79ـ مع الحبيب المصطفى: «ما اجتَمَعنَ في امرِئٍ إلا دَخَلَ الجَنَّةَ» (1)

79ـ مع الحبيب المصطفى: «ما اجتَمَعنَ في امرِئٍ إلا دَخَلَ الجَنَّةَ» (1)

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

79ـ «ما اجتَمَعنَ في امرِئٍ إلا دَخَلَ الجَنَّةَ» (1)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: النَّاسُ في هذا الشَّهرِ المُبارَكِ على قِسمَينِ، قِسمٌ قَصَدَ بَيتَ الله عزَّ وجلَّ حاجَّاً ومُعتَمِراً يَتَعَرَّضُ لِنَفَحاتِ الله في عَرَصاتِ المَناسِكِ المُبارَكَةِ.

وقِسمٌ قاعِدٌ مُتَخَلِّفٌ عن إدراكِ هذهِ الفَريضَةِ، وبُلوغِ رِحابِ البَيتِ العَتيقِ، إمَّا لِعارِضٍ ـ كهذهِ الأزمَةِ التي يَمُرُّ بها بَلَدُنا، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله العَلِيِّ العَظيمِ، حيثُ حُرِمَ الكَثيرُ من أداءِ هذهِ الفَريضَةِ بِسَبَبِ هذهِ الحَربِ، والإثمُ على من كانَ سَبَباً فيها ـ وإمَّا لِمَرَضٍ أو شَيخوخَةٍ.

ولكن ولله الحَمدُ، الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، ومن هَمَّ بِحَسَنَةٍ فلم يَعمَلْها لِسَبَبٍ قاهِرٍ مَنَعَهُ من ذلكَ كانَ كمَن عَمِلَها بإذنِ الله تعالى، فَطِيبوا نَفساً، ولا تَضِقْ صُدورُكُم، فإن شاءَ اللهُ تعالى كُتِبَ الأجرُ كامِلاً لمن صَدَقَ في نِيَّتِهِ، وحالَ بَينَهُ وبَينَ أداءِ هذا النُّسُكِ حائِلٌ.

فُرصَةٌ عَظيمَةٌ لا يُفَرِّطُ فيها إلا مَغبونٌ:

أيُّها الإخوة الكرام: يا مَن أقعَدَكُمُ العُذرُ عن أداءِ فَريضَةِ الحَجِّ، لا تَحزَنوا فاللهُ تعالى فَتَحَ لكُم بابَ التَّنافُسِ في الأعمالِ الصَّالِحاتِ في هذهِ الأيَّامِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ـ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ ـ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله؟

قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله، إِلَّا رَجُلاً خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».

فُرصَةٌ عَظيمَةٌ لا يُفَرِّطُ فيها إلا مَغبونٌ، ولا يَتَساهَلُ فيها إلا مَحرومٌ.

أيُّها الإخوة الكرام: عَزاؤُنا حيثُ لم نَلحَقْ بِرَكبِ الحُجَّاجِ والمُعتَمِرينَ هذا الحَديثُ الشَّريفُ الذي رَغَّبَنا فيه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالأعمالِ الصَّالِحاتِ، والتي من جُملَتِها التَّسبيحُ والتَّحميدُ والتَّهليلُ والتَّكبيرُ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الطبراني في الكبير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ الله، وَلا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ التَّسْبِيحَ، وَالتَّكْبِيرَ، وَالتَّهْلِيلَ».

«مَا اجتَمَعنَ في امرِئٍ إلا دَخَلَ الجَنَّةَ»:

أيُّها الإخوة الكرام:  الأعمالُ الصَّالِحاتُ كَثيرَةٌ، وكَثيرَةٌ جِدَّاً ومُتَنَوِّعَةٌ، وما ذاكَ إلا لِرَحمَةِ الله تعالى بِعِبادِهِ حتَّى لا يَمَلُّوا من طَاعَةٍ واحِدَةٍ، ومن هذهِ الأعمالِ الصَّالِحاتِ التي إذا اجتَمَعَت في العَبدِ المؤمِنِ دَخَلَ الجَنَّةَ من أيِّ بابٍ شاءَ، ما ذَكَرَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الحَديثِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُم الْيَوْمَ صَائِماً؟»

قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.

قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُم الْيَوْمَ جَنَازَةً؟»

قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.

قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُم الْيَوْمَ مِسْكِيناً؟»

قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.

قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُم الْيَوْمَ مَرِيضاً؟»

قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.

فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ».

أيُّها الإخوة الكرام: أربَعَةُ أُمورٍ من الأعمالِ الصَّالِحَةِ إذا اجتَمَعَت في عَبدٍ مُؤمِنٍ دَخَلَ الجَنَّةَ بإذنِ الله تعالى، فهل نَغتَنِمُ هذهِ الأعمالَ الصَّالِحَةَ في هذهِ الأيَّامِ المُبارَكَةِ؟

أولاً: صِيامُ النَّافِلَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: على رَأسِ هذهِ الأعمالِ الصَّالِحَةِ في هذهِ الأيَّامِ المُبارَكَةِ صِيامُ النَّافِلَةِ، وقد رَغَّبَ سيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في صِيامِ النَّافِلَةِ، بأحاديثَ كَثيرَةٍ، منها:

ما روى الإمام أحمد عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أَسْنَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِي فَقَالَ: «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ الله وخُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْماً ابْتِغَاءَ وَجْهِ الله وخُتِمَ لَهُ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ الله وخُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ».

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: مُرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ.

قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ».

ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ».

وروى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ الله بَاعَدَ ـ وفي روايةٍ: بَعَّدَ ـ اللهُ وَجْهَهُ عَن النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً».

وروى الترمذي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ الله جَعَلَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقاً كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ».

وروى الطبراني في الكبير عن عَمْرو بن عَبَسَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ الله بَعُدَتْ مِنْهُ النَّارُ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ».

وروى الإمام أحمد وابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ الله زَحْزَحَ اللهُ وَجْهَهُ عَن النَّارِ بِذَلِكَ سَبْعِينَ خَرِيفاً».

وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى الله أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ». وهوَ حَديثٌ ضَعيفٌ، ولكن يُعمَلُ به لما وَرَدَ من الأحاديثِ الصَّحيحَةِ والحَسَنَةِ السَّابِقِ ذِكرُها.

 ثانياً: اِتِّباعُ الجَنائِزِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من الأعمالِ الصَّالِحَةِ اتِّباعُ الجَنائِزِ، والتي قَصَّرنا فيها أيَّما تَقصيرٍ، معَ أنَّ سيِّدَنا رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَغَّبَنا في الأحاديثِ الشَّريفَةِ باتِّباعِ الجَنائِزِ، منها:

ما روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ».

قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ الله؟

قَالَ: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ».

وروى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ».

وَيَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا».

وَكَانَ يَقُولُ: «لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ مِن الْمَعْرُوفِ سِتٌّ، يُشَمِّتُهُ إِذَا عَطَسَ، وَيَعُودُهُ إِذَا مَرِضَ، وَيَنْصَحُهُ إِذَا غَابَ، وَيَشْهَدُهُ وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ، وَيُجِيبُهُ إِذَا دَعَاهُ، وَيَتْبَعُهُ إِذَا مَاتَ».

وروى الطبراني في الكبير عن أبي أيُّوب رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سِتُّ خِصَالٍ وَاجِبَةٍ، فَمَنْ تَرَكَ خَصْلَةً مِنْهَا فَقَدْ تَرَكَ حَقَّاً وَاجِباً لأَخِيهِ، إِذَا دَعَاهُ أَنْ يُجِيبَهُ، وَإِذَا لَقِيَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَإِذَا عَطَسَ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَإِذَا مَرِضَ أَنْ يَعُودَهُ، وَإِذَا مَاتَ أَنْ يَتْبَعَ جِنَازَتَهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَهُ أَنْ يَنْصَحَهُ».

وروى ابنُ حِبَّان عن أبي سَعيدٍ الخُدرِيِّ، أنَّهُ سِمَعَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقولُ: «خَمسٌ من عَمِلَهُنَّ في يَومٍ كَتَبَهُ اللهُ من أهلِ الجَنَّةِ، مَن عَادَ مَريضاً، وشَهِدَ جَنازَةً، وصَامَ يَوماً، وراحَ يَومَ الجُمُعَةِ، وأعتَقَ رَقَبَةً».

وروى الشيخان عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيها فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَها حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ».

قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟

قَالَ: «مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ».

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَن اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّه يَرْجِعُ مِن الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ».

وروى الإمام مسلم عن عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنهُم، أنَّهُ كَانَ قَاعِداً عِنْدَ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما إِذْ طَلَعَ خَبَّابٌ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ فَقَالَ: يَا عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ، أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ؟ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ، كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِن الْأَجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ».

فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ خَبَّاباً إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ مَا قَالَتْ، وَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءِ الْمَسْجِدِ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ.

فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ.

فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ بِالْحَصَى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ.

وروى البزار عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «من أتى جَنازَةً في أهلِهَا فَلَهُ قِيراطٌ، فإن اتَّبَعَها فَلَهُ قِيراطٌ، فإن صَلَّى عَلَيها فَلَهُ قِيراطٌ، فإن انتَظَرَهَا حتَّى تُدفَنَ فَلَهُ قِيراطٌ».

وروى البيهقي والبزار عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قال: قال رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ أوَّلَ ما يُجازَى به العَبدُ المؤمِنُ يَومَ القِيامَةِ إذا مَاتَ، أن يُغفَرَ لِجَميعِ مَن اتَّبَعَ جَنازَتَهُ».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ لِرَبِّكُم في أيَّامِ دَهرِكُم لَنَفَحاتٍ ألا فَتَعَرَّضوا لها، ومن جُملَةِ هذهِ النَّفَحاتِ أيَّامُ عَشرِ ذي الحِجَّةِ، فالسَّعيدُ من أكثَرَ فيها من الأعمالِ الصَّالِحاتِ معَ الإخلاصِ، راجينَ المولى عزَّ وجلَّ بِبَرَكَةِ المُخلِصينَ المُخلَصينَ أن يُفَرِّجَ الكَربَ عن هذهِ الأمَّةِ.

ومن هذهِ الأعمالِ الصَّالِحاتِ، الصِّيامُ واتِّباعُ الجَنائِزِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقنا للعَمَلِ الصَّالِحِ، وأعِنَّا على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عِبادَتِكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 2 /ذو الحجة /1434هـ، الموافق: 7 /تشرين الأول / 2013م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2341 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2341
20-06-2019 1387 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1387
28-04-2019 1170 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1170
28-04-2019 1183 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1183
21-03-2019 1781 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1781
13-03-2019 1654 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1654

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413206326
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :