747ـ خطبة الجمعة: احذروا الظلم

747ـ خطبة الجمعة: احذروا الظلم

747ـ خطبة الجمعة: احذروا الظلم

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُونُوا عَلَى يَقِينٍ أَنَّ للهِ تعالى حِكْمَةً بَالِغَةً فِيمَا يَصْطَفِي مِنْ خَلْقِهِ، يَصْطَفِي مِنَ المَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ، وَيَصْطَفِي مِنَ الأَزْمِنَةِ أَزْمَانًا، وَمِنَ الأَمْكِنَةِ أَمَاكِنَ.

لَقَدِ اصْطَفَى اللهُ تعالى مِنْ سَائِرِ مَخْلُوقَاتِهِ البَشَرَ، وَاصْطَفَى مِنَ البَشَرِ الأَنْبِيَاءَ، وَاصْطَفَى مِنَ الأَنْبِيَاءِ الرُّسُلَ، وَاصْطَفَى مِنَ الرُّسُلِ أُولِي العَزْمِ مِنْهُمْ، وَاصْطَفَى مِنْهُمْ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَاصْطَفَى مِنَ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ القُرْآنَ الكَرِيمَ، وَاصْطَفَانَا نَحْنُ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ لِنَكُونَ مِنْ أُمَّةِ سَيِّدِ الخَلْقِ، وَسَيِّدِ العَالَمِينَ، وَسَيِّدِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

كَمَا اصْطَفَانَا وَخَصَّنَا بِالقُرْآنِ العَظِيمِ ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا أَيُّهَا المُصْطَفَوْنَ الأَخْيَارُ: اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ تعالى اصْطَفَى مِنَ الأَشْهُرِ التي هِيَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا أَرْبَعَةً حُرُمًا، وَهِيَ ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَمُحَرَّمٌ، مُتَوَالِيَةٌ، وَرَجَبٌ الفَرْدُ بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾.

شَهْرُ رَجَبٍ الفَرْدُ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا أَيُّهَا المُصْطَفَوْنَ الأَخْيَارُ: يَا أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يَا أُمَّةَ القُرْآنِ العَظِيمِ الكَرِيمِ، هَا أَنْتُمْ تَسْتَقْبِلُونَ شَهْرَ رَجَبٍ الفَرْدَ، الذي هُوَ مِنَ الأَشْهُرِ الحُرُمِ، فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِ أَنْفُسَكُمْ، الْتَزِمُوا حُدُودَ اللهِ تعالى، وَأَقِيمُوا فَرَائِضَ اللهِ تعالى، وَاجْتَنِبُوا مَحَارِمَهُ، وَأَدُّوا الحُقُوقَ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ، وَفِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ العِبَادِ، تُنْصَرُوا وَتُرْزَقُوا وتُجْبَرُوا، كَمَا أَخْبَرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رواه ابن ماجه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا».

وَاعْلَمُوا أَنَّ الشَّيْطَانَ قَاعِدٌ لَكُمْ بِالمِرْصَادِ، وَقَدْ أَقْسَمَ لِحَضْرَةِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ لَيَأْتِيَنَّكُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيكُمْ وَمِنْ خَلْفِكُمْ وَعَنْ أَيْمَانِكُمْ وَعَنْ شَمَائِلِكُمْ، حَتَّى لَا تَكُونُوا شَاكِرِينَ للهِ تعالى، أَقْسَمَ للهِ تعالى بِعِزَّتِهِ لَيُغْوِيَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبَادَ اللهِ المُخْلَصِينَ، فَهُوَ حَرِيصٌ كُلَّ الحِرْصِ عَلَى غِوَايَتِكُمْ وَإِضْلَالِكُمْ وَصَدِّكُمْ عَنْ دِينِ اللهِ تعالى، يَأْمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ، يُحَبِّبُ إِلَيْكُمُ المَعَاصِيَ وَيُكَرِّهُ إِلَيْكُمُ الطَّاعَاتِ، فَهَلْ تَتَّخِذُونَهُ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾.

احْذَرُوا الظُّلْمَ في الأَشْهُرِ الحُرُمِ خَاصَّةً:

يَا عِبَادَ اللهِ: احْذَرُوا الظُّلْمَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ، وَخَاصَّةً في الأَشْهُرِ الحُرُمِ، لِأَنَّ الظُّلْمَ فِيهَا أَشَدُّ حُرْمَةً مِنْ غَيْرِهَا، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ تَبَارَكَ وتعالى لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾. وَعِنْدَمَا حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَيْنَا، فَقَالَ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّنَا مَسْؤُولٌ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمَامَ الذي لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، فَمَا نَحْنُ قَائِلُونَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَظْلِمَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى؟ هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَجْتَرِئَ العَبْدُ عَلَى ظُلْمِ الآخَرِينَ، وَاللهُ تعالى قَدْ حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: كَمْ في عَالَمِنَا مِمَّنْ ظُلِمَ في عِرْضِهِ، وَظُلِمَ في بَدَنِهِ، وَظُلِمَ في مَالِهِ.

لِمَاذَا هَذَا الظُّلْمُ، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ»؟ رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

الظُّلْمُ حَرَّمَهُ اللهُ تعالى عَلَيْنَا مِنْ أَجْلِ اسْتِقْرَارِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا التي فِيهَا مَعَاشُنَا، الظُّلْمُ حَرَامٌ في جَمِيعِ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ، الظُّلْمُ يَأْبَاهُ كُلُّ إِنْسَانٍ عِنْدَهُ ذَرَّةُ عَقْلٍ، فَكَيْفَ بِالمُؤْمِنِ الذي عَلِمَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؟

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 30/ جمادى الآخرة /1442هـ، الموافق: 12/شباط / 2021م

 2021-02-11
 5489
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 165 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 165
10-05-2024 331 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 331
02-05-2024 578 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 578
26-04-2024 537 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 537
19-04-2024 833 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 833
12-04-2024 1553 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1553

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414947891
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :