.
مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم
72ـ «إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾. وَيَقُول تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لأبي داود عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارَاً وَلَا دِرْهَمَاً، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».
وَلَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَعْلَمَ الأُمَّةِ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ بِشَهَادَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
لَقَدْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ كَبِيرٌ على الأُمَّةِ، وَلَهُ يَدٌ بَيْضَاءُ عَلَيْهَا بِتَوْفِيقِ اللهِ تعالى لَهُ، لِذَا كَانَ لِزَامَاً على شَبَابِ هَذِهِ الأُمَّةِ، بَلْ على الأُمَّةِ كُلِّهَا أَنْ تَتَعَرَّفَ على هَذِهِ الشَّخْصِيَّةِ العَظِيمَةِ لِتَكُونَ لَهُمْ قُدْوَةً، وَلِيَنْسُبُوا الفَضْلَ إلى أَهْلِهِ، وَيُعْرَفَ الفَضْلُ لِذَوِيهِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَتِ الأُمَمُ تُبَجِّلُ عُظَمَاءَهَا، وَتَعْقِدُ لَهُمُ الذِّكْرَيَاتِ السَّنَوِيَّةَ لِحَيَاتِهِمْ، إِحْيَاءً لِذِكْرَاهُمْ، وَتَرْجَمَةً لسِيرَتِهِمْ، وَذِكْرَاً لِمَنَاقِبِهِمْ، وَأَطْوَارِ حَيَاتِهِمْ، وَشَرْحِ مَآثِرِهِمْ، فَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ أَوْلَى بأَنْ تَحْفَظَ الجَمِيلَ لِأَهْلِهِ، وَلَا يَعْرِفُ الفَضْلَ لِأَهْلِ الفَضْلِ إلا ذَوُوهُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه القضاعي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا يَعْرِفُ الْفَضْلَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ ذَوُو الْفَضْلِ».
الصِّدِّيقُ وَمُعَاذٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ كَانَ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَعْرِفُ الفَضْلَ لِسَيِّدِنَا مُعَاذِ بْنِ جَبَلْ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، هَذَا الشَّابُّ الفَتَى الذي مَا تَجَاوَزَ مِنَ العُمُرِ ثَلَاثَاً وَثَلَاثِينَ عَامَاً، وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُوصِي الأُمَّةَ فِيهِ.
روى ابْنُ سَعْدٍ في الطَّبَقَاتِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا عَزَلَ أَبُو بَكْرٍ خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ أَوْصَى بِهِ شُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةٍ، وَكَانَ أَحَدَ الأُمَرَاءِ، فَقَالَ: انْظُرْ خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ فَاعْرِفْ لَهُ مِنَ الحَقِّ عَلَيْكَ مِثْلَ مَا كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ يَعْرِفَهُ لَكَ مِنَ الحَقِّ عَلَيهِ لَو خَرَجَ وَالِيَاً عَلَيْكَ، وَقَدْ عَرَفْتُ مَكَانَهُ مِنَ الإِسْلَامِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهُوَ لَهُ وَالٍ، وَقَدْ كُنْتُ وَلَّيْتُهُ ثمَّ رَأَيْتُ عَزْلَهُ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَيْرَاً لَهُ في دِينِهِ، مَا أَغْبَطَ أَحَدَاً بِالإِمَارَةِ، وَقَدْ خَيَّرْتُهُ في أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ فَاخْتَارَكَ على غَيْرِكَ عَلَى ابْنِ عَمِّهِ، فَإِذَا نَزَلَ بِكَ أَمْرٌ تَحْتَاجُ فِيهِ إلى رَأْيِ التَّقِيِّ النَّاصِحِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَنْ تَبْدَأُ بِهِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَلْيَكُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ ثَالِثَاً، فَإِنَّكَ وَاجِدٌ عِنْدَهُمْ نُصْحَاً وَخَيْرَاً، وَإِيَّاكَ وَاسْتِبْدَادَ الرَّأْيِ عَنْهُمْ أَو تَطْوِيَ عَنْهُمْ بَعْضَ الخَبَرَ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَكَذَا تَكُونُ الرِّجَالُ، يُنْزِلُونَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ دُونَ النَّظَرِ إلى السِّنِّ وَالعُمُرِ، لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ الرِّجَالِ إلا الرِّجَالُ.
لَقَدْ أَوْصَى سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ شُرَحْبِيلَ بِسَيِّدِنَا مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، كَمَا أَوْصَى يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ في الطَّبَقَاتِ عَنِ الحَارِثِ بْنِ الفَضْلِ قَالَ: لَمَّا عَقَدَ أَبُو بَكْرٍ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا يَزِيدُ، إِنَّكَ شَابٌّ تُذْكَرُ بِخَيْرٍ قَدْ رُئِيَ مِنْكَ، وَذَلِكَ شَيْءٌ خَلَوْتَ بِهِ في نَفْسِكَ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَبْلُوَكَ وَأَسْتَخْرِجَكَ مِنْ أَهْلِكَ فَأَنْظُرَ كَيْفَ أَنْتَ وَكَيْفَ وِلَايَتُكَ وَأُخْبِرَكَ، فَإِنْ أَحْسَنْتَ زِدْتُكَ، وَإِنْ أَسَأْتَ عَزَلْتُكَ، وَقَدْ وَلَّيْتُكَ عَمَلَ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ.
ثمَّ أَوْصَاهُ بِمَا أَوْصَاهُ بِمَا يَعْمَلُ بِهِ في وَجْهِهِ وَقَالَ لَهُ: أُوصِيكَ بِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ خَيْرَاً، فَقَدْ عَرَفْتُ مَكَانَهُ مِنَ الإِسْلَامِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ». فَاعْرِفْ لَهُ فَضْلَهُ وَسَابِقَتَهُ.
وَانْظُرْ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فَقَدْ عَرفَتُ مَشَاهِدَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَأْتِي أَمَامَ العُلَمَاءِ يَوْمِ القِيَامَةِ بِرَتْوَةٍ». فَلَا تَقْطَعْ أَمْرَاً دُونَهُمَا؛ فَإِنَّهُمَا لَنْ يَأْلُوَانِكَ خَيْرَاً.
فَقَالَ يَزِيدٌ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَوْصِهِمَا بِي كَمَا أَوْصَيْتَنِي بِهِمَا، فَأَنَا إِلَيْهِمَا أَحْوَجُ مِنْهُمَا إِلَيَّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَنْ أَدَعَ أَنْ أُوصِيهِمَا بِكَ.
فَقَالَ يَزِيدٌ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وَجَزَاكَ عَنِ الإِسْلَامِ خَيْرَاً.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ تعالى تَعْظِيمُ العُلَمَاءِ العَامِلِينَ، وَخَاصَّةً الذينَ نَالُوا الشَّهَادَةَ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا خَيْرَ في أُمَّةٍ لَا تَعْرِفُ لِعُلَمَائِهَا الرَّبَّانِيِّينَ خَيْرَاً، وَلَا خَيْرَ في عُلَمَاءٍ عَرَفُوا الحَقَّ وَلَمْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِ إِنْ زَلَّتْ بِهِمَ القَدَمُ.
نَحْنُ بَشَرٌ خَطَّاؤُونَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ لَسْنَا مَلَائِكَةً وَلَا أَنْبِيَاءَ، نَحْنُ بَشَرٌ خَطَّاؤُونَ، فَمِنَ الحُقُوقِ فِيمَا بَيْنَنَا التَّنَاصُحُ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَمِنَ الوَاجِبِ عَلَيْنَا بَذْلُ النَّصِيحَةِ فِيمَا بَيْنَنَا مَهْمَا تَبَايَنَتِ الفَوَارِقُ بَيْنَنَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ».
قَالُوا: لِمَنْ؟
قَالَ: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْـمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ هَذَا المُنطَلَقِ كَانَ سَيِّدُنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ نَاصِحَاً أَمِينَاً للأُمَّةِ كُلِّهَا، فَهَا هُوَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا يَنْصَحَانِ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عِنْدَمَا وَلِيَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ.
روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ قَالَ: أَتَيْتُ نُعَيْمَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ صَحِيفَةً، فَإِذَا فِيهَا: مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا عَهِدْنَاكَ وَأَمْرُ نَفْسِكَ لَكَ مُهِمٌّ، فَأَصْبَحَتَ قَدْ وُلِّيْتَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحْمَرِهَا وَأَسْوَدِهَا، يَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْكَ الْوَضِيعُ وَالشَّرِيفُ، وَالْعَدُوُّ وَالصَّدِيقُ، وَلِكُلٍّ حِصَّتُهُ مِنَ الْعَدْلِ، فَانْظُرْ كَيْفَ أَنْتَ عِنْدَ ذَلِكَ يَا عُمَرُ، فَإِنَّا نُحَذِّرُكَ يَوْمَاً تَعْنُو فِيهِ الْوُجُوهُ، وَتَجِفُّ فِيهِ الْقُلُوبُ، وَتَنْقَطِعُ فِيهِ الْحُجَجُ لِحُجَّةِ مَلِكٍ قَدْ قَهَرَهُمْ بِجَبَرُوتِهِ، وَالْخَلْقُ دَاخِرُونَ لَهُ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ، وَإِنَّا كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي آخِرِ زَمَانِهَا سَيَرْجِعُ إِلَى أَنْ يَكُونُوا إِخْوَانَ الْعَلَانِيَةِ أَعْدَاءَ السَّرِيرَةِ، وَإِنَّا نَعُوذُ بِاللهِ أَنْ يَنْزِلَ كِتَابُنَا سِوَى الْـمَنْزِلِ الَّذِي نَزَلَ مِنْ قُلُوبِنَا، فَإِنَّا إِنَّمَا كَتَبْنَا بِهِ نَصِيحَةً لَكَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ: مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، سَلَامٌ عَلَيْكُمَا، أَمَّا بَعْدُ، أَتَانِي كِتَابُكُمَا تَذْكُرَانِ أَنَّكُمَا عَهِدْتُمَانِي وَأَمَرُ نَفْسِي لِي مُهِمٌّ، فَأَصْبَحَتُ قَدْ وُلِّيتُ أَمَرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحْمَرِهَا وَأَسْوَدِهَا، يَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيَّ الشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ، وَالْعَدُوُّ وَالصَّدِيقُ، وَلِكُلٍّ حِصَّةٌ مِنَ الْعَدْلِ، كَتَبْتُمَا: فَانْظُرْ كَيْفَ أَنْتَ عِنْدَ ذَلِكَ يَا عُمَرُ، وَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَّا بِاللهِ، وَكَتَبْتُمَا تُحَذِّرَانِي مَا حُذِّرَتْ مِنْهُ الْأُمَمُ قَبْلَنَا وَقَدِيمَاً، وَإِنَّ اخْتِلَافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِآجَالِ النَّاسِ يُقَرِّبَانِ كُلَّ بَعِيدٍ، وَيَأْتِيَانِ بِكُلِّ جَدِيدٍ، وَيَأْتِيَانِ بِكُلِّ مَوْعُودٍ حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، كَتَبْتُمَا تُحَذِّرَانِي أَنَّ أَمَرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَيَرْجِعُ فِي آخِرِ زَمَانِهَا إِلَى أَنْ يَكُونُوا إِخْوَانَ الْعَلَانِيَةِ أَعْدَاءَ السَّرِيرَةِ، وَلَسْتُمْ بِأُولَئِكَ وَلَيْسَ هَذَا بِزَمَانِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ زَمَانٌ تَظْهَرُ فِيهِ الرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ، يَكُونُ رَغْبَةُ بَعْضِ النَّاسِ إِلَى بَعْضٍ لِصَلَاحِ دُنْيَاهُمْ، كَتَبْتُمَا تَعُوذَانِ بِاللهِ أَنْ أُنْزِلَ كِتَابَكُمَا سِوَى الْـمَنْزِلِ الَّذِي نَزَلَ مِنْ قُلُوبِكُمَا، وَأَنَّكُمَا كَتَبْتُمَا بِهِ نَصِيحَةً لِي، وَقَدْ صَدَقْتُمَا، فَلَا تَدَعَا الْكِتَابَ إِلَيَّ، فَإِنَّهُ لَا غِنَى بِي عَنْكُمَا؛ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمَا.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَؤُلَاءِ هُمُ الرِّجَالُ حَقَّاً، رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ جَمِيعَاً، فَقَدْ كَانُوا رَبَّانِيِّينَ حَقَّاً وَصِدْقَاً، قَوْلَاً وَعَمَلَاً، ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، وَبِذَلِكَ أَعْطُوا النَّمْوذَجَ الحَيَّ للإِسْلَامِ، وَالمِثَالَ الصَّادِقَ للإِنْسَانِ كَمَا يُرِيدُهُ اللهُ تعالى، فَجَزَاهُمُ اللهُ تعالى عَنِ الأُمَّةِ خَيْرَ الجَزَاءِ. اللَّهُمَّ أَلْحِقْنَا بِهِمْ بِفَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الخميس: 22/ ذو القعدة /1437هـ، الموافق: 25/آب / 2016م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد
الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد
إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد
لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد
إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد
زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد