23ـ كلمة شهر محرم1430هـ: (يا أهل غزة أما يرضيكم هذا؟)

23ـ كلمة شهر محرم1430هـ: (يا أهل غزة أما يرضيكم هذا؟)

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فاللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وعليك التكلان، وبك المستغاث ولا حول ولا قوة إلا بك.

أيها الإخوة الكرام: لا يسعني وأنا في مطلع عام هجري جديد، وأرى كما ترون، وأسمع كما تسمعون، وأتحسَّر كما تتحسَّرون، وأتفاءل كما تتفاءلون، لا يسعني إلا أن أقول لإخواننا في غزة الجريحة الصامدة:

صبراً يا أهل غزة فإن دعاءكم لله عز وجل ليس بينه وبين الله حجاب، كما يروي الإمام البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: (اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الله حِجَابٌ). فيا أهل غزة أما يرضيكم هذا؟

صبراً يا أهل غزة فإن دعاءكم فوق الغمام وتفتح له أبواب السماء، كما يروي الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ).

صبراً يا أهل غزة فإن الله عز وجل القائل: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً}. هو الذي يقسم بعزته: (وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ). فيا أهل غزة أما يرضيكم هذا؟

صبراً يا أهل غزة فإنه حق على الله أن لا يردَّ لكم دعاء، كما يروي الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى الله عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ الله، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ). فيا أهل غزة أما يرضيكم هذا؟

صبراً يا أهل غزة فإن غضب الله اشتدَّ على من ظلمكم لأنكم لا تجدون ناصراً لكم غير الله تعالى، عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يقول الله تعالى : اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصراً غيري) رواه الطبراني. فيا أهل غزة أما يرضيكم هذا؟

صبراً يا أهل غزة لقد هُدِّد كل قادر على نصرتكم فلم ينصركم بقول سيدنا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلا خَذَلَهُ الله فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلا نَصَرَهُ الله فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ) رواه أبو داود. فيا أهل غزة أما يرضيكم هذا؟ نعم حكام العالم من عرب وعجم إلا من رحم الله خذلوكم وهم يشاهدون كيف تنتهك حرماتكم وكيف يُنتقص فيه من عرضكم، وهم قادرون على نصركم، ولكن حبَّ العروش غلب على قلوبهم، وبالتالي سينتظرون الجزاء من الله تعالى، لأن الجزاء من جنس العمل. فيا أهل غزة أما يرضيكم هذا؟

صبراً يا أهل غزة لقد هُدِّد أصحاب العروش القادرين على نصرتكم فلم ينصروكم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة، فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما ارتفع عنه قال: علام جلدتموني؟ قالوا: إنك صليت صلاة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره). رواه الطحاوي والطبراني، فيا أهل غزة أما يرضيكم هذا؟

صبراً يا أهل غزة لقد هُدِّد القادرون على نصرتكم فلم ينصروكم بالانتقام من الله عز وجل، كما روى الطبراني أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (قَالَ رَبُّكُمْ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي، لأَنْتَقِمَنَّ مِنَ الظَّالِمِ فِي عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، وَلأَنْتَقِمَنَّ مِمَّنْ رَأَى مَظْلُومًا فَقَدَرَ أَنْ يَنْصُرَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ) فيا أهل غزة أما يرضيكم هذا؟

صبراً يا أهل غزة لقد هُدِّدَ أصحاب السيادة والريادة بالذلِّ يوم القيامة على رؤوس الأشهاد كما جاء في مسند الإمام أحمد عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فيا أهل غزة أما يرضيكم هذا؟

أيها الإخوة الكرام: نصرة إخواننا في غزة واجب شرعي علينا جميعاً لا يُعفى منه أحد، لأنهم مسلمون فضلاً عن كونهم عرب، هل نسينا حلف الفضول، الذي جعلته العرب في أيام شركها، في أيام كفرها، في أيام سجودها للأصنام؟

يروي الإمام البيهقي في سننه عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَوِ أُدْعَى بِهِ فِي الإِسْلاَمِ لأَجَبْتُ). قَالَ الْقُتَيْبِىُّ فِيمَا بَلَغَنِى عَنْهُ: وَكَانَ سَبَبُ الْحِلْفِ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَتَظَالَمُ بِالْحَرَمِ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ وَالزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَدَعَوَاهُمْ إِلَى التَّحَالُفِ عَلَى التَّنَاصُرِ، وَالأَخْذِ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ، فَأَجَابَهُمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَعْضُ الْقَبَائِلِ مِنْ قُرَيْشٍ.

قبائل عربية تحالفت وتعاهدت وتعاقدت واتفقت على رفع الظلم عن المظلومين، فإن كان البعض لا يجرؤ أن يتكلَّم باسم الإسلام أفلا يستطيع أن يتكلَّم باسم العروبة؟

أما اتفقت كلمة عقلاء الدنيا على أن أهل غزة مظلومون؟ فلماذا لا نسمع كلمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هَلا مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ كُنْتُمْ)؟ رواه ابن ماجه.

على أي شيء نخاف؟ إذا لم تقف الأمة كلها مع الضعيف حتى يأخذ حقَّه فلا بورك في هذه الأمة، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ) رواه ابن ماجه.

وأخيراً: أذكِّر نفسي وأذكِّر الجميع بقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ وَلا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا ـ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ـ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) رواه مسلم.

وبقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) رواه مسلم.

أسأل الله عز وجل أن يشرفنا بنصرة إخواننا المظلومين في كل مكان وخاصة في غزة الجريحة المسلمة. آمين . أمين . آمين. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

**     **     **

 

 2009-01-01
 5042
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 

التعليقات [ 1 ]

ahmad al ragab
 2009-01-11

حسبنا الله ونعم الوكيل.

 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 82 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 82
13-03-2024 250 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 250
09-02-2024 500 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 500
13-01-2024 297 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 297
14-12-2023 436 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 436
16-11-2023 537 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 537

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412722857
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :