43ـ كلمة شهر رمضان1431هـ: هنيئاً لك أيها الصائم بعطاء الله تعالى لك

43ـ كلمة شهر رمضان1431هـ: هنيئاً لك أيها الصائم بعطاء الله تعالى لك

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيها الإخوة الصائمون الكرام، يا من أمرتم بالصيام فصمتم، وأمرتم بالقيام فقمتم، سلوا الله لي ولكم الثبات، لأن السعيد من استجاب لله تعالى، ولسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعاه لما يحييه.

وها أنا أزفُّ لكم بعض عطاء الله تعالى لكم:

أولاً: فُتحت لكم أبواب الجنة: كما جاء في الحديث الشريف: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ) رواه البخاري ومسلم، وهذا دليل رحمة الله تعالى بعباده الصائمين.

ثانياً: غُفرت ذنوبكم بإذن الله تعالى: كما جاء في الحديث الشريف: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه) رواه البخاري ومسلم. وأنا لا أتألَّى على الله تعالى بأنكم صمتم هذا الشهر وأنتم مؤمنون بفرضيته، وترجون الثواب من الله تعالى.

ويقول صلى الله عليه وسلم: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) رواه مسلم.

ثالثاً: لا يعلم أجر صيامكم إلا الله تعالى: كما جاء في الحديث القدسي: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي...) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

واعلموا يا إخوتي بأن العطاء على قدر المعطي، لا على قدر المعطى له، والمعطي هو الله تعالى، والله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وكذلك عطاؤه ليس كعطاء البشر، اللهم أكرمنا بذلك.

رابعاً: مضاعف أجر أعمالكم: كما جاء في الحديث الشريف: (من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه) رواه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي في شعب الإيمان. وهذا من كرم الله تعالى حيث ضاعف أجر الصيام، وضاعف أجر الأعمال الصالحة التي يتقرب فيها العبد إلى الله تعالى.

خامساً: استغفار الملائكة لكم: كما جاء في الحديث الشريف: (وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمْ الْمَلائِكَةُ حَتَّى يُفْطِرُوا) رواه الأمام أحمد. وهذا استغفار خاص للصائمين، لأن الملائكة الكرام يستغفرون للمؤمنين بشكل عام، كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}.

كم فضل الله علينا كبير! حيث هؤلاء الملائكة الكرام الذين لا يعصون الله ما أمرهم يستغفرون لنا نحن الخطائين، كما جاء في الحديث الشريف: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رواه الإمام أحمد والترمذي. وفي الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ) رواه مسلم. فإذا جمع العبد بين استغفاره واستغفار الملائكة له، واستغفار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا، لأنه يقول صلى الله عليه وسلم: (حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض عليَّ أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم) رواه البزار، فإذا جمع العبد ذلك فما أحرى هذا العبد بالفوز بأعلى المطالب وأكرم الغايات، اللهم اجعلنا منهم. آمين.

سادساً: دعاؤكم مستجاب بإذن الله تعالى: كما جاء في الحديث الشريف: (ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ) رواه الإمام أحمد والترمذي وقال: حديث حسن.

وفي حديث آخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ) رواه ابن ماجه. وهذا من كرم الله تبارك وتعالى بأن دعاء الصائم طول نهاره مستجاب، وعند فطره دعاؤه مستجاب كذلك، وصدق الله القائل في كتابه العظيم في آخر آيات الصوم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}.

ولكن جديرٌ بنا أن نهتم بأسباب استجابة الدعاء،لأن الاستجابة من الله تعالى متحقِّقة، ذلك لقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، فوعدُ الله لا يُخلف، ولكنَّ الأمرَ متوقِّف علينا، هل نأخذ بأسباب استجابة الدعاء أم لا؟ لذلك كان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: (إني لا أحمل هَمَّ الإجابة، ولكن أحمل هَمَّ الدعاء، فإن أُلْهِمت الدعاء فإنَّ الإجابة معه).

ومن أهمِّ أسباب استجابة الدعاء أن يكون المطعم والمشرب من حلال، كما جاء في الحديث الشريف: (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة) رواه الطبراني.

وفي الحديث الآخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) رواه مسلم.

سابعاً: لكم فرحتان أيها الصائمون: كما جاء في الحديث: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ) متفق عليه. الفرحة الأولى عند فطرك في آخر كل يوم من الصيام، وفي آخر يوم من رمضان حيث ترى نفسك موفقاً للصيام، وغيرك قد حُرم من هذه الطاعة والعياذ بالله تعالى، وتأكل من نعمة الله عليك عند غروب شمس كل يوم، وعند غروب شمس آخر يوم من رمضان.

والفرحة الكبرى الحقيقية عند لقاء الله تعالى، وخاصة عندما يكرمك الله تعالى بدخول الجنة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ويتوَّج هذا اللقاء بالنظر إلى وجهه الكريم، كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة}. كم هو فضل الله عليك عظيم بهاتين الفرحتين، غيرك قد حُرمهما والعياذ بالله تعالى؟

وفي الختام:

أيها الإخوة الكرام: لنستغل هذا الشهر العظيم المبارك، حيث الرحمات وحيث العطاء من الله تعالى، وطوبى لعبد استغل هذا الشهر العظيم المبارك، يقول صلى الله عليه وسلم: (افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ) رواه الطبراني في الكبير، وابن أبي شيبة، والبيهقي في شعب الإيمان.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والحمد لله رب العالمين.

أخوكم أحمد النعسان يرجوكم دعوة صالحة

في ظهر الغيب وعند الفطور وعند السحور.

**        **     **

 

 2010-08-11
 15164
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 74 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 74
13-03-2024 244 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 244
09-02-2024 498 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 498
13-01-2024 296 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 296
14-12-2023 433 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 433
16-11-2023 535 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 535

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412536803
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :