَعُهُ إلا الاستجابةُ لهذا النداءِ الرَّبَّانِيِّ.

فإذا أرادَ الحاكمُ والمحكومُ حياةً طيِّبةً، حياةً لا سَفْكَ للدماءِ فيها بل وحفظٌ للأعراضِ والأموالِ والممتلكاتِ وحفظٌ للمقدساتِ وحريةٌ للتعبير، فَلْيَستَجِب لأوامرِ اللهِ تعالى، وليَجعَل شعارَهُ: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}.

أين المستجيب من المسؤولين؟

أيُّها الإخوة الكرام: من خلال قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّر * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِر}.

ومن خلال قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ومن خلال قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رواه الإمام مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

من خلال ذلك تَوَجَّهنا بالتَّذكيرِ والنُّصحِ للأمَّةِ من بدايةِ الأحداثِ إلى هذهِ الخطبةِ، تَوَجَّهنا للحاكمِ كما تَوَجَّهنا للمحكومِ بالتَّذكيرِ والنُّصحِ، ولكن أين من يقول بلسان الحال أو المقال: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}؟ الكلُّ مُتَّبِعٌ هواهُ، إلا من رحم الله تعالى.

قلنا لأعلى سلطةٍ في هذه الدولة من بداية الأحداث:

أيُّها الإخوة الكرام: من بداية الأحداث في سوريا، قلنا لأعلى سلطةٍ في هذه الدولة:

أولاً: من خلال قول الله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. قلنا: طبِّقوا مبدأَ العدلِ، ولا تأخذوا أحداً بجريمة غيره، اِعدلوا، ومن العدلِ أن لا يُؤخذَ الأصلُ والفرعُ والقريبُ بجريمةِ واحدٍ منهم.

ثانياً: من خلال قول الله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى}. قلنا: كيف يُنهى العبدُ عن الصلاةِ أثناءَ الخدمةِ الإلزاميةِ؟ بل كيف يكونُ امتحانُ الطلابِ في الجامعاتِ أثناءَ صلاةِ الجمعةِ؟

ثالثاً: من خلال قول الله تعالى: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}. قلنا:  كيف يُحرَّشُ بين القبائلِ والعشائرِ ليقتلَ بعضهم بعضاً باسمِ المعارضةِ والموالاةِ؟

رابعاً: من خلال قول الله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ المُفْلِحُون}. قلنا: يجب أن يُحاسبَ من يرغمُ الموقوفَ أن يقول: لا إله إلا فلان من البشر، وأن يسجد لصورتِهِ، قبل أن يُحاسبَ من يقول: الشعب يريد إسقاط النظام، لأنَّ الأُولى تَمسُّ في عقيدةِ الأمَّةِ كلِّها وتُحرِّكُ مشاعِرَهَا، وهي كلمةُ كفرٍ صريحٍ لا تأويلَ لها.

هذا بعضُ ما قلناه بجانب ما قاله غيرُنا من طلابِ العلمِ والعلماءِ، ولكن أين من يقول: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}؟

ثم قلنا لمن دونه بالمسؤولية من لجانٍ أمنيَّةٍ وغيرها:

أيُّها الإخوة الكرام: بعد ذلك تَوَجَّهنا إلى من دونه بالمسؤوليَّة من لِجانٍ أمنيَّةٍ وغيرها، فقلنا:

أولاً: من خلال قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟!) رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. قلنا لهم: أنتم ستتحملون إثمَ سَفْكِ الدماءِ البريئةِ، فكونوا سبباً لِحَقْنِهَا لا لِسَفْكِهَا، كونوا سبباً للمحافظةِ على الأموالِ والممتلكاتِ ولا تكونوا سبباً في إتلافها.

ثانياً: من خلال قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ) رواه الإمام مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رضي الله عنها. قلنا لهم: عليكم بالرفق بالأمة، وإيِّاكم والبطشَ، فإنَّ عواقبَ البطشِ وخيمة، وتذكَّروا قول الله تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيد}.

ثالثاً: من خلال قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ عَشَرَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، إِلا أَتَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مَغْلُولاً يَوْمَ القِيَامَةِ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَكَّهُ بِرُّهُ، أَوْ أَوْبَقَهُ إِثْمُهُ، أَوَّلُهَا مَلامَةٌ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ، وَآخِرُهَا خِزْيٌ يَوْمَ القِيَامَةِ) رواه الإمام مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه. قلنا لهم: عليكم بالعدلِ، وإيَّاكم والجورَ، وإلا فأنتم مُلامُون ونادمونَ ومُعَذَّبونَ.

رابعاً: من خلال قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِله}. قلنا لهم: عظِّموا حرمةَ بيوتِ الله تعالى، وإيَّاكم والإساءةَ لها وفيها، وإلا فأنتم ظَلَمَة، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا}.

خامساً: من خلال قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) رواه الإمام البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه. قلنا لهم: لا تظُنُّوا أنَّ المعارضة هم فقط الذين يخرجون في الشوارع، بل الكلُّ معارضٌ للظلمِ والجَورِ وهضمِ الحقوقِ.

سادساً: من خلال قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (عُذِّبتِ امْرَأةٌ في هِرَّةٍ حبستها حَتَّى ماتَتْ ، فَدَخلَتْ فِيهَا النَّارَ ، لا هِيَ أطْعمتْهَا وسقَتْها ، إذ هي حبَستْهَا، ولا هِي تَرَكتْهَا تَأكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرض) رواه الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قلنا لهم: أطلقوا سراح المعتقلين الذين طالبوا بحقوقهم، وأنتم مُقِرُّون بها.

هذا بعضُ ما قلناه للمسؤولين في هذه البلدة وفي حلب مع بعض الإخوةِ من طلابِ العلم والعلماءِ وغيرهم، ولكن أين من يقول: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}؟

ثم قلنا من على هذا المنبر للجميع حكومةً وشعباً:

أيُّها الإخوة الكرام: بعد هذا تَوَجَّهنا إلى الأمَّةِ كلِّها حكَّاماً ومحكومين من على هذا المنبر، ومن جملة ما قلناه:

أولاً: من خلال قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ) رواه الإمام البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنهما. قلنا: نحن لا يَهُمُّنا من يحكمنا، بل يَهُمُّنا أن نُحكمَ بالإسلام، وقلنا بأنَّ الدستورَ الذي يحمي الإنسان ـ مهما كان هذا الإنسان، ومهما كان نوعُهُ وعِرقُهُ ولسانُهُ ومُعتَقَدُهُ ـ  هو القرآنُ العظيمُ، وليست التشريعاتُ الوضعيَّةُ، فتشريعُ ربِّنا هو الأكملُ والأتمُّ.

ثانياً: من خلال قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لا تروِّعوا المسلم، فإن رَوعة المسلم ظلم عظيم) رواه البزار والطبراني كما في الترغيب والترهيب. قلنا: ترويعُ الآمنينَ حرامٌ وكبيرةٌ من الكبائرِ، ولكن الكلُّ يروِّعُ الكلَّ، إلا من رحم الله تعالى.

ثالثاً: من خلال قوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}. قلنا: يا حكام ويا محكومين! حكِّموا كتابَ الله تعالى فيكم، حكِّموا شرعَ الله تعالى فيما تنازعتم فيه.

رابعاً: من خلال قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيم}. قلنا: يا عباد الله، حافظوا على نعمةِ الأمنِ، ولا تعرِّضوها للزوال بشؤمِ المعاصي، وَذَكَرنا ماذا إذا فقدنا نعمة الأمن؟

خامساً: من خلال قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه. قلنا: يجب علينا أن نعلَمَ وأن نُعلِّمَ أبناءنا أنَّه لا طاعةَ لوليِّ الأمرِ ولا لغيرِهِ إذا أمَرَ بمعصيةِ الله عز وجل، ويجب علينا أن نفهمَ الفَهمَ الصحيحَ، قولَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}. فطاعةُ وليِّ الأمرِ مقيَّدةٌ بطاعةِ اللهِ ورسولِهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وإلا فلا طاعة.

هذا بعض ما قلناه على هذا المنبر للأمة كلِّها، ولكن أين من يقول: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}؟

كلمةٌ إلى التجار:

أيُّها الإخوة الكرام: بعد هذا ونحن نرى هذه الأزمة، جاء الآن دور التجار، التجار الذين ركَّبوا السِّكِّينَ فوقَ الحلقِ، وهم يعرفون بأنَّ سوادَ المسلمين من العمال والموظَّفين، وأنَّ دخلَهم محدودٌ، جاء هؤلاء التجار إضافةً إلى البلاء الذي يُصَبُّ على الأمة، ليرفعوا الأسعار.

ماذا يفعل الموظَّفُ الشريفُ والعاملُ النظيفُ؟ كيف يؤمِّنُ قوتَهُ وقوتَ من يعولُ والأسعارُ زادت أضعافاً مضاعفة.

أتوجَّه إلى الإخوةِ التجارِ الذين سمعتم منهم الكثيرَ الكثيرَ، وهم يتحدَّثون عن الظلم والظالمين، وأنَّه يحرم السكوت عن الظلم، ويجب محاربته، أقول لهم:

أولاً: الظلمُ حرَّمَهُ ربُّنا عزَّ وجل بقوله في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلا تَظَالَمُوا). ولكن هل تنبَّهتم إلى الفقرةِ الأولى من الحديث: (إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي) فحرَّمَ الظلمَ على نفسه أولاً، وهو الذي لا يُسألُ عما يفعل وهم يُسألون، ثم بعد ذلك حرَّمَهُ على عباده الذين سيُسألون بين يديه يوم القيامة، فهل حرَّمتم على أنفسكم الظلمَ، قبل أن تُطالبوا الآخرين بتحريمِ الظلمِ؟

أيُّها التاجر: سَمِعَكَ الناسُ وأنت تتحدَّث عن الظلم ووجوبِ التخلُّصِ منه، فما لي أراكَ اليوم تتسابق مع المتسابقين في ظلم سواد المسلمين من خلال رفع الأسعار؟

ثانياً: أما سمعتَ يا أيُّها التاجر قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ المُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِن النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ) رواه الإمام أحمد عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ؟ لماذا تحوِّلُ عُمْلَتَكَ السوريَّة إلى أجنبيَّة وأنت تعلمُ أنَّ ذلكَ يزيدُ في الأسعار؟

ثالثاً: أما سمعتَ حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ، وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللهِ تَعَالَى) رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ؟

رابعاً: أما سمعتَ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو يُعرِّفُ المحتكرَ؟ روى الطبراني عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: (سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الاحْتِكَارِ مَا هُوَ؟ قَالَ: إِذَا سَمِعَ بِرُخْصٍ سَاءَهُ، وَإِذَا سَمِعَ بِغَلاءٍ فَرِحَ بِهِ، بِئْسَ العَبْدُ المُحْتَكِرُ، إِنْ أَرْخَصَ اللهُ الأَسْعَارَ حَزِنَ، وَإِنْ أَغْلاهَا اللهُ فَرِحَ).

أيُّها التجار: اسمعوا وصية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:

أولاً: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ثانياً: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، واللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ثالثاً:  (أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَأٍ سَقَاهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ المَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللهُ مِنْ خُضْرِ الجَنَّةِ) رواه الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أيُّها الإخوة التجار: تفقَّدوا الإخوة الذين وفدوا إلى هذه البلدة من سائر المدن في هذا القطر، فارِّين من أجل سلامة دمائهم وأعراضهم، تفقَّدوهم، أعينوهم، ساعدوهم، وأسأل الله تعالى أن يحقن دماء المسلمين ويستر أعراضهم ويؤمِّن روعاتهم.

أيُّها الإخوة التجار: إذا لم تسرعوا في الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فاسمعوا حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِنَّ التُّجَّارَ هُمُ الفُجَّارُ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ: أَوَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللهُ البَيْعَ، قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ، وَيَحْلِفُونَ فَيَأْثَمُونَ) رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. وإني أسألُ الله تعالى أن لا يجعلكم منهم.

أيُّها التاجر: ما الذي يضرُّك لو بِعتَ سلعتَكَ وبضاعتَكَ في هذه الآونة برأس المال، وأكلتَ الآن من رأس مالك، رحمةً بالآخرين الذين دَخْلُهُم محدود؟ أما فكَّرتَ في الموظف الشريف؟ أما فكَّرتَ في العامل النظيف؟

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

يا عباد الله، {اسْتَجِيبُواْ للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}.

يا عباد الله، ليقل كلُّ واحدٍ منَّا: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}. فكِّروا في رضا اللهِ عنكم، ولا تُفكِّروا في رضا الحاكمِ، ولا في رضا المحكومِ.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **      **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 23 / ربيع الثاني /1433هـ، الموافق: 16 / آذار / 2012م

 2012-03-18
 21419
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

26-04-2024 38 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 38
19-04-2024 242 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 242
12-04-2024 938 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 938
09-04-2024 610 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 610
04-04-2024 714 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 714
28-03-2024 650 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 650

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414160028
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :