78ـ كلمة شهر شعبان 1434هـ: شهر ترفع فيه الأعمال, فاغتنمه

78ـ كلمة شهر شعبان 1434هـ: شهر ترفع فيه الأعمال, فاغتنمه

 

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيأيُّها الإخوة الكرام: هذا شَهرُ شَعبان العَظيمُ المُبارَكُ قد أقبَلَ على هذهِ الأمَّةِ وهيَ مَكلُومَةٌ مَجروحَةٌ حَزينَةٌ، وإنِّي لأرجو اللهَ تعالى أن يَمسَحَ جِراحَ هذهِ الأمَّةِ بِمِنحَةٍ عَظيمَةٍ لها من حيثُ لا تَحتَسِبُ، وذلكَ من خِلالِ استِجابَتِها لأمرِ الله تعالى، ولأمرِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام أحمد عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قال: قلتُ: يا رسولَ الله، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ.

قَالَ: «ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَب وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ يُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».

اُنظُر في عَمَلِكَ الذي يُرفَعُ إلى الله تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: الدِّينُ النَّصيحَةُ، ولا خَيرَ في الأمَّةِ إذا لم تَتَناصَحْ، وها أنا أَنصَحُ نفسي، وأنصَحُ إخوَتي في الله تعالى بما يلي:

أولاً: بالتَّوبَةِ لله عزَّ وجلَّ:

أيُّها الإخوة الكرام: نحنُ مِمَّنِ انطَبَقَ علينا قَولُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

فيا أيُّها العَبدُ الخَطَّاءُ: اِسمعْ قولَ الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

وقولَ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَةً نَصُوحاً﴾.

وقولَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «للهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» رواه الإمام مسلم عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

فاللهُ تعالى يَفرَحُ بِتَوبَةِ أحَدِنا إذا تَابَ إليهِ وصَدَقَ في تَوبَتِهِ، فهل من تائِبٍ إلى الله تعالى من سَفْكِ الدِّماءِ، وسَلْبِ الأموالِ، وتَيتيمِ الأطفالِ، وتَهديمِ البُيوتِ، وتَرويعِ النَّاسِ؟

ثانياً: تَحَقَّقْ بالإسلامِ الذي تَنتَسِبُ إليهِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَتَحَقَّقْ بالإسلامِ الذي نَنتسِبُ إليه، وذلكَ من خِلالِ قولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

لِيَسألْ كُلُّ وَاحِدٍ منَّا نفسَهُ: هل سَلِمَ المُسلِمون من لِساني ويَدي؟ وما أكثَرَ الإيذاءِ بالأيدي والألسُنِ.

هل يُرضيكَ أن يُرفَعَ عَمَلُكَ إلى الله تعالى في شهرِ شعبانَ وأنتَ تُؤذي المُسلِمينَ بِيَدِكَ ولِسانِكَ؟ هل تَحفَظُ قولَ الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾.

ثالثاً: تَحَقَّقْ بالإيمانِ الذي تَدَّعيهِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَتَحَقَّقْ بالإيمانِ الذي نَدَّعيهِ، وذلكَ من خِلالِ قولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً» رواه الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ.

ومن خِلالِ قولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

ومن خِلالِ قولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ استَغفَرَ للمُؤمنينَ والمؤمِناتِ كَتَبَ اللهُ له بِكُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ حَسَنَةً» رواه الطبراني عن عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

رابعاً: بِكَثرَةِ الصِّيامِ في هذا الشَّهرِ العَظيمِ المُبارَكِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إذا كانَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكثِرُ من الصِّيامِ في هذا الشَّهرِ، فَعَلَينا أن نُكثِرَ من الصِّيامِ فيهِ، وذلكَ طَمَعاً بِنَيلِ المَحَبَّةِ من الله تعالى لنا، كما جاءَ في الحديثِ القُدسيِّ الصَّحيحِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَالَ: وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِن اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ».

ومن كانَ حريصاً على الصِّيامِ في شهرِ شعبانَ عن الطَّعامِ والشَّرابِ فليَكُن حريصاً على أن تَصومَ جَوارِحُهُ عن مَعصِيَةِ الله تعالى، لِتَصُمْ ألسِنَتُنا عن الغِيبَةِ والنَّميمَةِ والكَذِبِ والفَتِّ في عَضُدِ المسلِمينَ، لِتَصُمْ آذانُنا عمَّا حَرَّمَ اللهُ تعالى علينا، وسائِرُ جَوارِحِنا، حتَّى تُرفَعَ الأعمالُ إلى الله تعالى، ويَرضى عنها ربُّنا عزَّ وجلَّ، عندما تكونُ مُوافِقَةً للكتابِ والسُّنَّةِ مع الإخلاصِ.

خاتمة ـ نسألُ الله تعالى حُسنَ الخاتمة ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَغتَنِمْ هذا الشَّهرَ العَظيمَ المُبارَكَ بالصُّلحِ معَ الله تعالى، وبالصُّلحِ فيما بَينَنا، حتَّى نكونَ كالجَسَدِ الواحِدِ إذا اشتَكى منهُ عضوٌ تَداعى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى، لِنَغتَنِمْ هذا الشَّهرَ العَظيمَ بِحَيثُ تُرفَعُ أعمالُنا إلى الله تعالى وهي مُوافِقَةٌ للكتابِ والسُّنَّةِ معَ الإخلاصِ.

والحَسرَةُ والنَّدامَةُ على من رُفِعَ عَمَلُهُ إلى الله تعالى وهو غَيرُ مُتَحَقِّقٍ بالإسلامِ الذي يَنتَمي إليهِ، وغيرُ مُتَحَقِّقٍ بالإيمانِ الذي يَدَّعيهِ.

أسألُ اللهَ تعالى أن يُوَفِّقَنا لما يُحِبُّهُ ويَرضاهُ. آمين.

أخوكم أحمد شريف النعسان

         يرجوكم دَعوةً صالِحةً بظهرِ الغَيبِ

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 1/شعبان/1434هـ، الموافق: 10/حزيران / 2013م

 2013-06-10
 40268
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 73 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 73
13-03-2024 244 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 244
09-02-2024 497 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 497
13-01-2024 296 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 296
14-12-2023 433 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 433
16-11-2023 535 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 535

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412522530
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :