49ـ أداء الصيام عنهما

49ـ أداء الصيام عنهما

49ـ أداء الصيام عنهما

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِن بِرِّ الوَالِدَيْنِ بَعْدَ وَفَاتِهِمَا، أَدَاءُ الحُقُوقِ التي تَوَجَّبَتْ عَلَيْهِمَا، سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الحُقُوقُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ كَالعِبَادَاتِ، أَو كَانَتْ للعِبَادِ كَالحُقُوقِ المَالِيَّةِ وَنَحْوِهَا.

أَدَاءُ الصِّيَامِ عَنْهُمَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ مَاتَ وَالِدَاهُ أَو أَحَدُهُمَا وَعَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ، مِنْ وَلَدٍ أَو أَخٍ أَو أُخْتٍ.

روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ».

وَهَذَا النَّصُّ عَامٌّ، يَشْمَلُ كُلَّ وَلِيٍّ للمُتَوَفَّى مِنْ وَلَدٍ أَو بِنْتٍ أَو أَخٍ أَو أُخْتٍ.

أَمَّا بِخُصُوصِ الوَالِدَيْنِ بِالذَّاتِ، فَقَدْ رَوَى الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟

فَقَالَ: «لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟».

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى».

وروى الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ.

فَقَالَ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟».

قَالَتْ: نَعَمْ.

قَالَ: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ».

وروى الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟

قَالَ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ، أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكِ عَنْهَا؟».

قَالَتْ: نَعَمْ.

قَالَ: «فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ».

وروى أيضاً عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ.

قَالَ: فَقَالَ: «وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ».

قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ ـ وفي رِوَايَةٍ: شَهْرَيْنِ ـ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟

قَالَ: «صُومِي عَنْهَا».

قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟

قَالَ: «حُجِّي عَنْهَا».

وَالنُّصُوصُ تَدُلُّ عَلَى صَوْمِ الوَرَثَةِ ـ خَاصَّةً الوَلَدَ وَالبِنْتَ ـ عَنْ مُوَرِّثِهِمْ مِنَ الوَالِدَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّوْمُ فَرْضَاً عَنْ رَمَضَانَ، أَمْ وَاجِبَاً عَنْ نَذْرٍ، أَوكَفَّارَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ حَزْمٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ، أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ وَاجِبَةٍ فَفَرْضٌ عَلَى أَوْلِيَائِهِ أَنْ يَصُومُوهُ عَنْهُ، هُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ اسْتُؤْجِرَ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَنْ يَصُومُهُ عَنْهُ وَلَا بُدَّ ـ أَوْصَى بِكُلِّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ ـ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا الحُكْمُ ـ الصِّيَامُ عَنِ الوَالِدَيْنِ ـ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ، خِلَافَاً لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ، حَيْثُ قَالُوا: العِبَادَاتُ البَدَنِيَّةُ المَحْضَةُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدَّاً مِنْ حِنْطَةٍ» رواه النسائي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. أَيْ: في حَقِّ الخُرُوجِ مِنَ العُهْدَةِ، لَا في حَقِّ الثَّوَابِ.

وَالأَوْلَى عِنْدَ فُقَهَاءِ الحَنَفِيَّةِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَهُ الوَالِدَانِ إِطْعَامَ مِسْكِينٍ، وَهَذَا مِنَ البِرّ بِهِمَا.

وَعَلَى كُلٍّ حَالٍ مَنْ صَامَ عَنْ وَالِدَيْهِ أَجْزَأَهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى، وَإِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينَاً عَنْ كُلِّ يَوْمٍ أَجْزَأَهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ البِرِّ بِالوَالِدَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا وَكَانَ عَلَيْهِمَا قَضَاءُ صِيَامٍ أَنْ يَصُومَ عَنْهُمَا الأَبْنَاءُ، أَو أَنْ يُطْعِمُوا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينَاً، رَجَاءَ تَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا فِعْلَ الطَّاعَاتِ قَبْلَ المَمَاتِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا بَرَرَةً بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا أَحْيَاءً وَمَيْتِينَ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 16/ محرم /1441هـ، الموافق: 15/ أيلول / 2019م

 2019-09-15
 580
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  بر الوالدين

25-10-2020 2290 مشاهدة
71ـ لين الجانب لهما والقول الكريم لهما

مَّا يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ تُجَاهَ وَالِدَيْهِ، أَنْ يُخَاطِبَهُمَا بِالقَوْلِ اللَّيِّنِ، وَالكَلَامِ اللَّطِيفِ، وَلَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِمَا، وَلَا يُخَاطِبَهُمَا بِالعِبَارَاتِ الحَادَّةِ، وَالكَلِمَاتِ النَّابِيَةِ، وَالغِلْظَةِ ... المزيد

 25-10-2020
 
 2290
18-10-2020 1739 مشاهدة
70ـ الإنفاق على الوالدين الفقيرين

وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ تُجَاهَ وَالِدَيْهِ، الإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا إِذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ، وَلْيَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَنْ يَدْفَعَ لَهُمَا مِنْ زَكَاةِ أَمْوَالِهِ، لِأَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى ... المزيد

 18-10-2020
 
 1739
04-10-2020 1056 مشاهدة
69ـ الحرص على هدايتهما (2)

حُقُوقُ الوَالِدَيْنِ عَلَى الوَلَدِ كَبِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ جِدًّا، وَمِنْ هَذِهِ الحُقُوقِ أَنْ يَكُونَ الوَلَدُ حَرِيصًا عَلَى هِدَايَةِ وَالِدَيْهِ إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ، وَأَنْ يَكُونَ نَاصِحًا أَمِينًا لَهُمَا بِأُسْلُوبٍ حَكِيمٍ، وَخَاصَّةً ... المزيد

 04-10-2020
 
 1056
21-09-2020 830 مشاهدة
68ـ الحرص على هدايتهما (1)

هَذَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى هِدَايَةِ وَالِدِهِ كُلَّ الحِرْصِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى لَنَا قِصَّتَهُ في القُرْآنِ العَظِيمِ لِيَكُونَ أُسْوَةً لَنَا في تَقْدِيمِ النُّصْحِ وَالحِرْصِ ... المزيد

 21-09-2020
 
 830
08-03-2020 1781 مشاهدة
67ـ وجوب توقيرهما وتكريمهما

مَّا يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ تُجَاهَ وَالِدَيْهِ أَنْ يُوَقِّرَهُمَا وَيُكْرِمَهُمَا، فَلَا يَصِفَهُمَا بِوَصْفٍ لَا يَلِيقُ بِهِمَا، وَلَا يُنَادِيهِمَا بِأَسْمَائِهِمَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْتَرِمَهُمَا في مَجْلِسِهِمَا. كَيْفَ لَا يَكُونُ ... المزيد

 08-03-2020
 
 1781
06-03-2020 1208 مشاهدة
66ـ شكر الله تعالى على ما أنعم (2)

مِنْ فَوَائِدِ بِرِّ الوَالِدَيْنِ كَمَالُ الإِيمَانِ، وَحُسْنُ الإِسْلَامِ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ العِبَادَاتِ، وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ المُوصِلُ إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَهُوَ سَبَبٌ في بَرَكَةِ العُمُرِ، ... المزيد

 06-03-2020
 
 1208

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414950356
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :