118ـ من إرشاداته   

118ـ من إرشاداته   

118ـ من إرشاداته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَمِنْ إِرْشَادَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالعَمَلِ الدَّائِمِ وَإِنْ قَلَّ، وَيُحَذِّرُ مِنَ العَمَلِ الكَثِيرِ المُنْقَطِعِ:

جَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَصِيرٌ وَكَانَ يَحْجِزُهُ بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (أَيْ: يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ وَيَجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ) فَيُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ حَتَّى كَثُرُوا.

فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ».

وَفِي رِوَايَةٍ: وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلُوا عَمَلَاً أَثْبَتُوهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُ مِنَ المُشَادَّةِ في الدِّينِ:

رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ (قَالَ في الفَتْحِ: وَالمُشَادَّةُ المُغَالَبَةُ. وَالمَعْنَى: لَا يَتَعَمَّقْ أَحَدٌ في الأَعْمَالِ الدِّينِيَّةِ وَيَتْرُكَ الرِّفْقَ إِلَّا عَجِزَ أَو انْقَطَعَ فَيَنْقَلِبُ. اهـ).

فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا (قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: السَّدَادُ: الاسْتِقَامَةُ وَالإِصَابَةُ، وَالمُقَارَبَةُ: القَصْدُ ـ أَيْ: التَّوَسُّطُـ الذي لَا غُلُوَّ فِيهِ ـ أَيْ: تَجَاوُزُ المَأْمُورِ بِهِ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ ـ وَلَا تَقْصِيرَ ـ أَيْ: إِخْلَالٌ بِشَيْءٍ مِنْهُ ـ اهـ).

وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا».

وَالمَعْنَى: الْزَمُوا القَصْدَ؛ أَيْ: التَّوَسُّطَ في الأَمْرِ تَبْلُغُوا المَقْصُودَ وَهُوَ فَضْلُ اللهِ تعالى وَرِضْوَانُهُ.

قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: الغَدْوَةُ: سَيْرُ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَالرَّوْحَةُ: سَيْرُ آخِرِ النَّهَارِ، وَالدُّلْجَةُ: سَيْرُ آخِرِ اللَّيْلِ، وَهَذَا اسْتِعَارَةٌ وَتَمْثِيلٌ، وَمَعْنَاهُ: اسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالأَعْمَالِ في وَقْتِ نَشَاطِكُمْ وَفَرَاغِ قُلُوبِكُمْ، تَسْتَلِذُّونَ العِبَادَةَ وَلَا تَسْأَمُونَ، وَتَبْلُغُونَ مَقْصُودَكُمْ، كَمَا أَنَّ المُسَافِرَ الحَاذِقَ يَسِيرُ في هَذِهِ الأَوْقَاتِ وَيَسْتَرِيحُ هُوَ وَدَابَّتُهُ في غَيْرِهَا فَيَصِلُ المَقْصُودَ بِغَيْرِ تَعَبٍ ـ وَاللهُ أَعْلَمُ. اهـ.

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ هَدْيَاً قَاصِدَاً، فَإِنَّهُ مَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ».

قَالَ العَلَّامَةُ ابْنُ المُنَيِّرِ: في هَذَا الحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، فَقَدْ رَأَيْنَا وَرَأَى النَّاسُ قَبْلَنَا أَنَّ كُلَّ مُتَنَطِّعٍ ـ أَيْ: مُفَرِّطٍ وَمُتَشَدِّدٍ ـ في الدِّينِ يَنْقَطِعُ، وَلَيْسَ المُرَادُ مَنْعُ طَلَبِ الكَمَالِ في العِبَادَةِ فَإِنَّهُ مِنَ الأُمُورِ المَحْمُودَةِ، بَلِ المُرَادُ مَنْعُ الإِفْرَاطِ المُؤَدِّي إلى المَلَلِ، أَو المُبَالَغَةِ في التَّطَوُّعِ المُفْضِي إلى تَرْكِ الأَفْضَلِ، أَو إِخْرَاجِ الفَرْضِ عَنْ وَقْتِهِ، كَمَنْ بَاتَ يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ وَيُغَالِبُ النَّوْمَ إلى أَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ في آخِرِ اللَّيْلِ فَنَامَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ في الجَمَاعَةِ، أَو إلى أَنْ خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ المُخْتَارُ، أَو إلى أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَخَرَجَ وَقْتُ الفَرِيضَةِ. وَفِي حَدِيثِ مِحْجَنِ بْنِ الأَدْرَعِ عِنْدَ أَحْمَدَ: «إِنَّكُمْ لَنْ تَنَالُوا هَذَا الأَمْرَ بِالمُغَالَبَةِ، وَخَيْرُ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ . . . » الحَدِيثَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَقَدْ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الإِشَارَةِ إلى الأَخْذِ بِالرُّخْصَةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنَّ الأَخْذَ بِالعَزِيمَةِ في مَوْضِعِ الرُّخْصَةِ تَنَطُّعٌ، كَمَنْ يَتْرُكُ التَّيَمُّمَ عِنْدَ العَجْزِ عَنِ اسْتِعْمَالِ المَاءِ ـ لِضَرَرٍ يُصِيبُهُ ـ فَيْفُضْي اسْتِعْمَالُهُ المَاءَ إلى حُصُولِ الضَّرَرِ. اهـ. كَلَام ابْنُ المُنِيرِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 10/ شوال /1440هـ، الموافق: 14/ حزيران / 2019م

 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  من كتاب سيدنا محمد رسول الله   

20-03-2021 2724 مشاهدة
203ـ تمسح الملائكة بالقبر الشريف

رَوَى الدَّارَمِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ كَعْبَاً ـ أَيْ: كَعْبَ الأَحْبَارِ ـ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ كَعْبٌ: مَا مِنْ يَوْمٍ يَطْلُعُ ... المزيد

 20-03-2021
 
 2724
12-03-2021 1535 مشاهدة
202ـ إفاضة القبر الشريف بالأسرار والأنوار

بَابُ مَا أَكْرَمَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُحِطَ أَهْلُ المَدِينَةِ قَحْطَاً شَدِيدَاً، ... المزيد

 12-03-2021
 
 1535
19-02-2021 1028 مشاهدة
201ـ بكاء الصحابة لتذكرهم عهوده صلى الله عليه وسلم

عَادَ خَبَّابَاً نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَبْشِرْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَرِدُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَوْضَ! ... المزيد

 19-02-2021
 
 1028
20-11-2020 4266 مشاهدة
200ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (2)

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ... المزيد

 20-11-2020
 
 4266
13-11-2020 1982 مشاهدة
199ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللهُ ... المزيد

 13-11-2020
 
 1982
06-11-2020 1014 مشاهدة
198ـ محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم (5)

بُكَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِأَلَمِ فِرَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبُكَاؤُهُمْ لِتَذَكُّرِ مَجَالِسِهِ، وَبُكَاؤُهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ... المزيد

 06-11-2020
 
 1014

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414947910
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :