777ـ خطبة الجمعة: حطموا اليأس بسيف الأمل

777ـ خطبة الجمعة: حطموا اليأس بسيف الأمل

777ـ خطبة الجمعة: حطموا اليأس بسيف الأمل

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا الإِيمَانُ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ، بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا عِلْمُنَا بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾.

بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾.

بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.

بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا عِلْمُنَا عِلْمًا يَقِينِيًّا أَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ؛ هَكَذَا فَهِمْنَا مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

يَا عِبَادَ اللهِ: بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» رواه الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا، دَخَلْتَ النَّارَ» رواه الإمام أحمد عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَكَذَا فَهِمْنَا مِنْ حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

لِمَاذَا اليَأْسُ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا عَلِمْنَا هَذَا مِنْ كِتَابِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلِمَاذَا اليَأْسُ؟

أَمَا تَعْلَمُونَ يَا عِبَادَ اللهِ أَنَّ اليَأْسَ دَاءٌ قَاتِلٌ، وَإِذَا أَصَابَ قَلْبَ الأُمَّةِ أَرْدَاهَا كَأَنَّهَا صَرْيعَةٌ لَا حَيَاةَ فِيهَا؟

اليَأْسُ يُورِثُ في الأُمَّةِ مَوْتَ الرُّوحِ المَعْنَوِيَّةِ، وَنَحْنُ أُمَّةٌ بَسَطَتْ سُلْطَانَهَا علَى مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا بِالرُّوحِ المَعْنَوِيَّةِ التي مَا عَرَفَتِ اليَأْسَ.

اليَأْسُ أَوْقَعَ الأُمَّةَ في الفُتُورِ، وَالخُلُودِ إلى الكَسَلِ، وَالانْشِغَالِ بِالنَّفْسِ دُونَ الأُمَّةِ، لَقَدْ فَتَكَ اليَأْسُ في الأُمَّةِ حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَمُوتَ وَتَقْنَطَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَهَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ في الأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اليَأْسَ دَاءٌ عُضَالٌ للفَرْدِ وَللمُجْتَمَعِ، وَهُوَ أَشْبَهُ مَا يَكُونُ بِالسَّرَطَانِ، وَإِذَا أَصَابَ اليَأْسُ غَيْرَ المُؤْمِنِينَ فَلَا غَرَابَةَ في ذَلِكَ؛ أَمَّا أَنْ يُصِيبَ الإِنْسَانَ المُؤْمِنَ بِاللهِ وَبِقَدَرِهِ، وَالأُمَّةَ المُؤْمِنَةَ بِاللهِ وَبِقَدَرِهِ، فَهَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ.

كَيْفَ تَيْأَسُ يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُ وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ﴾؟

كَيْفَ تَيْأَسُ يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُ وَاللهُ تعالى يَقُولُ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

عَارٌ عَلَى الأُمَّةِ أَنْ تَيْأَسَ، وَهِيَ تَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.

وَقَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.

وَقَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾؟

عَارٌ عَلَى الأُمَّةِ أَنْ تَيْأَسَ وَهِيَ تَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.

حَطِّمُوا اليَأْسَ بِسَيْفِ الأَمَلِ، حَطِّمُوهُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾.

حَطِّمُوهُ بِقَوْلِهِ تعالى حِكَايَةً عَنْ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾.

حَطِّمُوهُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.

اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ وَإِلَيْكَ المُشْتَكَى، وَأَنْتَ المُسْتَعَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، نَسْتَعِينُكَ اللَّهُمَّ عَلَى فَسَادٍ هُوَ فِينَا، وَنَسْأَلُكَ صَلَاحَ أَمْرِنَا كُلِّهِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 19/ محرم /1443هـ، الموافق: 27/آب / 2021م

 2021-08-27
 4504
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 165 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 165
10-05-2024 331 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 331
02-05-2024 578 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 578
26-04-2024 537 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 537
19-04-2024 833 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 833
12-04-2024 1553 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1553

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414948189
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :