743ـ خطبة الجمعة: أهمية الأمل في حياتنا

743ـ خطبة الجمعة: أهمية الأمل في حياتنا

743ـ خطبة الجمعة: أهمية الأمل في حياتنا

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الأُمَّةَ تَعِيشُ في حَالَتِهَا الرَّاهِنَةِ بِأَوْضَاعٍ مِنَ الضَّعْفِ وَالتَّشَتُّتِ، مَعَ وُجُودِ البَلَاءِ وَالغَلَاءِ وَالوَبَاءِ، وَقَدْ ضَاقَتْ عَلَيْهَا الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَلَكِنْ كُلُّ هَذَا عِنْدَ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ الحَقِّ يُشِيرُ إلى أُفُقٍ مُضِيءٍ، وَسَبِيلٍ عَامِرٍ بِالأَمَلِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، لِأَنَّهُ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَهُوَ يَعْرِفُ سُنَنَ اللهِ تعالى في خَلْقِهِ، وَهُوَ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ هَذَا الوَاقِعَ المَرِيرَ بِدَايَةُ النِّهَايَةِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى.

قَالَ تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾.

وَقَالَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْـحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾.

أَهَمِّيَّةُ الأَمَلِ في حَيَاتِنَا:

يَا عِبَادَ اللهِ: نَحْنُ بِإِذْنِ اللهِ تعالى نَعِيشُ حَيَاةَ الأَمَلِ، وَلَا نَعْرِفُ حَيَاةَ اليأسِ، نَحْنُ لَا نُكَابِرُ وَلَا نَقْفِزُ عَلَى الوَاقِعِ وَالوَقَائِعِ، وَلَكِنَّهَا عَقِيدَةٌ رَاسِخَةٌ نُؤْمِنُ بِهَا وَنَعْمَلُ في إِطَارِهَا، سَنَدُنَا في ذَلِكَ كِتَابُ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾. وَالقَائِلِ: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾.

فَاليَأْسُ وَالقُنُوطُ وَالتَّشَاؤُمُ حِيلَةُ العَاجِزِ الذي يُؤْثِرُ الانْسِحَابَ وَالعُزْلَةَ.

نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ البَلَاءَ يُحْتَمَلُ بِعِظَمِ الرَّجَاءِ، وَالفَرَجُ طَرِيقُهُ الثِّقَةُ بِاللهِ تعالى العَلِيِّ القَدِيرِ، لِذَلِكَ فَإِنَّ المُؤْمِنَ الحَقَّ لَا تُزَلْزِلُهُ المِحَنُ، وَلَا تَهُدُّهُ المَتَاعِبُ، بَلْ يَزِيدُهُ ذَلِكَ عَطَاءً وَبَذْلًا وَتَضْحِيَةً ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَشِيعُوا الأَمَلَ الصَّادِقَ في نُفُوسِ الأُمَّةِ، الأَمَلَ الذي يَدْعُو إلى الثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ، وَالعَضِّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ بِمَوْعِظَةٍ تُتْلَى، أَو خُطْبَةٍ تُلْقَى؛ وَلَكِنْ بِقُدْوَاتٍ صَالِحَةٍ قَوِيَّةٍ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، ذَاقَتْ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ، وَصَدَّقَتْ بِمَوْعُودِ اللهِ تعالى للمُؤْمِنِينَ.

هَكَذَا رَبَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ، رَبَّاهَا عَلَى الصَّبْرِ وَالمُصَابَرَةِ مَعَ الاسْتِقَامَةِ عَلَى أَمْرِ اللهِ تعالى، مَعَ اليَقِينِ بِأَنَّ وَعْدَ اللهِ تعالى لَا يُخْلَفُ، وَعَلَيْنَا أَنْ لَا نَسْتَعْجِلَ الأُمُورَ قَبْلَ أَوَانِهَا.

روى الإمام البخاري عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟

قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى تَقْوِيَةِ إِيمَانِنَا، لِأَنَّ العَبْدَ الذي يَعِيشُ بِلَا إِيمَانٍ رِيشَةٌ في مَهَبِّ الرِّيحِ، لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى حَالٍ، وَلَا يَسْكُنُ إلى قَرَارٍ، الذي يَعِيشُ بِلَا إِيمَانٍ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ نَفْسِهِ، وَلَا سِرَّ وُجُودِهِ، وَلَا الغَايَةَ مِنْ خَلْقِهِ، لَا يَدْرِي مَنْ وَهَبَهُ الحَيَاةَ، وَلِمَاذَا وَهَبَهُ الحَيَاةَ.

النَّفْسُ بِلَا إِيمَانٍ بِاللهِ تعالى وَبِقَدَرِهِ وَبِاليَوْمِ الآخِرِ نَفْسٌ مُضْطَرِبَةٌ، حَائِرَةٌ مُتَبَرِّمَةٌ مُتَشَائِمَةٌ مَهْمُومَةٌ مَحْزُونَةٌ مُعَقَّدَةٌ قَلِقَةٌ تَائِهَةٌ خَائِفَةٌ، أَمَّا المُؤْمِنُ الحَقُّ وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا فَإِنَّهُ رَاسِخٌ في الابْتِلَاءَاتِ وَالشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ رُسُوخَ الجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ مِنْ مُنْطَلَقِ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا﴾. فَمَا نَحْنُ فِيهِ لَنَا وَلَيْسَ عَلَيْنَا.

اللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ، وَزِدْ في إِيمَانِنَا حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُصِيبُنَا إِلَّا مَا كَتَبْتَهُ لَنَا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 2/ جمادى الآخرة /1442هـ، الموافق: 15/كانون الثاني / 2021م

 2021-01-15
 8556
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 170 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 170
10-05-2024 339 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 339
02-05-2024 579 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 579
26-04-2024 538 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 538
19-04-2024 834 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 834
12-04-2024 1555 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1555

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414949332
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :