43-دروس رمضانية 1437هـ:«فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ»

43-دروس رمضانية 1437هـ:«فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ»

.

دروس رمضانية 1437هـ

43ـ «فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ خَلَقَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى المَلَائِكَةَ على هَيْئَةٍ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَعْصُوا اللهَ تعالى، فَهُمْ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ؛ وَخَلَقَ الإِنْسَانَ على هَيْئَةٍ تَخْتَلِفُ عَنِ المَلَائِكَةِ الكِرَامِ، هَذَا الإِنْسَانُ عَبْدٌ ضَعِيفٌ، أَوْدَعَ اللهُ تعالى فِيهِ مِنَ الغَرَائِزِ وَالقِوَى مَا يَجْعَلُهُ في صِرَاعَاتٍ مُسْتَمِرَّةٍ مَعَ عَوَامِلِ الخَيْرِ وَالـشَّرِّ، وَالحَقِّ وَالبَاطِلِ.

وَمِنْ لُطْفِ اللهِ تعالى بِالإِنْسَانِ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنَّهُ فَتَحَ أَمَامَ هَذَا الإِنْسَانِ بَابَ الرَّجَاءِ، وَقَدَّمَ لَهُ قَوَارِبَ النَّجَاةِ، وَأَرْشَدَهُ إلى مَا يُبَدِّدُ مَخَاوِفَهُ، وَيُزِيلُ هُمُومَهُ، وَيُخَفِّفُ أَعْبَاءَهُ، وَذَلِكَ بِتَوْبَةٍ صَادِقَةٍ نَصُوحٍ.

يَقُولُ سَيِّدُنَا الحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ أَنْ تُبْغِضَ الذَّنْبَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ، وَتَسْتَغْفِرَ مِنْهُ إِذَا ذَكَرْتَهُ.

﴿وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: بِالتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ النَصُوحٍ يُخَفِّفُ اللهُ تعالى عَنِ العَبْدِ أَوْزَارَهُ، وَيُخَلِّصَهُ مِنْ أَثْقَالِهَا، وَلَو كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ، قَالَ تعالى: ﴿وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلَاً عَظِيمَاً * يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفَاً﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنْ تَمَامِ رَحْمَةِ اللهِ تعالى التي كَتَبَهَا على نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾. أَنَّهُ فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ، وَنَادَى جَمِيعَ عِبَادِهِ وَخَاصَّةً المُؤْمِنِينَ إلى التَّوْبَةِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعَاً أَيُّهَ الْـمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. مَعَ أَنَّهُ تَبَارَكَ وتعالى غَنِيٌّ عَنْهُمْ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ﴾.

دَعَا اللهُ تعالى عِبَادَهُ إلى التَّوْبَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ، لَا في الدُّنْيَا وَلَا في الآخِرَةِ، بَلْ يُرِيدُ أَنْ يَرْحَمَهُمْ ﴿مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرَاً عَلِيمَاً﴾. يُرِيدُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَشْكُرُوهُ لَا أَنْ يَكْفُرُوا بِنِعَمِهِ فَضْلاً عَنْ ذَاتِهِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: اللهُ تعالى يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا، وَهَذَا عَيْنُ الفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ. فَاللهُ تعالى يَقْبَلُ تَوْبَةَ التَّائِبِينَ المُذْنِبِينَ لَيْلَاً وَنَهَارَاً، وَمَا خَصَّ قَبُولَهَا في وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ.

وَمِنْ تَمَامِ فَضْلِهِ عَلَيْنَا أَنَّهُ قَدَّمَ تَوْبَتَهُ على تَوْبَتِنَا، قَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾. كَمَا قَدَّمَ مَحَبَّتَهُ على مَحَبَّتِنَا، قَالَ تعالى: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾. وَاللهُ تعالى يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْـمُتَطَهِّرِينَ﴾.

وَإِذَا أَحَبَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدَهُ أَمَرَ سَيِّدَنَا جِبْرِيلَ أَنْ يُحِبَّهُ، وَالمَلَائِكَةَ جَمِيعَاً، ثمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأَرْضِ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدَاً دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانَاً فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانَاً فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ».

﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: وَمِنْ تَمَامِ فَضْلِهِ تعالى على خَلْقِهِ أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، وَأَلْزَمَ ذَاتَهُ العَلِيَّةَ بِقَبُولِ تَوْبَةِ التَّائِبِينَ، قَالَ تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءَاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمَاً حَكِيمَاً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْـمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَاً أَلِيمَاً﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَتَدَبَّرْ هَذَا الحَدِيثَ القُدْسِيَّ، مَا أَعْظَمَهُ وَأَعْظَمَ فَوَائِدَهُ؟ يَقُولُ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّنَا القَائِلُ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا صِدْقَ التَّوْبَةِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

              الاثنين: 22/ رمضان /1437هـ، الموافق: 27/ حزيران / 2016م

 2016-06-27
 917
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 198 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 198
26-05-2022 639 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 639
26-05-2022 466 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 466
29-04-2022 362 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 362
29-04-2022 745 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 745
29-04-2022 851 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 851

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411929243
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :