39ـ نحو أسرة مسلمة: حق سيدنا رسول الله    علينا: الإيمان به   

39ـ نحو أسرة مسلمة: حق سيدنا رسول الله    علينا: الإيمان به   

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

خلاصة الدرس الماضي:

فقد ذكرنا في الدرس الماضي بأن أعظم نعمة منَّ الله عز وجل بها علينا هي نعمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي بها عرفنا النعمة الأعظم والتي هي نعمة التوحيد، ومن حافظ على هاتين النعمتين فقد حافظ على جميع النعم، ومن حُرِمَهُمَا انقلبت عليه جميع النعم إلى نِقَمٍ والعياذ بالله تعالى.

(وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا):

أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفوا قدر هاتين النعمتين بشهادة الله عز وجل، قال تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا}. وكان من مظاهر تقديرهم لهذه النعمة ما جاء في الحديث الصحيح، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ، قَالَ: الله مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَالله مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي، وَإِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: (مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِكِ عَلَيْنَا، قَالَ: آلله مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَالله مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ) رواه مسلم وأحمد.

هل الاحتفال بيوم المولد بدعة؟

اجتماع الصحابة رضي الله عنهم وكذلك التابعون في بيت من بيوت الله عز وجل يذكرون الله تعالى، ويحمدونه على نعمه وما منَّ عليهم من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر بدعة ضالة منكرة؟

وإني أتعجب من بعض الإخوة الذين جعلوا همهم ودأبهم في مثل هذه الأيام أن ينكروا اجتماع المسلمين في بيوت الله عز وجل وهم يقرؤون القرآن العظيم ويمدحون النبي صلى الله عليه وسلم، ويتعرفون على شمائله صلى الله عليه وسلم ويعتبرون هذا الفعل حراماً.

يا سبحان الله هل إذا اجتمع المسلمون بالصور التي تعرفونها هذا أمر منكر وهو بدعة في الدين؟

البدعة في الدين التي حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم هي أن تقحم في دين الله عز وجل ما ليس منه، وتقول عنه هذا فرض أو واجب أو سنة أو حرام أو مكروه.

هل سمعتم أيها الإخوة من أهل العلم من يقول بأن الاجتماع يوم المولد سنة يجب الالتزام بها؟ هل سمعتم من ينكر على من لا يحضر المولد؟

إن إقامة المولد أمر مباح مَنْ فَعَلَهُ بنية صالحة أُجِرَ عليه بإذن الله تعالى، وإنَّ تحريمَ المباح هو البدعة في دين الله عز وجل، لأن تحريم أمر من الأمور يحتاج إلى دليل، وذلك لقول الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب}. ويقول الله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُون}. فمن قال بأن المولد بدعة محرمة لا يجوز ففعله هذا افتراء بدون دليل، وهو البدعة.

نَعَم أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوا المولد بالشكل الذي تعارفه الناس اليوم، ولكن أَمَا اجتمع الصحابة رضي الله عنهم في المسجد لتلاوة القرآن العظيم؟ أما اجتمع الصحابة رضي الله عنهم في المسجد يذكرون الله تعالى ويحمدونه على نعمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أَمَا اجتمع الصحابة رضي الله عنهم في المسجد وهم يسمعون الشعر في مدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

فإذا جَمَعَ المسلمون هذه الصور المتفرقة في ساعة مختصرة هل يكون بدعة في دين الله عز وجل؟

ما هو حق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا؟

نحن بحاجة للاجتماع في بيوت الله عز وجل بين الحين والآخر حتى نتعرف على حقِّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا،لأن حقوق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا كثيرة جداً.

أهمُّ هذه الحقوق وأعظمها هو الإيمان به صلى الله عليه وسلم إيماناً حقيقياً لا إيماناً تقليدياً بأن نقول بألسنتنا: (رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً) فلو كانت قضية الإيمان باللسان فقط لما حُورِبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من قبل قومه.

هاتها وأبيك عشراً:

أبو جهل ومن معه من صناديد قريش عرفوا بأن الإيمان ليس مجرد ترديد الشهادتين على اللسان فقط، بل لا بدَّ من العمل بمستلزمات هذا الإيمان، وكان يصعب عليهم ذلك لأنَّ هذا يتعارض مع وجودهم، فَهُم لا يحبون أن يكونوا سواسية مع الناس جميعاً، ولا يحبون أن يتقيدوا بقيود الشريعة التي تَكْفَلُ للجميع حقوقهم، وتساوي بين القوي والضعيف، والسيد والمسود، والعربي والأعجمي.

لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ، ابْنُ أَخِيكَ يَشْتِمُ آلِهَتَنَا يَقُولُ وَيَقُولُ وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِ فَانْهَهُ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ، وَكَانَ قُرْبَ أَبِي طَالِبٍ مَوْضِعُ رَجُلٍ، فَخَشِيَ إِنْ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَمِّهِ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجِدْ مَجْلِسًا إِلا عِنْدَ الْبَابِ فَجَلَسَ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: يَا بْنَ أَخِي إِنَّ قَوْمَكَ يَشْكُونَكَ، يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَتَقُولُ وَتَقُولُ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقَالَ: (يَا عَمِّ إِنِّي إِنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ)، قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا، قَالَ: (لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ)، قَالَ: فَقَامُوا وَهُمْ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: {لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} رواه أحمد.

فالإيمان تصديق، ومن صدَّق التَزم بما صَدَّقَ به، وإلا فهو دَعِيٌّ.

دليل وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم:

والآيات في كتاب الله عز وجل التي تأمرنا بالإيمان به صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً، منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا}. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}. وقوله تعالى: {آمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِير * وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين}.

وأمره الله تعالى أن يعلن للناس جميعاً أن عليهم أن يؤمنوا به ويتبعوه، قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون}. وقال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}. وكلُّ من كفر بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب أو المشركين ومات على ذلك فهو في نار جهنم خالداً فيها ولو نطق بكلمة التوحيد، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة}.

وما من نصراني أو يهودي سمع ببعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به إلا أكبَّه الله تعالى في نار جهنم، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) رواه مسلم.

هل يعقل أنهم لا يعرفونه صلى الله عليه وسلم؟

نحن نصدق الله تعالى فيما يقوله في كتابه العظيم، وفيما يخبر به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون}. وقال تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُون}.

وهذا عبد الله بن سلام رضي الله عنه عندما أعلن إسلامه قَالَ: لَمّا سَمِعْت بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرَفْت صِفَتَهُ وَاسْمَهُ وَزَمَانَهُ الّذِي كُنّا نَتَوَكّفُ لَهُ، فَكُنْت مُسِرّا لِذَلِكَ صَامِتًا عَلَيْهِ، حَتّى قَدِمَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمّا نَزَلَ بِقُبَاءٍ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتّى أَخْبَرَ بِقُدُومِهِ وَأَنَا فِي رَأْسِ نَخْلَةٍ لِي أَعْمَلُ فِيهَا، وَعَمّتِي خَالِدَةُ بْنت الْحَارِثِ تَحْتِي جَالِسَةٌ، فَلَمّا سَمِعْت الْخَبَرَ بِقُدُومِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَبّرْت، فَقَالَتْ لِي عَمّتِي حِينَ سَمِعَتْ تَكْبِيرِي: خَيّبَك اللّهُ وَاَللّهِ لَوْ كُنْت سَمِعْت بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ قَادِمًا مَا زِدْت، قَالَ: فَقُلْت لَهَا: أَيْ عَمّةَ هُوَ وَاَللّهِ أَخُو مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَعَلَى دِينِهِ بُعِثَ بِمَا بُعِثَ بِهِ. قَالَتْ: أَيْ ابْنَ أَخِي، أَهُوَ النّبِيّ الّذِي كُنّا نُخْبَرُ أَنّهُ يُبْعَثُ مَعَ نَفَسِ السّاعَةِ؟ قَالَ: فَقُلْت لَهَا: نَعَمْ. قَالَ: فَقَالَتْ: فَذَاكَ إذًا.

قَالَ: ثُمّ خَرَجْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمْت، ثُمّ رَجَعْت إلَى أَهْلِ بَيْتِي، فَأَمَرْتهمْ فَأَسْلَمُوا. قَالَ: وَكَتَمْت إسْلامِي مِنْ يَهُودَ، ثُمّ جِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت لَهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، إنّ يَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، وَإِنّي أُحِبّ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِك، وَتُغَيّبُنِي عَنْهُمْ ثُمّ تَسْأَلُهُمْ عَنّي، حَتّى يُخْبِرُوك كَيْفَ أَنَا فِيهِمْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلامِي، فَإِنّهُمْ إنْ عَلِمُوا بِهِ بَهَتُونِي وَعَابُونِي.

قَالَ: فَأَدْخَلَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ وَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَكَلّمُوهُ. قَالَ لَهُمْ: (أَيّ رَجُلٍ الْحُصَيْنُ بْنُ سَلامٍ فِيكُمْ)؟ قَالُوا: سَيّدُنَا وَابْنُ سَيّدِنَا، وَحَبْرُنَا وَعَالِمُنَا. قَالَ: فَلَمّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ خَرَجْت عَلَيْهِمْ فَقُلْت لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللّهَ وَاقْبَلُوا مَا جَاءَكُمْ بِهِ، فَوَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ إنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ، فَإِنّي أَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَأُومِنُ بِهِ وَأُصَدّقُهُ وَأَعْرِفُهُ. فَقَالُوا: كَذَبْت ثُمّ وَقَعُوا بِي، قَالَ: فَقُلْت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أَلَمْ أُخْبِرْك يَا رَسُولَ اللّهِ أَنّهُمْ قَوْمٌ بُهُتٌ أَهْلُ غَدْرٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ، قَالَ: فَأَظْهَرْت إسْلامِي وَإِسْلامَ أَهْلِ بَيْتِي. رواه ابن حبان.

كل شيء بين السماء والأرض يعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:

بل نقول ما من شيء بين السماء والأرض إلا وهو يعلم أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول الله.

روى الإمام أحمد عنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنه قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ، حَتَّى إِذَا دَفَعْنَا إِلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ بَنِي النَّجَّارِ إِذَا فِيهِ جَمَلٌ، لا يَدْخُلُ الْحَائِطَ أَحَدٌ إِلا شَدَّ عَلَيْهِ، قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ حَتَّى أَتَى الْحَائِطَ فَدَعَا الْبَعِيرَ، فَجَاءَ وَاضِعًا مِشْفَرَهُ إِلَى الأَرْضِ حَتَّى بَرَكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَاتُوا خِطَامًا) فَخَطَمَهُ وَدَفَعَهُ إِلَى صَاحِبِه، قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّاسِ قَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ الله إِلا عَاصِيَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ).

نَعَم عَرَفَ الجَملُ أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قد يتعجب الواحد منا، هل يمكن لهذا الحيوان أن يَعْرِفَ بأنَّ سَيدنا محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: نعم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة للعالمين، ومن جملة العوالم الحيوانات، لذلك رحمته صلى الله عليه وسلم نالتهم، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قال: (مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ وُقُوفٌ عَلَى دَوَابَّ لَهُمْ وَرَوَاحِلَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ارْكَبُوهَا سَالِمَةً وَدَعُوهَا سَالِمَةً، وَلا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ لأَحَادِيثِكُمْ فِي الطُّرُقِ وَالأَسْوَاقِ، فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا هِيَ أَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْهُ) رواه أحمد.

عَرَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شكاية الجمل؟

بل الأكثر من ذلك فقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم شكاية الجمل، كما جاء في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَتَهُ وَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَبَرَّزَ كَانَ أَحَبَّ مَا تَبَرَّزَ فِيهِ هَدَفٌ يَسْتَتِرُ بِهِ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ، فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ فَإِذَا فِيهِ نَاضِحٌ لَهُ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ وَسَرَاتَهُ، فَسَكَنَ، فَقَالَ: (مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ)؟ فَجَاءَ شَابٌّ مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ: (أَلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَاكَ إِلَيَّ وَزَعَمَ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ) ثُمَّ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَائِطِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ جَاءَ وَالْمَاءُ يَقْطُرُ مِنْ لِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ فَأَسَرَّ إِلَيَّ شَيْئًا لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا، فَحَرَّجْنَا عَلَيْهِ أَنْ يُحَدِّثَنَا فَقَالَ: لا أُفْشِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ) رواه أحمد.

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

إذاً الواجب الأول الذي علينا نحو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإيمان به، يعني أن نصدق رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عن ربه عز وجل، وفيما أخبر عن نفسه، ومن آمن به وجب عليه الاتباع له صلى الله عليه وسلم بدون توقف ولا تردد.

أسأل الله تعالى أن يكرمنا بذلك وأن نموت على الإيمان الكامل حتى نلقى الله عز وجل وهو راض عنا. آمين. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

**     **     **

 

 2009-03-11
 2347
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  نحو أسرة مسلمة

28-01-2018 4060 مشاهدة
200ـ نحو أسرة مسلمة: اللَّهُمَّ فهمنيها

لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد

 28-01-2018
 
 4060
21-01-2018 4889 مشاهدة
199ـ نحو أسرة مسلمة :مفتاح سعادتنا بأيدينا

كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد

 21-01-2018
 
 4889
14-01-2018 3507 مشاهدة
198ـنحو أسرة مسلمة : بعد كل امتحان ستعلن النتائج

صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد

 14-01-2018
 
 3507
08-01-2018 4101 مشاهدة
197ـنحو أسرة مسلمة: وصية الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لنا

القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد

 08-01-2018
 
 4101
31-12-2017 4112 مشاهدة
196ـ نحو أسرة مسلمة :دمار الأسر بسبب الفسق والفجور

إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد

 31-12-2017
 
 4112
24-12-2017 3888 مشاهدة
195ـنحو أسرة مسلمة : أين بيوتنا من تلاوة القرآن؟

سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد

 24-12-2017
 
 3888

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412047582
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :