18ـ مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: إن أخذ الله نصيراً جاء بغيره

18ـ مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: إن أخذ الله نصيراً جاء بغيره

 

 مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

18ـ إن أخذ الله نصيراً جاء بغيره

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد تَرَبَّى آلُ بَيتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وهُم يَتَعَلَّمُونَ دُرُوسَاً في الثَّبَاتِ على الحَقِّ، وبِأَنَّ اللهَ تعالى ﴿غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾. يَتَعَلَّمُونَ دُرُوسَاً في الصَّبْرِ والمُصَابَرَةِ، وأَنَّ العَاقِبَةَ للمُتَّقِينَ، يَتَعَلَّمُونَ دُرُوسَاً من جَدِّهِمُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرَاً، وبِأَنَّ الفَرَجَ يَأْتِي من قَلْبِ الضِّيقِ.

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد تَعَلَّمَ أَهْلُ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَنَّهُ عِنْدَمَا يَدْخُلُ الإِيمَانُ في قُلُوبِ أَهْلِهِ يَصُوغُهُم صِيَاغَةً كَامِلَةً، ويَجْعَلُهُم مِرْآةً صَادِقَةً يَتَمَثَّلُ فِيهَا عُمْقُ الإِيمَانِ باللهِ تعالى، وعُمْقِ التَّسْلِيمِ بِمَا جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

لَقَد تَعَلَّمُوا رَضِيَ اللهُ عَنهُم بِأَنَّ اللهَ تعالى إذا أَخَذَ نَصِيرَاً لهذا الدِّينِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ أَنْصَارَاً لَهُ، وإذا تَخَلَّى النَّاسُ عن نُصْرَةِ هذا الدِّينِ، فَإِنَّ اللهَ تعالى قَادِرٌ على أن يُهَيِّئَ لهذا الدِّينِ مَن يَحْمِلُهُ.

إذا أَرَادَ اللهُ تعالى أَمْرَاً هَيَّأَ أَسْبَابَهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: عِنْدَمَا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ، والسَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ الكُبْرَى في عَامٍ وَاحِدٍ، وهوَ العَامُ العَاشِرُ من البِعْثَةِ، وهُمَا اللَّذَانِ كَانَا سَنَدَاً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وكَانَا وَفِيَّيْنِ نَاصِرَيْنِ للحَبِيبِ الأَعْظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ظَنَّتْ قُرَيشٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ صَارَ عَدِيمَ النَّصِيرِ من البَشَرِ، ومَا عَلِمُوا بِأَنَّ قُلُوبَ العِبَادِ بَينَ إِصْبِعَيْنِ من أَصَابِعِ الرَّحمَنِ، ومَا عَلِمُوا بِأَنَّ اللهَ تعالى قَادِرٌ على أن يَسْتَبْدِلَ بِهِم غَيْرَهُم.

أيُّها الإخوة الكرام: إذا كَانَتْ قُرَيشٌ قَاوَمَتْ دَعْوَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِكُلِّ سِلاحٍ، وصَدُّوا النَّاسَ عَنهُ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ، وكَانَ سِلاحُهُمُ الكَذِبَ والافْتِرَاءَ والزُّورَ، فَإِنَّ اللهَ تعالى الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدَى ودِينِ الحَقِّ لَن يَتَخَلَّى عَنهُ، وسَيُؤَيِّدُهُ من حَيثُ لا يَدْرِي ولا يَحْتَسِبُ النَّاسُ، وإذا أَرَادَ اللهُ تعالى أَمْرَاً هَيَّاَ أَسْبَابَهُ.

كَانَ رَجُلٌ من قَبِيلَةِ دَوْسٍ اسْمُهُ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرٍو سَيِّدَاً في قَبِيلَتِهِ، وشَرِيفَاً من أَشْرَافِ العَرَبِ المَعْرُوفِينَ، وَوَاحِدَاً من أَصْحَابِ المُرُوءَاتِ المَعْدُودِينَ، لا يَنْزِلُ لَهُ قِدْرٌ عن النَّارِ، ولا يُوجَدُ لَهُ بَابٌ أَمَامَ طَارِقٍ، يُطْعِمُ الجَائِعَ، ويُؤَمِّنُ الخَائِفَ، ويُجِيرُ المُسْتَجِيرَ، كَانَ أَدِيبَاً أَرِيبَاً، شَاعِرَاً لَبِيبَاً، مُرْهَفَ الحِسِّ، رَقِيقَ الشُّعُورِ، بَصِيرَاً بِحُلْوِ البَيَانِ ومُرِّهِ.

أيُّها الإخوة الكرام: عِنْدَمَا تَوَالَتِ المَصَائِبُ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وفَقَدَ النَّصِيرَ، وضَاقَتْ عَلَيهِ الأَسْبَابُ، شَاءَ اللهُ تعالى أن يَسُوقَ الطُّفَيْلَ بنَ عَمْرٍو من تِهَامَةَ مَنَازِلِ قَوْمِهِ إل مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ، حَيثُ رَحَى الصِّرَاعِ دَائِرٌ بَينَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وكُفَّارِ مَكَّةَ، كُلٌّ يُرِيدُ أن يَكْسِبَ لِنَفْسِهِ الأَنصَارَ، فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَدْعُو لِرَبِّهِ، والمُشْرِكُونَ يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنهُ، وفي وَسَطِ هذا الصِّرَاعِ، وفي تِلكَ الآوِنَةِ الحَرِجَةِ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ سَاقَ اللهُ تعالى الطُّفَيْلَ بنَ عَمْرٍو إلى مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ لِيَجِدَ مَعْرَكَةً غَرِيبَةً فِيهَا بَينَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وقُرَيشٍ، وهوَ مَا قَدِمَ مَكَّةَ من أَجْلِ هذهِ المَعْرَكَةِ.

خَوْفُ قُرَيشٍ من إِسْلامِ الطُّفَيْلِ بنِ عَمْرٍو:

أيُّها الإخوة الكرام: عِنْدَمَا رَأَتْ قُرَيشٌ الطُّفَيْلَ بنَ عَمْرٍو في مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ، وهيَ تَعْلَمُ مَن هوَ الطُّفَيْلُ ابنُ عَمْرٍو في العَرَبِ عَامَّةً، وفي قَوْمِهِ خَاصَّةً، خَافَتْ من أَن يَتَأَثَّرَ بالقُرآنِ العَظِيمِ، إذا سَمِعَهُ من رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ويُؤْمِنَ بِهِ بَعْدَ ذلكَ.

أَقْبَلَتْ قُرَيشٌ على الطُّفَيْلِ، ورَحَّبَتْ بِهِ أَكْرَمَ تَرْحِيبٍ، وأَنْزَلَتْهُ أَعَزَّ مَنْزِلٍ، واجْتَمَعَ إِلَيهِ سَادَةُ قُرَيشٍ وكُبَرَاؤُهَا لِيُخَوِّفُوهُ من الدُّنُوِّ من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ومن سَمَاعِ كَلامِهِ.

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَسْمَعْ من الطُّفَيْلِ وهوَ يُحَدِّثُنَا عن هذا المَوْقِفِ العَصِيبِ، جَاءَ في الرَّوْضِ الأُنُفِ، في سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ عَلَى مَا يَرَى مِنْ قَوْمِهِ يَبْذُلُ لَهُمُ النَّصِيحَةَ وَيَدْعُوهُمْ إلَى النَّجَاةِ مِمَّا هُمْ فِيهِ؛ وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ، حِينَ مَنَعَهُ اللهُ مِنْهُمْ يُحَذِّرُونَهُ النَّاسَ وَمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِن الْعَرَبِ.

وَكَانَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ يُحَدَّثُ أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِهَا، فَمَشَى إلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ الطُّفَيْلُ رَجُلاً شَرِيفَاً، شَاعِرَاً لَبِيبَاً، فَقَالُوا لَهُ: يَا طُفَيْلُ، إنَّكَ قَدِمْتَ بِلَادَنَا، وَهَذَا الرَّجُلُ الذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَدْ أَعْضَلَ بِنَا، وَقَدْ فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتَّتْ أَمْرَنَا، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ كَالسِّحْرِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَبِيهِ، وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ، وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْك وَعَلَى قَوْمِك مَا قَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا، فَلَا تُكَلَّمَنَّهُ وَلَا تَسْمَعَنَّ مِنْهُ شَيْئَاً.

قَالَ: فَوَاللهِ مَا زَالُوا بِي حَتَّى أَجْمَعْتُ أَنْ لَا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئَا وَلَا أُكَلِّمَهُ حَتَّى حَشَوْتُ فِي أُذُنَيَّ حِينَ غَدَوْتُ إلَى الْمَسْجِدِ كُرْسُفَاً فَرَقَاً مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَسْمَعَهُ.

قَالَ: فَغَدَوْت إلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ.

قَالَ: فَقُمْت مِنْهُ قَرِيبَاً فَأَبَى اللهُ إلا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ، فَسَمِعْتُ كَلَامَاً حَسَنَاً، فَقُلْت فِي نَفْسِي: وَاثَكْلَ أُمِّي ، واللهِ إنِّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيَّ الْحَسَنُ مِن الْقَبِيحِ، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ مَا يَقُولُ، فَإِنْ كَانَ الذِي يَأْتِي بَهْ حَسَنَاً قَبِلْتُهُ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحَاً تَرَكْتُهُ.

قَالَ: فَمَكَثْت حَتَّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلَى بَيْتِهِ فَاتَّبَعْتُهُ، حَتَّى إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْت: يَا مُحَمَّدُ، إنَّ قَوْمَكَ قَدْ قَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلذِي قَالُوا، فَوَاللهِ مَا بَرِحُوا يُخَوِّفُونَنِي أَمْرَك حَتَّى سَدَدْت أُذُنَيَّ بِكُرْسُفٍ لِئَلَّا أَسْمَعَ قَوْلَكَ، ثُمَّ أَبَى اللهُ إلا أَنْ يُسْمِعَنِي قَوْلَكَ، فَسَمِعْتُهُ قَوْلَاً حَسَنَاً، فَاعْرِضْ عَلَيَّ أَمْرَك.

قَالَ: فَعَرَضَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيَّ الْقُرْآنَ، فَلَا واللهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلَاً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَلَا أَمْرَاً أَعْدَلَ مِنْهُ.

قَالَ: فَأَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، وَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إنِّي امْرُؤٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي، وَأَنَا رَاجِعٌ إلَيْهِمْ وَدَاعِيهمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي آيَةً تَكُونُ لِي عَوْنَاً عَلَيْهِمْ فِيمَا أَدْعُوهُمْ إلَيْهِ.

فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً».

قَالَ: فَخَرَجْتُ إلَى قَوْمِي، حَتَّى إذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةٍ تُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ وَقَعَ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيَّ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ فِي غَيْرِ وَجْهِي، إنِّي أَخْشَى أَنْ يَظُنُّوا أَنَّهَا مُثْلَةٌ وَقَعَتْ فِي وَجْهِي لِفِرَاقِي دِينَهُمْ.

قَالَ: فَتَحَوَّلَ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي، فَجَعَلَ الْحَاضِرُ يَتَرَاءَوْنَ ذَلِكَ النُّورَ فِي سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ وَأَنَا أَهْبِطُ إلَيْهِمْ مِن الثَّنِيَّةِ، قَالَ: حَتَّى جِئْتُهُمْ فَأَصْبَحْتُ فِيهِمْ.

الطُّفَيْلُ الرَّجُلُ الدَّاعِي إلى اللهِ تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَكْرَمَ اللهُ تعالى الطُّفَيْلَ بالإِسْلامِ، والإِيمَانِ، ونَقْلِ الخَيْرِ لأَهْلِهِ، وصَبَرَ عَلَيهِم حَتَّى آمَنُوا.

جَاءَ في الرَّوْضِ الأُنُفِ: قَالَ الطُّفَيْلُ: فَلَمَّا نَزَلْت أَتَانِي أَبِي، وَكَانَ شَيْخَاً كَبِيرَاً، فَقُلْتُ: إلَيْكَ عَنِّي يَا أَبَتِ، فَلَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي.

قَالَ: وَلِمَ يَا بُنَيَّ؟

قَالَ: قُلْتُ: أَسْلَمْتُ وَتَابَعْت دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، فَدِينِي دِينُكَ؟

قَالَ: فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ، ثُمَّ جَاءَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ.

ثُمَّ أَتَتْنِي صَاحِبَتِي، فَقُلْتُ: إلَيْكِ عَنِّي، فَلَسْتُ مِنْكِ وَلَسْتِ مِنِّي.

قَالَتْ: لِمَ؟ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي.

قَالَ: قَدْ فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ الْإِسْلَامُ، وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟

قَالَتْ: فَدِينِي دِينُكَ.

قَالَ: قُلْتُ: فَاذْهَبِي إلَى حِنَا ذِي الشِّرَى ـ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ حِمَى ذِي الشِّرَى ـ فَتَطَهَّرِي مِنْهُ.

قَالَ: وَكَانَ ذُو الشِّرَى صَنَمَاً لِدَوْسٍ، وَكَانَ الْحِمَى حِمَى حَمَوْهُ لَهُ، بِهِ وَشَلٌ مِنْ مَاءٍ يَهْبِطُ مِنْ جَبَلٍ.

قَالَ: فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَتَخْشَى عَلَى الصَّبِيَّةِ مِنْ ذِي الشِّرَى شَيْئَاً.

قَالَ: قُلْتُ: لَا، أَنَا ضَامِنٌ لِذَلِكَ، فَذَهَبَتْ فَاغْتَسَلَتْ، ثُمَّ جَاءَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَتْ.

ثُمَّ دَعَوْتُ دَوْسَاً إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَبْطَئُوا عَلَيَّ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِمَكّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إنَّهُ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى دَوْسٍ الرَّنَا، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ.

فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسَاً، ارْجِعْ إلَى قَوْمِك، فَادْعُهُمْ وَارْفُقْ بِهِمْ».

قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ بِأَرْضِ دَوْسٍ أَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ، ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَعِي مِنْ قَوْمِي، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِخَيْبَرَ؛ حَتَّى نَزَلْتُ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ بَيْتَاً مِنْ دَوْسٍ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: هكذا تَرَبَّى آلُ البَيْتِ الكِرَامِ، في بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، تَعَلَّمُوا الصَّبْرَ من جَدِّهِم، وعَرَفُوا بِأَنَّ العَاقِبَةَ لأَهْلِ التَّقْوَى، فَكَانُوا أَهْلَهَا وأَحَقَّ بِهَا رَضِيَ اللهُ عَنهُم وأَرْضَاهُم، آمين.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بالثَّبَاتِ وتَعْجِيلِ الفَرَجِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 4/رجب/1435هـ، الموافق: 23/نيسان / 2015م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 1396 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 1396
13-02-2020 1957 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 1957
23-01-2020 2591 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 2591
16-01-2020 990 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 990
09-01-2020 1328 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1328
03-01-2020 1023 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1023

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413167560
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :