175ـ مع الحبيب المصطفى: «إِنَّ اللهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ»

175ـ مع الحبيب المصطفى: «إِنَّ اللهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ»

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

175ـ وقفة مع خطبة حجة الوداع (14)

«إِنَّ اللهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد نَظَّمَ لَنَا رَبُّنَا عزَّ وجلَّ كَيفِيَّةَ التَّصَرُّفِ في المَالِ اكتِسَابَاً وتَصرِيفَاً، بَيَّنَ لَنَا الطُّرُقَ الشَّرعِيَّةَ لاكتِسَابِ المَالِ، وبَيَّنَ لَنَا كَيفِيَّةَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، نَظَّمَ لَنَا ذلكَ في حَالِ حَيَاتِنَا وبَعدَ مَمَاتِنَا.

في حَالِ الحَيَاةِ تَتَصَرَّفُ في المَالِ مَا دُمْتَ حُرَّاً مُكَلَّفَاً رَشِيدَاً في مَالِكَ بَيْعَاً وشِرَاءً، وإجَارَةً ورَهْنَاً، وَوَقْفَاً وهِبَةً وَوَصِيَّةً، على حَسْبِ الحُدُودِ الشَّرعِيَّةِ التي بَيَّنَهَا لَكَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ في كِتَابِهِ العَظِيمِ، وفي هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وبَعدَ مَمَاتِكَ تَوَلَّى رَبُّنَا عزَّ وجلَّ قِسْمَةَ مَالِكَ، فَفَرَضَ المَوَارِيثَ وقَسَّمَهَا، وقَالَ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾.

وبَعدَ أن بَيَّنَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ من الوَارِثِينَ قَالَ تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارَاً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾.

وقَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ كَمَا يَروِي الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: وَقَفَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَانِطِ افْتَح، حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ مَنْ بَعُدَ، فَنَادَى بِصَوْتٍ أَسْمَعَهُمْ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ، وَرَدَّ إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلا إِنَّهَا لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ بَعْدَ مَوْقِفِي هَذَا».

وفي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ لَهُ عَنْ عَمْرِو بن خَارِجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْجَدْعَاءِ ـ مَقطُوعَةُ الأُذُن ـ، وَأَنَا آخِذٌ بِجِرَانِهَا ـ جِرَانُ الْبَعِيرِ: مُقَدَّمُ عُنُقِهِ، مِنْ مَذْبَحِهِ إِلَى مَنْحَرِهِ ـ وَهِيَ تَقْصَعُ بِجَرَّتِهَا ـ أي: تَبلَعُ مَا يُفِيضُ فَتَأْكُلُهُ ثَانِيَةً ـ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ».

وفي رِوَايَةٍ للدَّارَقُطنِي عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، إِلاَّ أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ».

وروى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ، وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ.

﴿تِلْكَ حُدُوْدُ اللهِ﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام أحمد في مُسنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ سَبْعِينَ سَنَةً، فَإِذَا أَوْصَى حَافَ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً، فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ».

قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ إلحَاقَ الضَّرَرِ بالآخَرِينَ أَمْرٌ مُحَرَّمٌ شَرْعَاً، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾. وقَد حَرَّمَ الإسلامُ إلحَاقَ الضَّرَرِ بِأَيِّ إنسَانٍ ولو كَانَ كَافِرَاً، قال تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾. فَكَيفَ إذا كَانَ الضَّرَرُ بِإنسَانٍ مُؤمِنٍ قَرِيبٍ وَارِثٍ؟

روى الترمذي عَنْ أَبِي صِرْمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللهُ عَلَيْهِ».

وروى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».

العَدْلُ بَينَ الأَولادِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ إعطَاءَ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ هوَ العَدْلُ، وهوَ أَسْمَى غَايَةٍ، وأَشرَفُ وَسِيلَةٍ، وخَيرُ مَا حُفِظَتْ بِهِ المَكَانَةُ، ونِيلَتْ بِهِ العِزَّةُ، وبَقِيَتْ بِهِ الدِّيَارُ، ودَامَ الأَمَانُ والاستِقْرَارُ.

أيُّها الإخوة الكرام: هُنَاكَ ظَاهِرَةٌ سَيِّئَةٌ في بَعْضِ بُيُوتِ المُسلِمِينَ، وهيَ عَدَمُ العَدْلِ بَينَ الأَبنَاءِ والبَنَاتِ، فَيَعمَدُ بَعْضُ الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ إلى تَخصِيصِ بَعْضِهِم بِهِبَاتٍ أو أُعطِيَاتٍ، دُونَ سَبَبٍ دَاعٍ، أو حَاجَةٍ مُلِحَّةٍ، وقَد حَذَّرَنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من ذلكَ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: نَحَلَنِي أَبِي نُحْلاً، ثُمَّ أَتَى بِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ.

فَقَالَ: «أَكُلَّ وَلَدِكَ أَعْطَيْتَهُ هَذَا؟».

قَالَ: لَا.

قَالَ: «أَلَيْسَ تُرِيدُ مِنْهُمُ الْبِرَّ مِثْلَ مَا تُرِيدُ مِنْ ذَا؟».

قَالَ: بَلَى.

قَالَ: «فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ».

وفي رِوَايَةٍ للشَّيخَينِ قَالَ: «لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ».

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ اللهَ تعالى أَعطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلِمَاذَا التَّلَاعُبُ والظُّلمُ في تَعَامُلِنَا في الأُمُورِ المَالِيَّةِ مَعَ وَارِثِينَا؟ هُنَاكَ من يُفَضِّلُ بَينَ الأَولادِ بِصُوَرٍ مُتَعَدِّدَةٍ، مِنهَا:

1ـ يَجعَلُ العَطِيَّةَ في صُورَةِ بَيْعٍ وشِرَاءٍ.

2ـ يَجعَلُ العَطِيَّةَ في صُورَةِ إقرَارٍ بِدَينٍ عَلَيهِ لِوَلَدِهِ.

3ـ يَجعَلُ العَطِيَّةَ للذُّكُورِ دُونَ الإنَاثِ.

4ـ يُوصِي بِبَعْضِ مَالِهِ لِشِرَاءِ بَيْتٍ للصِّغَارِ أو بِتَزوِيجِهِم، وهذهِ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وهيَ لا تَجُوزُ إلا أن يُجِيزَهَا الوَرَثَةُ بَعدَ وَفَاةِ مُوَرِّثِهِم، لا في حَالِ حَيَاتِهِ.

الخَطَأُ لا يُعَالَجُ بالخَطَأِ:

أيُّها الإخوة الكرام: البَعْضُ من النَّاسِ يَتَمَسَّكُ بِأَعذَارٍ وَاهِيَةٍ لِيُبَرِّرَ لِنَفسِهِ التَّفْضِيلَ والجَوْرَ، وأن لا يُعطِي لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَيَقُولُ: هذا مُطِيعٌ وبَارٌّ، وصَاحِبُ أَدَبٍ رَفِيعٍ، وقَائِمٌ في خِدمَتِي، وذاكَ بَعِيدٌ عَنِّي، هذا مَشْغُولٌ بِي، وذاكَ مَشْغُولٌ عَنِّي.

نَعَم، قَد يَكُونُ هذا في الأَولادِ، ولكن عَدَمُ إعطَاءِ صَاحِبِ الحَقِّ حَقَّهُ، والتَّفرِقَةُ بَينَ الأَبنَاءِ لَيسَتْ هيَ الحَلَّ، فَالخَطَأُ لا يُعَالَجُ بالخَطَأِ، ولا نُحْدِثْ قَطِيعَةً بِقَطِيعَةٍ، ورَحِمَةُ اللهُ تعالى على مَن قَالَ: لا نَعْصِي اللهَ فِيمَن عَصَى اللهَ فِينَا.

إذا وَقَعَ بَعْضُ أَبنَائِنَا ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ في مَعصِيَةِ اللهِ، فَلَم يَكُونُوا بَرَرَةً فِينَا، فلا يَجُوزُ أن نَقَعَ نَحنُ في مَعصِيَةِ اللهِ تعالى، فَنَحْرِمَهُم من حَقِّهِم من التَّرِكَةِ، لأنَّ العُقُوقَ لا يَمنَعُ من الحُقُوقِ، ولنَتَذَكَّرْ جَمِيعَاً قَولَ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

«الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ»:

أيُّها الإخوة الكرام: اِلتَزِمُوا حُدُودَ اللهِ تعالى في أَموَالِكُم، واتَّقُوا اللهَ تعالى فِيهَا، وأَوصُوا وَرَثَتَكُم بالقِسْمَةِ الشَّرعِيَّةِ التي بَيَّنَهَا اللهُ تعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ، وإذا أَوصَى أَحَدُكُم فَلْيَكُنْ على حَذَرٍ من أن تَكُونَ نِيَّتُهُ الإضْرَارَ بالوَرَثَةِ، وإنَّ اللهَ نَاظِرٌ لِمَا في قُلُوبِكُم، ومن أَوصَى فَلْيُوصِ بِأَقَلَّ من الثُّلُثِ.

روى الإمام مسلم عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: عَادَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَلَغَنِي مَا تَرَى مِن الْوَجَعِ، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟

قَالَ: «لَا».

قَالَ: قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟

قَالَ: «لَا، الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ».

يَقُولُ تُرجُمَانُ القُرآنِ وحَبْرُ الأُمَّةِ سَيِّدُنَا عَبدُ اللهِ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِن الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» رواه الإمام مسلم.

لا تُوصِ بالثُّلُثِ، لأنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَدَّ الثُّلُثَ كَثِيرَاً، ثمَّ عَلَّلَ ذلكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» رواه الإمام مسلم.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: إعطَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَاجِبٌ على كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ، وعلى جَمِيعِ المُستَوَيَاتِ كُلِّهَا، من الحَاكِمِ إلى المَحْكُومِ، لأنَّ إيصَالَ الحُقُوقِ لأصحَابِهَا يَغرِسُ في النُّفُوسِ الفَضِيلَةَ، ويَجعَلُ للغَارِسِ ذِكْرَاً طَيِّبَاً في حَيَاتِهِ وبَعدَ مَمَاتِهِ، والعَكْسُ بالعَكْسِ.

أيُّها الإخوة الكرام: من وَصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ، وَرَدَّ إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلا إِنَّهَا لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ بَعْدَ مَوْقِفِي هَذَا». فَلْنَلْتَزِمْ هَدْيَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لذلكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الخميس: 27/محرم /1435هـ، الموافق: 20/تشرين الثاني/ 2014م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2279 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2279
20-06-2019 1370 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1370
28-04-2019 1152 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1152
28-04-2019 1164 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1164
21-03-2019 1734 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1734
13-03-2019 1604 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1604

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412039889
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :