94- خطبة الجمعة: خصوصية عشر ذي الحجة

94- خطبة الجمعة: خصوصية عشر ذي الحجة

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:

يختص برحمته من يشاء:

يقول الله تبارك وتعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء}، فالله تعالى يختص من خلقه ما يشاء بما يشاء، ولقد اختصَّ من الأمكنة الكثير، خصَّ الحرمين الشريفين وخصَّ فيهما الكثير، حيث خصَّ الروضة الشريفة والمنبر الشريف، والحجر الأسود، والمقام، وخصَّ مسجد قباء، وجبل أحد، والبيت المقدس، وخص المساجد.

وخصَّ البشر من سائر المخلوقات، وخصَّ الأنبياء من البشر، وخصَّ الرسل من الأنبياء، وخصَّ أولي العزم من سائر الرسل، وخصَّ نبينا صلى الله عليه وسلم من سائر أولي العزم من الرسل.

وخصَّ من الزمان الكثير، خصَّ شهر رمضان، وخصَّ منه ليلة القدر، وخصَّ يوم الجمعة، وخصَّ منه ساعة الإجابة، وخصَّ عشر ذي الحجة وخصَّ منها يوم عرفة.

خصوصية عشر ذي الحجة:

أخرج الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ، يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ الله وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله؟ قَالَ: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله، إِلا رَجُلاً خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ).

ما اختص إلا لينشر رحمته:

أيها الإخوة المؤمنون: الله عز وجل ما اختصَّ من الأمكنة والأشخاص والأزمنة إلَّا لينشر رحمته على خلقه، لذلك وجب على كل عاقل أن يغتنم الفرصة ويتعرَّض لنفحات الله عز وجل قبل أن يدركه الموت فيندم ولا ينفعه الندم، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُون * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون}. وقال تعالى: {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِين * وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}. فيا من أيقنت بالموت، وبالبعث بعد الموت، وبالوقوف بين يدي الله عز وجل للعرض والحساب، يا من أيقنت بأن الدنيا ممرٌّ وليست دارَ مقرّ، يا من أيقنت بأن المقرَّ في الآخرة إما في جنة وإما في نار، تعرَّض لنفحات الله عز وجل في هذه الأيام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٌ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، لَعَلَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا، فَلا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَدًا) رواه الطبراني.

هل من مغتنم؟

أيُّها الإخوة الأحبة: هذه العشر قد أقبلت، وأبواب التنافس فيها قد فتحت، فهل من منافس في الأعمال الصالحة التي يحبها الله تعالى؟ فالأعمال الصالحة التي يحبها الله تعالى في هذه الأيام هي كناية عن محبة الله تعالى لعامل الأعمال الصالحة، فهل من مغتنم لهذه الأيام؟

يقول سيدنا علي رضي الله عنه: (ارْتَحَلَتْ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتْ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلا عَمَلٌ) رواه البخاري تعليقاً.

فيا من أكرمك الله تعالى بالعقل وشرح صدرك للإسلام، وحبَّب إليك الإيمان، جاهد نفسك في هذه الأيام المباركة، واسمع قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين}.

رسول الله صلى الله عليه وسلم وظيفته أنه مبلِّغ عن ربه عز وجل. قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}، وقد بلَّغَ، رسول الله صلى الله عليه وسلم وظيفته أنه مذكِّر، قال تعالى: { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّر }، وقد ذكَّرَ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصح أمين، فما ترك شيئاً يقرِّبنا من الله إلا دلنا عليه وأمرنا به، وما ترك شيئاً يبعدنا عن الله عز وجل إلا وبيَّنه لنا ونهانا عنه.

فيا أيها العاقل: اغتنم هذه الأيام، واعلم بأن الذكرى تنفع المؤمنين، تنفع صاحب القلب السليم، أما صاحب القلب الحقود الحسود المتكبر فلا ينتفع ولا يسمع، ولا يتغيّر ولا يُغيِّر، الجماد يتأثر وهو لا يتأثر والعياذ بالله تعالى، تفقَّدوا قلوبكم أيها الإخوة، وسلوا الله لنا ولكم سلامة القلب.

صور من الأعمال الصالحة:

أيُّها الإخوة الكرام: الأعمال الصالحة كثيرة وكثيرة جداً، فاستغلُّوا منها ما استطعتم، لأن الله يحب العبد الصالح الملتزم بالأعمال الصالحة، وإذا أحبَّه الله تعالى سدَّد جوارحه كلها، كما قال تعالى في الحديث القدسي: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) رواه البخاري، أكثروا من النوافل التي تقرِّبكم من الله عز وجل، لأن الدنيا ارتحلت مدبرة، والآخرة ارتحلت مقبلة، وكل واحد فينا أعرض عن الدنيا مدبراً عنها مقبلاً على الآخرة إن شاء وإن أبى، متى ينتهي الأجل لا ندري؟

وها أنا أُذكِّر نفسي وإيَّاكم ببعض الأعمال الصالحة عسى أن نتقرب إلى الله عز وجل بها لنكون بفضل الله عز وجل محبوبين عنده.

أولاً: صيام النافلة:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى الله أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) رواه الترمذي.

هل سمعت يا أخي الكريم هذا الحديث الشريف: (يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ)؟ هل أنت تحب العاجلة أم الآجلة؟ هذه هي التجارة الرابحة، وخاصة ونحن في فصل الشتاء، طال ليله وقصر نهاره، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ) رواه أحمد. فيا تجار الآخرة اغتنموا هذه الأيام بالصيام، فصيام يوم واحد في سبيل الله يجعل بينك وبين النار خندقاً، روى الترمذي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) رواه الترمذي.

ثانياً: قيام الليل:

أيُّها الإخوة: عليكم بقيام الليل فإنَّه دأب الصالحين قبلكم، وخاصة ونحن في فصل الشتاء. عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى الله وَمَنْهَاةٌ عَنْ الإِثْمِ) رواه الترمذي. وفي رواية: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى الله، وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنْ الْجَسَدِ).

قيام الليل الذي زهد فيه الكثير من الناس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ)... نحن أيها الإخوة إذا أقبل شهر رمضان علينا نتنازع من أجل صلاة التراويح عشرين ركعة أم ثماني ركعات، وينبري البعض ويقول: ثماني ركعات، ويستدلُّ بالحديث الشريف حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: (مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلا يَنَامُ قَلْبِي) رواه البخاري ومسلم. مع أن صلاة التراويح عشرين ركعة سنةٌ مؤكدة، لأنها سنة سيدنا عمر رضي الله عنه عندما جمع الناس على أبي بن كعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

المهمّ أيها الإخوة: كان البعض في رمضان يؤكّد على أن التراويح ثمان ركعات استدلالاً بالحديث الشريف، والحديث يقول: لا في رمضان ولا في غيره، لماذا لا نحافظ على ثمان ركعات في غير رمضان؟

وهذه صلاة قيام الليل، أما صلاة التهجّد فهي التي تكون في الثلث الأخير من الليل، وأقلها ركعتان وأكثرها اثنا عشر ركعة...

أيها الإخوة، الناس زهدوا في قيام الليل، فمنهم من يصلي سنة العشاء البعدية ركعتين، والوتر ركعة واحدة، ومنهم يصليه ثلاث ركعات، لماذا هذا الزهد في العبادات؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.

ثالثاً: صلاة العشاء والصبح في جماعة:

من الأعمال الصالحة صلاة الجماعة وخاصة العشاء والصبح، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا بْنَ أَخِي: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ) رواه الإمام مالك ومسلم.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (أَثْقَلُ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهما وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُؤَذِّنَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهمْ حُزُمُ الْحَطَبِ إِلَى قَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الصَّلاةِ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ) رواه أحمد.

سل نفسك يا أخي الكريم: هل أنت ممن يحافظ على صلاة الفجر في وقتها؟ وإذا كنت تحافظ عليها في وقتها فهل هي في جماعة في المسجد؟ صلاة الفجر والعشاء في جماعة هي أثقل صلاة على المنافقين، أجارنا الله وإياكم من النفاق.

حافظوا على الصلاة في جماعة، وخاصة الفجر والعشاء.

رابعاً: الصدقة:

من الأعمال الصالحة صدقة النافلة، وخاصة في هذه الأيام التي انتشر فيها الفقر.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لا يَتَصَدَّقُ أَحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ إِلا أَخَذَهَا الله بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا كَمَا يرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلوَّهُ أَوْ قَلُوصَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ أَعْظَمَ) رواه مسلم.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: عَنْ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ الله عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ الله إِلا رَفَعَهُ الله) رواه مسلم.

خامساً: تحرِّي الحلال:

من الأعمال الصالحة أن نتحرَّى الحلال، وخاصة في مطعمنا ومشربنا، فالربا، والرشوة، والأيمان الكاذبة، وأكل أموال الناس بالباطل، والسرقة من الأموال العامة، ليست من الحلال في شيء، بل كلها حرام، وكل جسم نبت من سحت فلا تطهّره إلا النار، كما جاء في الحديث الشريف: (إِنَّهُ لا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ) رواه الترمذي.

ما أنت قائل لربك يوم القيامة وأنت تأكل الحرام؟ وكيف تمد يديك إلى الله تعالى سائلاً إياه حوائجك وأنت تأكل الحرام؟ أنسيت قول النبي صلى الله عليه وسلم: عندما (ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟) رواه مسلم.

سادساً: الأخلاق الحسنة:

من الأعمال الصالحة، بل على رأس الأعمال الصالحة الأخلاق الحسنة، ما أحوجنا إلى الأخلاق الحسنة، يا عباد الله، اسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَأَعْرِضْ عَمَّنْ ظَلَمَكَ) رواه الإمام أحمد.

لا تقل لا أستطيع، فإن الله تعالى ما كلَّفنا فوق استطاعتنا، جاهد نفسك يا أخي، وتحلَّ بالأخلاق الحسنة، ولا تقل: لا أستطيع أن أصل من قطعني وأن أعفو عمن ظلمني وأن أحسن إلى من أساء إليّ، لا تقل هذا، لأن الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم أمرك بهذا، وطلب منك ربك اتباعه صلى الله عليه وسلم فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.

لا تقل لا أستطيع، ولكن قل: أأبى أن أدخل الجنة، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ أَبَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى) رواه البخاري.

خاتمة نسأل الله حسنَها:

عبادَ الله: تعالوا نعاهد الله عز وجل ونحن نستقبل هذه الأيام المباركة أن نكون على قدم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عباداتنا ومعاملاتنا وأخلاقنا، وأن نستكثر من الأعمال الصالحة فيها، فلنحافظ على صيام النافلة، وصلاة النافلة، وعلى الصلاة في جماعة وخاصة الفجر والعشاء، وكثرة الصدقة، وأن نتحرّى الحلال في أرزاقنا، وأن نحسّن أخلاقنا.

اللهمَّ وفِّقنا لذلك، اللهمَّ وفِّقنا لذلك، اللهمَّ وفِّقنا لذلك. آمين. آمين. آمين. أقول هذا القول، وأستغفر الله.

**     **     **

 

 2008-11-28
 3920
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-03-2024 134 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 134
21-03-2024 656 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 656
14-03-2024 997 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 997
08-03-2024 872 مشاهدة
903ـ خطبة الجمعة: استقبل شهر رمضان بالأمور الآتية

هَا نَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ الصَّوْمِ، وَأَنْعِمْ بِالصَّوْمِ عِبَادَةً، بِهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتُ، وَتَكْفِيرُ الخَطِيئَاتِ، وَكَسْرُ الشَّهَوَاتِ، وَتَكْثِيرُ الصَّدَقَاتِ، وَوَفْرَةِ الطَّاعَاتِ، وَشُكْرُ عَالِمِ الخَفِيَّاتِ، وَالانْزِجَارُ ... المزيد

 08-03-2024
 
 872
09-02-2024 2559 مشاهدة
902ـ خطبة الجمعة: حاله صلى الله عليه وسلم في شعبان

إِنَّ المُؤْمِنَ لَيَتَقَلَّبُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَمُدُّ اللهُ تعالى لَهُ في أَجَلِهِ، وَكُلَّ يَوْمٍ يَبْقَاهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا هُوَ غَنِيمَةٌ لَهُ لِيَتَزَوَّدَ مِنْهُ لِآخِرَتِهِ، وَيَحْرُثَ فِيهِ مَا اسْتَطَاعَ، ... المزيد

 09-02-2024
 
 2559
02-02-2024 2272 مشاهدة
901ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾

لِنَكنْ جَمِيعًا عَلَى يَقِينٍ أَنَّنَا سَنَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾. أَلَا وَإِنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ في الجَنَّةِ، وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّ ... المزيد

 02-02-2024
 
 2272

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412028003
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :