732ـ خطبة الجمعة: نصرتنا لنبينا    باتباعه

732ـ خطبة الجمعة: نصرتنا لنبينا    باتباعه

732ـ خطبة الجمعة: نصرتنا لنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ باتباعه

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: في ذِكْرَى مَوْلِدِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَقُولُ: الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، يَا نَبِيَّ الرَّحْمَةِ وَالهُدَى، يَا مَنْ أَرْسَلَكَ اللهُ تعالى رَحْمَةً للعَالَمِينَ، فَأَنْتَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ الرَّحْمَةُ المُهْدَاةُ، وَالنِّعْمَةُ المُسْدَاةُ، كَمَا أَخْبَرْتَ بِقَوْلِكَ الشَّرِيفِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

كَأَنَّ الرَّحْمَةَ اجْتَمَعَتْ وَتَمَثَّلَتْ فَكُنْتَ أَنْتَ هِيَ، وَهِيَ أَنْتَ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، بِعْثَتُكَ رَحْمَةٌ، هَدَى اللهُ بِكَ النَّاسَ مِنَ الضَّلَالِ، وَأَنَارَ بِكَ الظُّلُمَاتِ، وَأَحْيَا بِكَ مِنْ مَوَاتٍ، كَيْفَ كَانَ العَالَمُ قَبْلَ بِعْثَتِكَ، ثُمَّ كَيْفَ صَارَ بِنُورِ هِدَايَتِكَ؟

حَدِيثُكَ رَحْمَةٌ، يَا مَنْ قُلْتَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

سِيرَتُكَ العَطِرَةُ رَحْمَةٌ، يَا مَنْ عَفَوْتَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَوَصَلْتَ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطَيْتَ مَنْ مَنَعَكَ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْتَ الرَّحْمَةُ، وَالشَّرْعُ الحَنِيفُ الذي بُعِثْتَ بِهِ رَحْمَةٌ ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾.

وَكِتَابُ رَبِّكَ الذي جِئْتَ بِهِ رَحْمَةٌ ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ سَمَّاكَ اللهُ تعالى الرَّؤُوفَ الرَّحِيمَ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

بَلْ كُنْتَ سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ رَفِيقًا بِأَعْدَائِكَ، حَرِيصًا عَلَى هِدَايَتِهِمْ ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾.

وَقَدْ قِيلَ لَكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ: ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ.

فَقُلْتَ ـ فِدَاكَ رُوحِي وَدَمِي ـ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لَمْ تَكُنْ رَحْمَتُكَ عَنْ عَجْزٍ أَو ضَعْفٍ:

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ كُنْتَ رَحِيمًا بِأَعْدَائِكَ، وَلَم تَكُنْ رَحْمَتُكَ عَنْ عَجْزٍ، وَلَا عَنْ ضَعْفٍ، كَيْفَ تَكُونُ عَاجِزًا أَو ضَعِيفًا وَاللهُ تعالى الذي أَرْسَلَكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؟

كَيْفَ تَكُونُ عَاجِزًا أَو ضَعِيفًا وَاللهُ تعالى قَالَ لَكَ: ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾. وَقَالَ لَكَ: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾. وَقَالَ لَكَ: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾؟

لَقَدْ كَانَتْ رَحْمَتُكَ عَنْ قُوَّةٍ وَقُدْرَةٍ، لَا عَنْ ضَعْفٍ وَلَا عَنْ عَجْزٍ؛ وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ حِينَ رُجُوعِكَ مِنَ الطَّائِفِ، وَقَدْ فَعَلَ المُشْرِكُونَ مَا فَعَلُوا، فَجَاءَكَ المَلَكُ جِبْرِيلُ وَمَعَهُ مَلَكُ الجِبَالِ، وَقَالَ لَكَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ؟

فقُلْتَ لَهُ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» رواه الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

لَقَدْ كَانَتْ رَحْمَتُكَ عَنْ قُوَّةٍ وَقُدْرَةٍ، لَا عَنْ ضَعْفٍ وَلَا عَنْ عَجْزٍ؛ وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ حِينَ وَقَفَتْ قُرَيْشٌ التي فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ، وَقُلْتَ لَهُمْ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟».

قَالُوا: خَيْرَاً، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ.

قَالَ: «فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ». كَذَا في الرَّحِيقِ المَخْتُومِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

وَاليَوْمَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ يُحَاوِلُ أَعْدَاؤُكَ أَنْ يَنَالُوا مِنْ مَقَامِكَ الشَّرِيفِ العَالِي بِإِسَاءَاتِهِمْ، لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ تَمَيَّزَتْ غَيْظًا، فَهُمْ يَرَوْنَ انْتِشَارَ نُورِكَ في أَصْقَاعِ الدُّنْيَا، وَلَو كَتَمَتْ أَجْهِزَةُ الإِعْلَامِ هَذِهِ الحَقِيقَةَ، هَذَا لَا يَضُرُّنَا، يُرِيدُونَ أَنْ تَنَالَ أَيْدِيهِمُ السَّمَاءَ؛ وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ.               

كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوماً لِيُوهِنَها       ***        فَلَمْ يَضِرْها وَأَوْهَى قَرنَهُ الوَعِلُ

يَا أَيُّهَا الحَاقِدُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَقَدْ وَقَفَ أَسْيَادُكَ أَمَامَ الحَبِيبِ الأَعْظَمِ لِيَنَالُوا مِنْهُ، فَقَالَ تعالى مُدَافِعًا عَنْهُ: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَعْطُوا صُورَةً حَسَنَةً عَنْ إِسْلَامِكُمْ، مِنْ خِلَالِ الالْتِزَامِ بِهَدْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 13/ ربيع الأول /1442هـ، الموافق: 30/تشرين الأول / 2020م

 2020-10-30
 2893
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 166 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 166
10-05-2024 331 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 331
02-05-2024 578 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 578
26-04-2024 537 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 537
19-04-2024 833 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 833
12-04-2024 1554 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1554

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414948347
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :