الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ حَقَّ الوَالِدَيْنِ عَظِيمٌ، قَالَ تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنَاً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْـمَصِيرُ﴾.
وروى الإمام أحمد عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
قَالَ: «وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟».
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: «ارْجِعْ فَبَرَّهَا».
ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِن الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
قَالَ: «وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟».
قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا».
ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
قَالَ: «وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟».
قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «وَيْحَكَ، الْزَمْ رِجْلَهَا، فَثَمَّ الْجَنَّةُ».
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَاحْفَظْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ دَعْهُ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَن أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
ثانياً: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ سَبَبٌ لٍاسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَأَنَّ البَارَّ بِوَالِدَيْهِ لَو أَقْسَمَ على اللهِ تعالى لَأَبَرَّ اللهُ تعالى قَسَمَهُ.
روى الإمام مسلم عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟
حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ، فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ، فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ، فَبَرَئَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِن اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ».
فَاسْتَغْفِرْ لِي؛ فَاسْتَغْفَرَ لَهُ.
لِيَعْلَمْ كُلٌّ مِنَّا: أَنَّ الذي مَنَعَ أُوَيْسَاً من القُدُومِ على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ بِرُّهُ بِوَالِدَتِهِ، وَبِذَلِكَ رُفِعَ تِلْكَ المَرْتَبَةَ العَالِيَةَ، وَقَالَ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ» رواه الإمام مسلم عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وبناء على ذلك:
فَأَرشِدُوا أَخَاكُم، وَذَكِّرُوهُ باللهِ تعالى، وَذَكِّرُوهُ بِثِمَارِ بِرِّ الوَالِدَيْنِ، وَحَذِّرُوهُ من العُقُوقِ وَعَوَاقِبِهِ، وَخَاصَّةً ذَكِّرُوهُ بِحَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ».
قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ».
وَابْحَثُوا عَن أَسْبَابِ هَذِهِ الخُصُومَةِ، وَحَاوِلُوا إِزَالَتَهَا، وَأَكْثِرُوا لَهُ من الدُّعَاءِ بِظَهْرِ الغَيْبِ، وَبِذَلِكَ تَبْرَاُ ذِمَّتُكُم، وَتَكُونُوا قَد قُمْتُم بِمَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْكُم. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |