78ـ مع الحبيب المصطفى: «لا تَغضَب»

78ـ مع الحبيب المصطفى: «لا تَغضَب»

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

78ـ «لا تَغضَب»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: من مَكارِمِ الأخلاقِ أن تُشعِرَ الجَميعَ بأنَّكَ تُحِبُّهُم، بل كُلُّ واحِدٍ يَشعُرُ أنَّهُ أحَبُّ النَّاسِ إلَيكَ، هكذا كانَت أخلاقُ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

جاءَ في الشَّمائِلِ المُحَمَّدِيَّةِ للترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ وَحَدِيثِهِ عَلَى أَشَرِّ الْقَوْمِ، يَتَأَلَّفُهُمْ بِذَلِكَ، فَكَانَ يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ وَحَدِيثِهِ عَلَيَّ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي خَيْرُ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَنَا خَيْرٌ أَوْ أبُو بَكْرٍ؟

فَقَالَ: «أَبُو بَكْرٍ».

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَنَا خَيْرٌ أَمْ عُمَرُ؟

فَقَالَ: «عُمَرُ».

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَنَا خَيْرٌ أَمْ عُثْمَانُ؟

فَقَالَ: «عُثْمَانُ».

فَلَمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَصَدَقَنِي، فَلَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: ونحنُ نَعيشُ في هذهِ الأزمَةِ و والتي هيَ في الحَقيقَةِ أزمَةٌ أخلاقِيَّةٌ، عَلَينا أن نَنظُرَ في سِيرَةِ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حتَّى نَرى في سِيرَتِهِ العَطِرَةِ هَدْيَ هذا الدِّينِ واقِعاً يُعاشُ، وبِكَلِمَةٍ جامِعَةٍ مانِعَةٍ كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خُلُقُهُ القُرآنُ.

يـا مَـن يُـذَكِّـرُني بِـعَهـدِ أحِـبَّتِي   ***   طَابَ الحَديثُ بِذِكرِهِم ويَطيبُ

أعِـدِ الحَديـثَ عَـلَيَّ مـن جَـنَباتِهِ   ***   إنَّ الحَديثَ عـن الحَبيبِ حَـبيبُ

مَلَأَ الضُّلوعَ وفَاضَ عن أحنَائِها   ***   قَـلبٌ إذا ذُكِـرَ الحَـبيبُ يَـذوبُ

مَا زَالَ يَـضرِبُ خَـافِقاً بِجَناحِـهِ   ***   يا لَيتَ شِعري هل تَطيرُ قُلوبُ؟

بالأخلاقِ تَملِكُ القُلوبَ:

أيُّها الإخوة الكرام: لا يَستَطيعُ أحَدٌ من النَّاسِ أن يَملِكَ قُلوبَ النَّاسِ بِمالِهِ ولا بِجاهِهِ، وإن تَمَلَّقَ النَّاسُ له وتَصَنَّعوا، فَرُبَّما أنَّ قُلوبَهُم تَمْقُتُهُ، لذلكَ يَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّكُم لا تَسعُونَ النَّاسَ بأموالِكُم، وليَسَعهُم منكُم بَسْطُ الوجهِ وحُسنُ الخُلُقِ» رواه الحاكم عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنهُ.

ولكن بالأخلاقِ الحَسَنَةِ تَملِكُ القُلوبَ، ولهذا أرشَدَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأمَّةَ إلى ذلكَ بِقَولِهِ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِع السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِق النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

وحُسنُ الخُلُقِ يَظهَرُ في ساعَةِ الغَضَبِ لا في ساعَةِ الرِّضا، فلا يَنبَغي للإنسانِ أن يَغتَرَّ بِحُسنِ خُلُقِهِ في الرَّخاءِ، ولكن لِيَنظُرْ إلى حُسنِ خُلُقِهِ في ساعَةِ الشِّدَّةِ والغَضَبِ.

وهذهِ الأزمَةُ التي تَمُرُّ بها الأمَّةُ فَضَحَت كثيراً من النَّاسِ، وأظهَرَت مَعادِنَهُم على حَقيقَتِها، وخاصَّةً في ساعَةِ الغَضَبِ.

أبلَغُ نَظَرِيَّةٍ في الأخلاقِ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَقولُ بَعضُ العُلَماءِ المُرَبِّينَ: أبلَغُ نَظَرِيَّةٍ في الأخلاقِ هيَ قَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لا تَغضَب» ولو أرادَ الإنسانُ أن يَختَصِرَ الخُلُقَ الحَسَنَ في شَيءٍ لاختَصَرَهُ بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ قالَها سيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لا تَغضَب» وإذا أرادَ أحَدُنا أن يُوصي أحَداً وخاصَّةً في هذهِ الظُّروفِ فليَقُلْ له: لا تَغضَب.

أيُّها الإخوة الكرام: الغَضَبُ يُفسِدُ المزاجَ، ويُغَيِّرُ الخُلُقَ، ويُسيءُ العشرَةَ، ويُفسِدُ المَوَدَّةَ، ويَقطَعُ الصِّلَةَ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي.

قَالَ: «لَا تَغْضَبْ».

فَرَدَّدَ مِرَاراً قَالَ: «لَا تَغْضَبْ».

وفي روايَة الإمام أحمد عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، أَوْصِنِي.

قَالَ: «لَا تَغْضَبْ».

قَالَ الرَّجُلُ: فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ.

وبَيَّنَ سيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَديثٍ آخَرَ أنَّ الشِّدَّةَ والقُوَّةَ في الإنسانِ تَكونُ بِضَبطِ النَّفسِ عِندَ الغَضَبِ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ».

الغَضَبُ المَذمومُ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَقولُ ابنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: اُنظُروا إلى حِلمِ الرَّجُلِ عِندَ غَضَبِهِ، وأمانَتِهِ عِندَ طَمَعِهِ، وما عِلمُكَ بِحِلمِهِ إذا لم يَغضَب، وما عِلمُكَ بأمانَتِهِ إذا لم يَطمَع.

والأزمَةُ اليَومَ كَشَفَت الحَليمَ من غَيرِهِ، والأمينَ من غَيرِهِ.

الغَضَبُ المَذمومُ هوَ الذي يُعمي صاحِبَهُ عن الحَقِّ، ويفقِدُهُ بَصَرَ البَصيرَةِ والفِكرِ، فَتَأخُذُهُ العِزَّةُ بالإثمِ، ويُعرِضُ عن النُّصحِ، ورُبَّما يَزدادُ هَيَجاناً، حتَّى يَتَغَيَّرَ لَونُهُ، وتَرتَعشَ فَرائِصُهُ وأعضاؤُهُ، ويَزيغَ بَصَرُهُ، ويُصبِحُ كالأعمى، يبطِشُ بِكُلِّ ما يُصادِفُهُ، فَيَسفِكُ الدِّماءَ، ويُيَتِّمُ الأطفالَ، ويُرَمِّلُ النِّساءَ، ويُهَدِّمُ البُيوتَ، ويَقتُلُ الأبرِياءَ، وما ذاكَ إلا لأنَّ الغَضَبَ مَلَكَهُ، وأصبَحَ هوَ الآمِرَ والنَّاهي.

أمَّا الذي يَملِكُ غَضَبَهُ فهو الذي يُجاهِدُ نَفسَهُ، ويَضبِطُها، ويَكظِمُ غَيظَهُ، وبذلكَ يَتَحَلَّى بسِيرَةِ سيِّدِ الأنبِياءِ والمُرسَلينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي مَدَحَهُ اللهُ تعالى بِقَولِهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم﴾.

عِلاجُ الغَضَبِ المَذمومِ:

أيُّها الإخوة الكرام: قد يَقولُ أحَدُهُم: هذا وَصْفي وَطَبْعي، وأنا لا أستَطيعُ التَّغييرَ، فأقولُ لِصاحِبِ هذا الكلامِ: لو اتَّخَذتَ من سِيرَةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ منهَجاً، وألقَيتَ السَّمعَ لسيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وقُلتَ لِحَديثِهِ الشَّريفِ: لَبَّيكَ رَسولَ الله وسَعدَيكَ، لَكُنتَ من أسعَدِ النَّاسِ بِحُسنِ أخلاقِكَ، ولَدَخَلتَ قُلوبَ الآخَرينَ بذلكَ، ولَنِلتَ رِضا الله تعالى، ولَكُنتَ معَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً.

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَسمعْ كَلامَ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وهَدْيَهُ لِعِلاجِ الغَضَبِ المَذمومِ:

أولاً: روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ».

فإذا أرَدتَ أن يُرضيَكَ اللهُ تعالى يَومَ القِيامَةِ بِنَعيمٍ لا يَنفَدُ، اِضبِطْ نَفسَكَ عِندَ الغَضَبِ.

ثانياً: روى الإمام مسلم عن أبي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَاماً لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتاً مِنْ خَلْفِي: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، فَلَمْ أَفْهَم الصَّوْتَ مِن الْغَضَبِ.

قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ».

قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي.

فَقَالَ: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ».

قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكاً بَعْدَهُ أَبَداً.

وَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ مُسْلِمِ بْنِ مُحَارِبٍ لِهَارُونَ الرَّشِيدِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَسْأَلُك بِاَلَّذِي أَنْتَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَذَلُّ مِنِّي بَيْنَ يَدَيْك، وَبِاَلَّذِي هُوَ أَقْدَرُ عَلَى عِقَابِك مِنْك عَلَى عِقَابِي، لَمَا عَفَوْتَ عَنِّي، فَعَفَا عَنْهُ.

فإذا غَضِبتَ فاضبِطْ نَفسَكَ، لأنَّ غَضَبَكَ يُوقِعُكَ في الظُّلمِ، والظُّلمُ ظُلُماتٌ، وتَذَكَّرْ قُدرَةَ الله عَلَيكَ.

ثالثاً: روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ».

فإذا غَضِبتَ فاسكُت، وإيَّاكَ من الحَديثِ في ساعَةِ الغَضَبِ، لأنَّ العَبدَ قد يَتَلَفَّظُ بِكَلِمَةٍ في ساعَةِ الغَضَبِ في سَخَطِ الله يَهوي بها سَبعينَ خريفاً في نارِ جَهَنَّمَ والعِياذُ بالله تعالى. وكم مِمَّن تَلَفَّظَ بِكَلِمَةِ الكُفرِ في ساعَةِ الغَضَبِ والعِياذُ بالله تعالى؟

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ الله لَا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ الله لَا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ». وفي رواية الإمام أحمد: «سبعينَ خريفاً». وكم مِمَّن تَلَفَّظَ بِكَلِمَةِ الكُفرِ في ساعَةِ الغَضَبِ؟

أو يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ يُغضِبُ بها سيِّدَنا رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَما يُطَلِّقُ زَوجَتَهُ ثلاثاً، روى النسائي عن مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعاً.

فَقَامَ غَضْبَانَ ثُمَّ قَالَ: «أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ الله وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟».

حَتَّى قَامَ رَجُلٌ وَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَلَا أَقْتُلُهُ؟ وكم مِمَّن طَلَّقَ زَوجَتَهُ في ساعَةِ الغَضَبِ؟

رابعاً: روى الإمام البخاري عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ، فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بالله مِن الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ».

فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَعَوَّذْ بالله مِن الشَّيْطَانِ.

فَقَالَ: وَهَلْ بِي جُنُونٌ؟

فإذا غَضِبتَ فاستَعِذْ بالله من الشَّيطانِ الرَّجيمِ.

خامساً: روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا: «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ، وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ». فإذا غَضِبتَ فَغَيِّرِ الحالَةَ التي أنتَ فيها.

سادساً: روى الإمام أحمد وأبو داود عن عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْغَضَبَ مِن الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِن النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ». فإذا غَضِبتَ فَتَوَضَّأ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: من مَكارِمِ الأخلاقِ ضَبطُ النَّفسِ عِندَ الغَضَبِ، ومن أرادَ أن يَتَحَلَّى بِمَكارِمِ الأخلاقِ فَليَتَأسَّ بسيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وخاصَّةً في ساعَةِ الغَضَبِ، حيثُ ما كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَنتَقِمُ لِنَفسِهِ.

روى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ.

ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مَالِ الله الَّذِي عِنْدَكَ.

فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعل ى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.

أسألُ اللهَ تعالى لي ولكُم حُسنَ الخُلُقِ في ساعَةِ الرِّضا والغَضَبِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 27 /ذو القعدة /1434هـ، الموافق: 3 /تشرين الأول / 2013م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2339 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2339
20-06-2019 1387 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1387
28-04-2019 1170 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1170
28-04-2019 1182 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1182
21-03-2019 1766 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1766
13-03-2019 1634 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1634

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412718853
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :