الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: إذا دخل الرجل في الصلاة ثم أحدث في الصلاة عمداً فإن صلاته باطلة باتفاق الفقهاء، وعليه أن يتوضأ ويستأنف صلاته.
ثانياً: أما إذا أحدث في صلاته بلا عمد منه، بحيث سبقه الحدث بخروج بول أو غائط أو ريح أو رعاف أو دم سائل من جرح أو دُمِّلٍ به بغير صنعه فإنَّ طهارته تفسد، ولا تبطل صلاته فيجوز له البناء على ما مضى من صلاة بعد تطهّره استحساناً لا قياساً، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلاتِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لا يَتَكَلَّمُ) رواه ابن ماجه.
وروي أنَّ أبا بكر رضي الله عنه سبقه الحدث في الصلاة فتوضأ وبنى.
وكذلك عمر رضي الله عنه سبقه الحدث وتوضأ وبنى على صلاته.
وعلي رضي الله عنه كان يصلي خلف عثمان رضي الله عنه فَرَعَف فانصرف وتوضأ وبنى على صلاته.
فثبت البناء من الصحابة رضي الله عنهم قولاً وفعلاً، والقياس يُترك بالنص والإجماع. وهذا مذهب السادة الحنفية رضي الله عنهم.
أما عند المالكية والقول الجديد للشافعي وأصحّ الروايات عن أحمد فإنَّ صلاته تبطل ولو سبقه الحدث، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُعِدْ الصَّلاةَ) رواه أبو داود. ولأنَّه فقد شرطاً من شروط صحة الصلاة وهو الطهارة، ولأنَّه لا يعود إلى الصلاة إلا بعد زمن طويل وعمل كثير.
ثالثاً: اشترط الحنفية لجواز البناء شرطين:
الأول: أن يكون سبق الحدث بغير قصد منه.
الثاني: ألا يأتي بعد الحدث بفعل منافٍ للصلاة لو لم يكن قد أحدث، فلا يتكلم بلا حاجة، ولا يضحك، ولا يأكل ولا يشرب، فإن فعل ذلك فلا يصح البناء.
وبناء على ذلك:
فعند السادة الحنفية بوسع هذا الرجل الذي سبقه الحدث أن يذهب ويتوضأ ثم يعود ويتمّ صلاته مع مراعاة الشرطين السابق ذكرهما.
وعند المالكية والقول الجديد للشافعية وأصحّ الروايتين عند أحمد لا يصح أن يبني على صلاته وعليه إعادتها بعد التطهّر. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |
