64ـ مع الصحابة وآل البيت: براءة صدر المسلمين

64ـ مع الصحابة وآل البيت: براءة صدر المسلمين

.

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

64ـ براءة صدر المسلمين

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَذَّةُ العَيْشِ بِصَفَاءِ القُلُوبِ مِنَ الضَّغَائِنِ، وَلَذَّةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا بِخُلُوِّ القُلُوبِ مِنَ الأَحْقَادِ وَالحَسَدِ وَالبَغْضَاءِ؛ لِمَاذَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ تَحَاسَدْنَا، وَتَهَاجَرْنَا، وَتَقَاطَعْنَا، وَتَدَابَرْنَا، حَتَّى وَصَلَ الأَمْرُ إلى سَفكِ الدِّمَاءِ البَرِيئَةِ، ولَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ؟

لِمَاذَا وَصَلْنَا إلى هَذَا الحَالِ، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَنَا: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانَاً»؟ رواه الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. الحَسَدُ طَرِيقُ الفَسَادِ وَالتَّبَاغُضِ وَالتَّدَابُرِ الذي يُوصِلُ إلى سَفْكِ الدِّمَاءِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا مَأْمُورٌ أَنْ يَكُونَ أَخَاً صَادِقَاً للمُؤْمِنِينَ، كُلُّنَا مَأْمُورٌ أَنْ نُكْمِلَ نَقْصَ بَعْضِنَا بَعْضَاً، وَأَنْ نَكُونَ عَوْنَاً لِبَعْضِنَا بَعْضَاً على طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَرْضَاتِهِ، كُلُّنَا بِحَاجَةٍ إلى أَخٍ يُنَاصِرُهُ وَيُؤَازِرُهُ وَيُذَكِّرُهُ وَيُعِينُهُ على طَاعَةِ اللهِ تعالى وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

بَرَاءَةُ الصَّدْرِ للمُسْلِمِينَ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَنْ يَكُونَ أَحَدُنَا مُؤْمِنَاً حَقَّاً إلا بِبَرَاءَةِ صَدْرِهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ غِلٌّ، وَأَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمَاً قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ».

ثُمَّ قَالَ: «يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: الضَّغِينَةُ إِذَا دَخَلَتِ القَلْبَ قَدْ تُطْفِئُ نُورَ الإِيمَانِ، وَتُحْدِثُ قَسْوَةً في القلْبِ، وَقَدْ تُحْدِثُ صُدُودَاً وَإِعْرَاضَاً عَنِ اللهِ تعالى، وَبِذَلِكَ يَسْتَهِينُ الإِنْسَانُ بِاحْتِقَارِ المُسْلِمِينَ وَازْدِرَائِهِم، وَقَد يَصِلُ هَذَا إلى حَدِّ اسْتِحْلَالِ دِمَائِهِم وَأَعْرَاضِهِم وَأَمْوَالِهِم.

وَقَدْ يَسْتَهِينُ صَاحِبُ الضَّغِينَةِ بِازْدِرَاءِ مُسْلِمٍ وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ».

وَقَدْ يَقَعُ صَاحِبُ الضَّغِينَةِ تَحْتَ قَوْلِ اللهِ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ نَحْنُ الآنَ بِحَاجَةٍ إلى أَنْ نُنْزِلَ كُلَّ مُؤْمِنٍ مَنْزِلَةَ أَنْفُسِنَا، وإِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَعْرِفَ كَمَالَ إِيمَانِهِ، فَلْيَنْظُرْ إِذَا ذُكِرَ مُسْلِمٌ أَمَامَهُ بِشَرٍّ، هَلْ يُدَافِعُ عَنْهُ؟ فَإِنْ كَانَ مُدَافِعَاً عَنْهُ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلَاً على كَمَالِ إِيمَانِهِ، وَإِلَّا فَلْيَبْكِ أَحَدُنَا على نَفْسِهِ.

الحَذَرُ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ على الأُمَّةِ أَنْ تَحْذَرَ أَشَدَّ الحَذَرِ مِنَ المُنَافِقِينَ الذينَ يُرِيدُونَ دَائِمَاً وَأَبَدَاً أَنْ يُورِثُوا الشَّحْنَاءَ وَالبَغْضَاءَ، وَهَذا مَا حَصَلَ في زَمَنِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

جَاءَ في الرَّوْضِ الأُنْفِ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَرَّ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ- وَكَانَ شَيْخَاً قَدْ عَسَا، عَظِيمَ الْكُفْرِ، شَدِيدَ الضَّغَنِ عَلَى الْـمُسْلِمِينَ، شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ- عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، فِي مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ، يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ، فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، بَعْدَ الذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: قَد اجْتَمَعَ مَلَأُ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ الْبِلَادِ، لَا وَاللهِ مَا لَنَا مَعَهُمْ إذَا اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ.

فَأَمَرَ فَتَىً شَابَّاً مِنْ يَهُودَ كَانَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: اعْمِدْ إلَيْهِمْ، فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، ثُمَّ اذْكُرْ يَوْمَ بُعَاثَ وَمَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِنَ الْأَشْعَارِ.

فَفَعَلَ؛ فَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذلك وَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا حَتَّى تَوَاثَبَ رَجُلَانِ مِنَ الْحَيَّيْنِ عَلَى الرَّكْبِ، أَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ مِن الْأَوْسِ، وَجَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ، أَحَدُ بَنِي سَلَمَةَ مِنَ الْخَزْرَجِ، فَتَقَاوَلَا.

ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إنْ شِئْتُمْ رَدَدْنَاهَا الْآنَ جَذَعَةً؛ فَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعَاً، وَقَالُوا: قَدْ فَعَلْنَا، مَوْعِدُكُمُ الظَّاهِرَةَ (الْحرَّةُ) السِّلَاحَ السِّلَاحَ.

فَخَرَجُوا إلَيْهَا؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْـمُهَاجِرِينَ حَتَّى جَاءَهُمْ، فَقَالَ:

«يَا مَـعْشَرَ الْـمُسْلِمِينَ، اللهَ اللهَ، أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمُ اللهُ لِلْإِسْلَامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنَ الْكُفْرِ، وَأَلَّفَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ».

فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّهَا نَزْغَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَبَكَوْا وَعَانَقَ الرِّجَالُ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، قَدْ أَطْفَأَ اللهُ عَنْهُمْ كَيْدَ عَدُوِّ اللهِ شَاسِ بْنِ قَيْسْ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى فِي شَاسِ بْنِ قَيْسٍ وَمَا صَنَعَ: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجَاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.

وَأَنْزَلَ اللهُ فِي أَوْسِ بْنِ قَيْظِيٍّ وَجَبَّارِ بْنِ صَخْرٍ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِنْ قَوْمِهِمَا الذِينَ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا عَمَّا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ شَاسٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقَاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَدَبَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقَاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. أُسْلُوبٌ رَبَّانِيٌّ يُحَرِّكُ القُلُوبَ، وَيَدُلُّ على أَنَّ بَيْنَنَا صَفَاءً وَمَوَدَّةً عَظِيمَةً بِبَرَكَةِ نِعْمَةِ الإِيمَانِ التي هِيَ أَقْدَسُ وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ نِعْمَةٍ ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ﴾ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ، وَأُسْلُوبٌ رَبَّانِيٌّ رَفِيعٌ لِمُعَالَجَةِ الدَّاءِ الذي وَقَعَ ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلْ يَتَدَبَّرُ أَهْلُ بِلَادِ الشَّامِ اليَوْمَ هَذِهِ الآيَةَ الكَرِيمَةَ؟ وَهَلْ يَكُونُونَ على حَذَرٍ مِنْ نِفَاقٍ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ وَالسِّيَاسَةِ المَاكِرَةِ التي تَعْصِفُ بِالمُسْلِمِينَ في مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا؟

وَهَلْ يَتَوَجَّهُ أَهْلُ بِلَادِ الشَّامِ بِصِدْقٍ إلى قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾؟

وَهَلْ يَتَوَجَّهُ أَهْلُ بِلَادِ الشَّامِ بِصِدْقٍ إلى قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانَاً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾؟

لَقَدْ مَنَّ اللهُ تعالى عَلَيْنَا بِجَمْعِ القُلُوبِ قَبْلَ النَّجَاةِ مِنَ النَّارِ، قَالَ تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانَاً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾. وَمَا ذَكَرَ نِعْمَةَ جَمْعِ القُلُوبِ قَبْلَ نِعْمَةِ النَّجَاةِ مِنَ النَّارِ إلا لِأَهَمِّيَّتِهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَأْنُ المُؤْمِنِ إِنْ ذُكِّرَ تَذَكَّرَ، وَانْقَادَ إلى خِطَابِ اللهِ تعالى، فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمُجَرَّدِ أَنْ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ على الصَّحْبِ الكِرَامِ فَإِذَا بِالعُيُونِ تَدْمَعُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تعالى، وَيَقُومُونَ بَاكِينَ يُعَانِقُ بَعْضُهُم بَعْضَاً، مِنْ شِدَّةِ أَثَرِ القُرْآنِ العَظِيمِ في قُلُوبِهِم، رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَأَرْضَاهُم نِعْمَ القَوْمُ وَاللهِ، وَنِعْمَ العَبْدُ وَاللهِ مَا إِنْ تَبْلُغُهُ الآيَةُ مِنْ كِتَابِ اللهِ تعالى، أَو تَبْلُغُهُ الوَصِيَّةُ مِنْ وَصَايَا اللهِ إلا وَجَدْتَهُ أَسْبَقَ النَّاسِ إلى فِعْلِهَا وَالعَمَلِ بِهَا. جَعَلَنَا اللهُ تعالى وَإِيَّاكُم مِنْ أَهْلِ هَذَا المَقَامِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَا مَنْ تَسْتَعِدُّونَ لِلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَتِّشُوا عَنْ قُلُوبِكُم، وَابْحَثُوا عَمَّا حَلَّ فِيهَا، فَإِنْ وَجَدْتُمُ الغِلَّ وَالحَسَدَ وَالبَغْضَاءَ، فَاسْتَغْفِرُوا اللهَ تعالى، وَاعْلَمُوا بِأَنَّ اللهَ تعالى يُؤَخِّرُ أَهْلَ الحِقْدِ عَنْ رَحْمَتِهِ حَتَّى يَتُوبُوا إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ الذَّمِيمَةِ.

روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَطْلُعُ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُمْهِلُ الْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدْعُوهُ».

تَسَامَحُوا، تَصَافَحُوا، تَعَانَقُوا، أَعِيدُوا الحُقُوقَ لِأَصْحَابِهَا، لِيُقِرَّ كُلٌّ مِنَّا بِالوَاجِبِ الذي عَلَيْهِ وَلْيَقُمْ بِهِ، وَلَا تَكُونُوا عَوْنَاً لِشَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ عَلَيْكُم، تَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرَاً عَظِيمَاً﴾.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا صَالِحِينَ مُصْلِحِينَ، وَارْزُقْنَا سَلَامَةَ الصَّدْرِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 12/ شعبان /1437هـ، الموافق: 19/أيار / 2016م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 1396 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 1396
13-02-2020 1958 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 1958
23-01-2020 2592 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 2592
16-01-2020 990 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 990
09-01-2020 1328 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1328
03-01-2020 1024 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1024

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413320238
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :