أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

833 - أسئلة واقعية حول قضايا هامة متعلقة بالمواريث

05-05-2008 53857 مشاهدة
 السؤال :
أعرض عليكم أسئلة، من واقعنا الملموس وأصحابه المعنيون على قيد الحياة، راجياً منكم جواباً شافياً لمنع المزيد من الحقد والكراهية والبغض بين أفراد أسرتنا ومن في حكمها من بين المسلمين.
 الاجابة :
رقم الفتوى : 833
 2008-05-05

السؤال الأول: هل يجوز شرعاً أن يملِّك الوالد لأولاده الذكور محلاته التجارية دون الإناث؟

 الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «سوُّوا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضِّلاً أحداً لفضَّلت النساء» رواه البيهقي والطبراني.

وبناء على ذلك:

فقد ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب التسوية ديانةً بين الأولاد في الهبة، فإن خصَّ بعضهم بعطية، أو فاضل فيما بينهم أثم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين:

1ـ إما أن يرد ما فضَّل به البعض.

2ـ وإما أن يتمِّم نصيب الآخر.

وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» رواه البخاري. لذلك لا يجوز للأب أن يخص أولاده الذكور في محلاته التجارية دون الإناث. هذا، والله تعالى أعلم.

السؤال الثاني: هل يجوز شرعاً أن يعتبر الوالد أن من حق أولاده الذكور تملّك المحلات التي يديرونها لقاء أجرهم، علماً أنهم يستجرُّون أموالاً من صندوق المحلات كمصاريف شخصية تعادل أكثر من أجور من هم في حكمهم ممن يديرون مثل تلك المحلات لنفس الحرفة؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فطالما أن الأولاد يعملون في محلات والدهم لأجل معلوم، ويأخذون أجرهم كاملاً وزيادة كما هو وارد في السؤال، فلا يجوز للوالد أن يعتبر هذه المحلات ملكاً لأولاده، ويعتبر هذا من الحيف والجور عند بعض الفقهاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير: «يا بشيرُ ألك ولد سوى هذا»؟ قال: نعم، فقال: «أكلهم وهبت له مثلَ هذا»؟ قال: لا، قال: «فلا تُشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جَوْرٍ» رواه مسلم.

وبناء على ذلك:

فلا يجوز أن يجور الوالد في القسمة بين أولاده في العطية، وخاصة أنهم يأخذون أجرهم على عملهم وزيادة. هذا، والله تعالى أعلم.

السؤال الثالث: هل يجوز شرعاً أن يملِّك الوالد رسمياً في السجل العقاري قطعة أرض للاستخدام الصناعي لأولاده الذكور دون الإناث على أن قيمتها من نتاج عمل الأولاد في محل أبيهم والذي يحمل اسمه أمام الزبائن والمورِّدين للبضائع؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإذا كانت قيمة الأرض من جهد الأبناء الذين يعملون في محل أبيهم، وكانت قيمتها تعادل أجرتهم المتفق عليها بينهم وبين أبيهم، ولم يكونوا قد أخذوا أجرتهم لقاء عملهم، وخصَّهم والدهم بهذه الأرض لقاء أجرتهم فلا حرج في ذلك شرعاً، بل هو عين العدل والإنصاف من الوالد نحو الأولاد.

أما إذا كان الأبناء يأخذون أجرتهم على عملهم، وأعطاهم والدهم الأرض زيادة على أجرتهم فيجب عليه أن يعطي بقية أبنائه من الذكور والإناث مثلها، ليحقِّق العدل بينهم وينزع من صدورهم الغلَّ والحسد فيما بينهم، وليستلَّ الحقد من نفوسهم نحو أبيهم، لأن هذا الفعل قد يوغر الصدر، ورحم الله والداً أعان ولده على بره. هذا، والله تعالى أعلم.

السؤال الرابع: هل يجوز شرعاً أن يعطي الأب لابنه تكاليف الزواج مليون ليرة سورية، ويعطي ابنته مائتي ألف ليرة أو لا يعطي بناته أي مبلغ كان؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن حقَّ الولد على والده عند بعض الفقهاء إذا بلغ سن الرجال أن يزوِّجه، كما أن من الواجب عليه إذا دخلت ابنته سن النساء وجاء من يخطبها من ذوي الدين والخلق أن يزوِّجها.

وطالما أن الإسلام أوجب المهر على الرجل دون المرأة، فإن من الواجب على الوالد عند بعض الفقهاء أن يعين ولده بالمال على زواجه، وأن يعطيه بمقدار حاجته إلى الزواج، من غير إسراف ولا تقتير، ويراعي في ذلك حالة ولده الاجتماعية، وهذا العطاء طالما أنه عن حاجة فلا يجب على الوالد أن يسوي في هذه الحالة بين الأبناء، بل يعطي كل واحد حسب حاجته، ومما لا شك فيه أن حاجة الرجل المالية في زواجه أكثر من حاجة المرأة المالية في زواجها، لأن البنت يقدم لها الخاطب أو الزوج ما تحتاجه، أما الولد فهو الذي يقدم لمخطوبته.

وبناء على ذلك:

 فلا حرج في المفاضلة بين الأبناء والبنات في العطاء عن حاجة أثناء الزواج، ولكن بدون إسراف ولا تقتير. هذا، والله تعالى أعلم.

السؤال الخامس: هل يجوز شرعاً أن لا يسأل الوالد أولاده الذكور عن ماله الجاري استخدامه في محله أو محلاته، ولا يتأكد من عدم سرقته أو إضاعته أو وضعه في غير محله؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن من الواجب شرعاً أن يتحمَّل كل واحد مسؤوليته التي حمَّله إياها الشرع، وذلك من خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع ومسؤولٌ عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعيةٌ وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته، قال: فسمعت هؤلاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحسِبُ النبي صلى الله عليه وسلم قال: والرجل في مال أبيه راع وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» رواه البخاري.

فالرجل مسؤول عن أولاده يوم القيامة، ويجب عليه أن يراقبهم، وأن يجعلهم وقَّافين عند حدود الله عز وجل وأن لا تمتد أيديهم إلى الحرام، ولو كان من مال أبيهم.

لأن من الواجب على الولد أن لا يأخذ من مال والده شيئاً إلا بعلمه، وإلا يعتبر سارقاً، إلا إذا أجاز الوالد لولده أن يأخذ من ماله ما يشاء عند الحاجة، إذا علم من ولده الإنصاف وعدم الجشع والطمع.

وإذا أجازه أن يأخذ من ماله ما يشاء عند غير الحاجة، وجب عليه أن يجيز الجميع في ذلك، وإلا كان آثماً.

والأسلم لدين الرجل أن يحظر على أولاده الأخذ من ماله إلا بعلمه، حتى يعلم الرجل كم يأخذ أولاده؟ وأين يُصرف هذا المال؟ وخاصة في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن وإضاعة المال بغير حق، وحتى يحقق العدل في العطية بين أولاده. هذا، والله تعالى أعلم.

السؤال السادس: هل يجوز شرعاً أن يبرم الوالد عقد بيع وشراء بينه وبين أولاده الذكور على أنه بيع وشراء طبيعي كما بين الغرباء، مع العلم أن القيمة المدفوعة في العقد من قبل المشتري أي الأولاد هي من أموال الوالد نفسه بعد تصاعد أرقامها؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذا العقد في صورته الظاهرية عقد بيع وشراء، وفي الحقيقة عقد هبة وعطية، وطالما أن العقد هبة وعطية في حقيقته فيجب على الوالد أن يسوِّي بين أبنائه في العطية، إلا إذا كانت الهبة لبعض أبنائه عن حاجة، وذلك لفقر أو كثرة عيال.

ولا يليق بالرجل أن يوهم بعض أولاده وبناته بأنه تمَّ عقد بيع وشراء بين الوالد وبعض أولاده، ثم تبيَّن بعد ذلك بأنه عقد هبة وعطية، لأن هذا الفعل لا يناسب الرجل الواضح في حياته مع أولاده، فالواضح هو الرابح في الدنيا والآخرة، وهو عنوان كمال الرجولة. هذا، والله تعالى أعلم.

السؤال السابع: هل يجوز شرعاً أن يقوم الأب بإخفاء نقل ملكية بعض أملاكه لصالح أولاده الذكور عن بناته في السجل العقاري. ولماذا؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فما الداعي لإخفاء الوالد نقل ملكية بعض أملاكه لبعض أولاده؟

فإن كان يخاف من الأولاد فبئس هؤلاء الأبناء، الذين نسوا قول الله عز وجل: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء: 23 ـ 24].

وإن كان قصده أن يحرم البنات من بعض أملاكه فبئس ما فعل الأب، لأن من الواجب على الأب أن يراقب الله تعالى في كل تصرفاته، ألم يقل مولانا عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1]. وقال سبحانه: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14].

ماذا سيقول العبد يوم القيامة لربنا عز وجل في جوره في العطية، بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم: «سوُّوا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضِّلاً أحداً لفضَّلت النساء» رواه البيهقي والطبراني؟

هب أن هذا الأمر من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس للوجوب بل للسُّنِّـيَّة، فأيهما الأكمل في حق الذي يدعي محبة النبي صلى الله عليه وسلم؟ ولنتق الله في أولادنا، فإما أن نعدل بينهم في العطية على قيد الحياة، وإما أن نترك كل شيء على حاله إلى ما بعد الموت، ثم يقتسم الأبناء جميعاً مال مورثهم قسمة شرعية، والله تعالى يقول: {لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً} [النساء: 11]. هذا، والله تعالى أعلم.

السؤال الثامن: هل هناك قاعدة شرعية تقول أن المحلات ملك لمن يعمل بها سواءً كان ذلك أجيراً أم قريباً لصاحب المحلات؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإني لا أدري من أين أتت هذه القاعدة، لأن أسباب التملك في هذا الدين العظيم واضحة ومعلومة، وقد ذكرها الفقهاء فقالوا: إن أسباب أو مصادر الملكية التامة في الشريعة أربعة هي:

1ـ الاستيلاء على مباح. وهو المال الذي لا يدخل في ملك شخص معين، ولم يوجد مانع شرعي من تملكه، بشرط ألا يسبق أحد إليه، وأن يقصد تملُّكه.

2ـ العقود. كعقد البيع والهبة والوصية وهي من أهم مصادر الملكية وأعمِّها وأكثرها وقوعاً في الحياة المدنية.

3ـ الخلَفية. وهي أن يخلف شخص غيره فيما كان يملكه، وهي الإرث.

4ـ التولُّد من الشيء المملوك. وهو ما يتولد من شيء مملوك لصاحب الأصل، لأن مالك الأصل مالك للفرع.

وبناء على ذلك:

فلا أصل لهذا الكلام في شرعنا، فضلاً عن أن يكون قاعدة شرعية تُبيح ملك الآخرين بغير حقٍّ. هذا، والله تعالى أعلم.

السؤال التاسع: هل يجوز شرعاً أن يبيع الوالد بعض أملاكه ــ بيعاً صورياً أو ما هو في حكمه كالفراغة ــ لأولاده الذكور أثناء تهديد حياته بمرض الموت (انسداد الشرايين)؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن بيعَ المريض مرض الموت لبعض أولاده من ماله بمثل القيمة أو بما يتغابن الناس بمثله بيعٌ موقوف على إجازة باقي الورثة، فإن أجازوه نفذ وإن ردُّوه بطل، سواء أكان البدل مساوياً لمثل القيمة أم كان محاباة، هذا هو القول الراجح عند الحنفية. كما جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية، مصطلح (مرض الموت).

وجاء في مجلة الأحكام العدلية مادة (393): إذا باع شخص في مرض موته شيئاً من ماله لأحد ورثته يعتبر ذلك موقوفاً على إجازة سائر الورثة، فإن أجازوا بعد موت المريض ينفذ البيع، وإن لم يجيزوا لا ينفذ. اهـ.

وإذا أجازوا البيع قبل موت المريض فلا يترتب على هذه الإجازة شيء من الأحكام، لأن حقَّ الإجازة أو الفسخ لا يثبت إلا بعد الموت.

أما عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة فهو بيع صحيح ونافذ إذا كان البيع بدون محاباة وكان بمثل القيمة أو بما يتغابن الناس بمثله.

وهذا إذا كان بيعاً حقيقياً لا صورياً، لأنه إذا كان صورياً فهو هبة. وإذا كان هبة فإنها تكون موقوفة على إجازة باقي الورثة، سواء أكان الموهوب أقلَّ من الثلث أم أكثر منه، فإن أجازها الورثة نفذت، وإن ردُّوها بطلت. هذا عند جمهور الفقهاء.

ونسأل الله تعالى أن يختم لنا على أحسن حال يرضيه عنا. هذا، والله تعالى أعلم.

السؤال العاشر: ما حكم تواطؤ الأب مع أولاده الذكور ضد بناته لتخصيصهم بممتلكاته دونهنَّ سراً، أي مساعدة الأولاد وتمكينهم من سرقة بعض أمواله لصالحهم؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهل من المعقول أن يتواطأ الأب مع أولاده ضد بناته لتخصيصهم بممتلكاته سراً؟ على كل حال يقول مولانا جل جلاله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92 ـ 93]. ويقول: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات: 24]. فالله تعالى سائلٌ الأب يوم القيامة لماذا فعل ذلك؟ وسائلٌ الأولاد لماذا تواطؤوا مع أبيهم على ذلك؟ وسائلٌ البنات لماذا كان موقف والدكم وإخوتكم منكم هكذا؟

الله تعالى يقول للجميع: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم: 42 ـ 43].

على كل حال، ما هذا التواطؤ ووضع الأسرة بهذا الشكل إلا لبعدنا عن دين الله عز وجل، ولإيثارنا ما يفنى على ما يبقى، وصدق الله القائل: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16 ـ 17].

وإني أقول لهذه الأسرة جميعاً: من عصى الله فيكم فلا تعصوا الله فيه، أيها الأب اتق الله، أيها الأبناء اتقوا الله، أيتها البنات اتقين الله، وليراجع كل منا الحساب، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا. هذا، والله تعالى أعلم.

السؤال الحادي عشر: هل هناك علاقة بين ما سبق ذكره من حال العرب في الجاهلية قبل الإسلام حيث كانت البنت توءد وتحرم من الميراث وتضطهد، هل هناك صلةٌ ما أو تشابه بين الماضي والحاضر؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن مما لا شك فيه أنه إذا غابت تعاليم الإسلام عن الأسرة أو المجتمع عادت الأسرة أو المجتمع إلى المجتمع الجاهلي، الذين كانوا لا يعرفون الله تعالى، وكانوا يعيشون حياتهم للدنيا فقط، لذلك كان قويهم يأكل ضعيفهم، والرجال يتسلَّطون على النساء بكل صور التسلُّط من جور وقهر وظلم.

فالإسلام جاء ليساوي بين الجميع، لأن الجميعَ عبيدٌ لله تعالى، قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدَّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم: 93 ـ 95]. وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]. أيُّنا الأتقى هو الناجي.

وإن واقعنا اليوم مرير، وفيه ظلم فاضح للنساء، لذلك رأينا ـ وبكلِّ أسف ـ المرأة صارت سلاحاً بيد أعداء هذا الدين لمحاربة الإسلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حذَّرنا من ذلك بقوله: «كل رجل من المسلمين على ثغرة من ثُغُر الإسلام، الله الله أن يؤتى الإسلام من قبلك» رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة.

أسأل الله أن يردَّنا إلى دينه ردّاً جميلاً. هذا، والله تعالى أعلم.

السؤال الثاني عشر: كيف يمكن إعادة الأمور إلى نصابها شرعاً بين الأولاد جميعاً وبدون تمييز بين الذكور والإناث، إذا رغب الأب أن يتراجع عن تصرفه بعد قراءته للحكم الشرعي، وهل من حقِّ الأولاد أن يمانعوا في ذلك؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإذا ما أراد العبد أن يصحِّح وضعه من حيث الأمور المالية، التي لم يتم العدل فيها بين أبنائه وبناته، فإما أن يستردَّ من أبنائه الذكور ما أعطاهم، على قول من قال من الفقهاء بجواز رجوع الأب فيما وهب ولده، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحلُّ لواهب أن يرجع فيما وهب لأحد، إلا الوالد فيما وهب لولده» رواه البيهقي في السنن الكبرى.

وإما أن يعطي البنات بمقدار ما أعطى الذكور، وهذا الذي أرجّحه وأفضِّله خروجاً من الخلاف بين الفقهاء في جواز رجوع الأب فيما وهب لولده، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس لنا مَثَل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه» رواه البخاري.

وإذا كان قد وزَّع ماله كلَّه على أبنائه الذكور دون الإناث، فيجب عليه عند ذلك أن يستردَّ من أبنائه الذكور ما أعطاهم، ثم يعطي إن شاء أبناءه الذكور والإناث بالتساوي، ونرجو الله السداد. هذا، والله تعالى أعلم.

السؤال الثالث عشر: هل إنشاء العقد الصوري المذكور آنفاً والمبرم بين الوالد وأولاده الذكور يعدُّ عقداً مزوراً ويدخل تحت مسمى شهادة الزور المنصوص عليها في الحديث الشريف (المعروف)؟ وهل يستند إلى أي مسوغ شرعي؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالعقد الصوري الذي كان بين الوالد والولد لا يعتبر عقد زور، بل يعتبر عقد بيع وشراء صورة، وعقد هبة حقيقة. هذا، والله تعالى أعلم.

السؤال الرابع عشر: بماذا تتوجَّه للأب المسلم، المؤمن، المصلي الذي سبق ذكر ما قام به؟ وماذا تقول للأولاد الذين أخذوا أموال أبيهم دون بقية أفراد الأسرة عمداً وتواطؤاً ضد أخواتهم البنات وغير العارفين بحقوقهم (أي في غفلة منهن)؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فأتوجَّه لهذا الأب الكريم بنصيحة، أقول فيها باختصار شديد:

من كان حريصاً على ثمرة عباداته أن يراها يوم القيامة وينتفع منها بإذن الله عز وجل، فلينظر إلى معاملاته، لأنه إذا صحت العبادات صحت المعاملة وسمت، وإذا صحت المعاملة وسمت وانضبطت بضوابط الشريعة انتفع العبد عند ذلك من عباداته في الدنيا بأن يعيش حياة طيبة، وفي الآخرة بنعيم لا ينفد مع الذين أنعم الله عليهم، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]. وأما إذا صحَّت العبادة وساءت المعاملة، ومات العبد بدون توبة، فقد يصبح من المفلسين يوم القيامة لا قدر الله تعالى.

وأتوجَّه إلى الأولاد بنصيحة: أن يتعاملوا مع أخواتهم معاملة شرعية منضبطة بالقيم العليا، والأخلاق الفاضلة، ولو أن أحدنا أنزل نفسه منزلة الآخر، ثم تعامل معه على هذا الأساس لصار سعيداً.

وأنصح الإخوة أن يعيدوا الأموال لوالدهم، ويتركوه إلى نهاية الأجل، فإذا انتهى أجل والدهم اقتسموا هذا المال قسمة شرعية، وبذلك تكون ذمتهم وذمة أبيهم بريئة. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
53857 مشاهدة