4ـ كلمة بمناسبة شهر شعبان: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}

4ـ كلمة بمناسبة شهر شعبان: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيها الإخوة الأحبة الكرام، هذا شهر شعبان العظيم قد أقبل علينا، والذي يغفل الناس عنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) رواه النسائي.

هذا الشهر العظيم المبارك الذي كان يدعو فيه النبي صلى الله عليه وسلم ربه، وخاصة في ليلة النصف، بقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) رواه الدارقطني واللفظ له والنسائي والبيهقي في شعب الإيمان.

ونحن اليوم بأمسِّ الحاجة إلى الدعاء، وكأن هذه العبادة صارت منسيَّة عند بعض المسلمين، مع الله عز وجل يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين}.

ومن تمام فضل الله عز وجل علينا أن علَّمنا في القرآن العظيم كيف ندعوه، والآيات في ذلك كثيرة، منها:

{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين}.

{ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين}.

{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَار * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَاد}.

{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين}.

{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَاب}.

وقد علَّمنا ربنا عز وجل في القرآن العظيم كيف كان يدعون الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام.

فمن دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}. ومن دعائه عليه السلام:{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِين}.

ومن دعاء سيدنا يوسف عليه السلام: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِين}.

ومن دعاء سيدنا زكريا عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا}.

ومن دعاء سيدنا موسى عليه السلام: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}.

ومن دعاء سيدنا سليمان عليه السلام: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِين}.

وقد علَّم الله عز وجل نبيَّنا سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم أن يدعو بقوله: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا}.

والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (أكثر من الدعاء فإن الدعاء يردّ القضاء المبرم) رواه أبو الشيخ في الثواب عن أنس بن مالك بإسناد ضعيف. وأمرنا أن نعزم في المسألة، فقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمْ ـ يجتهد ويلح في الدعاء ـ الْمَسْأَلَةَ، وَلا يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي فَإِنَّهُ لا مُسْتَكْرِهَ لَهُ) رواه البخاري ومسلم.

وبيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن أعجز الناس من عجز عن الدعاء، فقال صلى الله عليه وسلم: (أعجز الناس من عجز في الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

وقد بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن ربَّنا حييٌّ كريم لا يرد سائله، فقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا) رواه أبو داود.

ويجب علينا أن نعلم بأن للدعاء آداباً منها:

1ـ أن يترصَّد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل، وليلة النصف من الليالي.

2ـ أن يغتنم الأحوال الشريفة للدعاء، كيوم الزحف، وعند نزول المطر، وعند إقامة الصلاة، وعند إفطار الصائم، وفي حالة السجود، وفي حال السفر.

3ـ أن يستقبل القبلة، مع خفض الصوت في الدعاء، وألاَّ يتكلَّف الدعاء تكلُّفاً.

4ـ الإخلاص في الدعاء والتضرّع والخشوع والرغبة والرهبة، وأن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة، ويَصْدُق رجاؤه فيه.

5ـ أن يلحَّ في الدعاء ويكون ثلاثاً، وأن يفتتح الدعاء ويختمه بذكر الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يبدأ السؤال.

أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من الداعين المقبولين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

** ** **

 

الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمات في مناسبات

09-04-2024 117 مشاهدة
142ـ كلمات في مناسبات: فجر عيد الفطر 1445 هـ

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: دَخَلْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ، دَخَلْنَا هَذَ المَوْسِمَ العَظِيمَ، حَيْثُ مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً، ... المزيد

 09-04-2024
 
 117
28-09-2023 689 مشاهدة
141ـ كلمات في مناسبات: عذرًا يا سيدي يا رسول الله

لقد كُنتَ حَرِيصَاً عَلَينَا أَشَدَّ الحِرْصِ، بِشَهَادَةِ مَولانَا عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وبِشَهَادَتِكُم عِندَمَا ... المزيد

 28-09-2023
 
 689
07-03-2023 689 مشاهدة
140ـ كلمات في مناسبات: إجابة الدعاء معلقة بالاستجابة لله تعالى

عِنْدَمَا تَنْزِلُ المِحَنُ، وَتَشْتَدُّ الخُطُوبُ، وَتَتَوَالَى الكُرُوبُ، وَتَعْظُمُ الرَّزَايَا، وَتَتَابَعُ الشَّدَائِدُ، لَنْ يَكُونَ أَمَامَ المُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يَلْجَأَ إلى اللهِ تعالى وَيَلُوذَ بِجَانِبِهِ، وَيَضْرَعَ إِلَيْهِ ... المزيد

 07-03-2023
 
 689
28-09-2022 648 مشاهدة
1- المحبة محبتان

مَعَ بِدَايَةِ شَهْر رَبِيعٍ الأَوَّلِ، أُهَنِّئُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَنْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى حَظَّهُ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، ... المزيد

 28-09-2022
 
 648
09-07-2022 542 مشاهدة
138ـ كلمات في مناسبات: درس فجر عيد الأضحى المبارك 1443 هـ شعيرة الأضحية

هَذَا اليَوْمُ هُوَ خِتَامُ الأَيَّامِ العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 09-07-2022
 
 542
08-07-2022 474 مشاهدة
137ـ كلمات في مناسبات: يوم عرفة يوم الغفران

يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمٌ أَكْمَلَ اللهُ تعالى فِيهِ الدِّينَ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الغُفْرَانِ، وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، ... المزيد

 08-07-2022
 
 474

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413584967
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :