121ـ كلمات في مناسبات: لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب

121ـ كلمات في مناسبات: لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب

121ـ كلمات في مناسبات: لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَيْسَ أَرْوَحَ للمَرْءِ، وَلَا أَطْرَدَ لِهُمُومِهِ، وَلَا أَقَرَّ لِعَيْنِهِ مِنْ أَنْ يَعِيشَ سَلِيمَ القَلْبِ، مُبَرَّأً مِنْ وَسَاوِسِ الضَّغِينَةِ، وَثَوَرَانِ الأَحْقَادِ، إِذَا رَأَى نِعْمَةً تَنْسَاقُ لِأَحَدٍ رَضِيَ بِهَا، وَأَحَسَّ فَضْلَ اللهِ فِيهَا، وَفَقْرَ عِبَادِهِ إِلَيْهَا، وَإِذَا رَأَى أَذًى يَلْحَقُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللهِ رَثَا لَهُ، وَرَجَا اللهَ أَنْ يُفَرِّجَ كَرْبَهُ وَيَغْفِرَ ذَنْبَهُ، وَبِذَلِكَ يَحْيَا المُسْلِمُ نَاصِعَ الصَّفْحَةِ، رَاضِيًا عَنِ اللهِ وَعَنِ الحَيَاةِ، مُسْتَرِيحَ النَّفْسِ مِنْ نَزَعَاتِ الحِقْدِ الأَعْمَى، ذَلِكَ أَنَّ فَسَادَ القَلْبِ بِالضَّغَائِنِ دَاءٌ عُضَالٌ، وَمَا أَسْرَعَ أَنْ يَتَسَرَّبَ الإِيمَانُ مِنَ القَلْبِ المَغْشُوشِ، كَمَا يَتَسَرَّبُ السَّائِلُ مِنَ الإِنَاءِ المَثْلُومِ.

إِنَّ الشَّيْطَانَ رُبَّمَا عَجَزَ أَنْ يَجْعَلَ مِنَ الرَّجُلِ العَاقِلِ عَابِدَ صَنَمٍ، وَلَكِنَّهُ ـ وَهُوَ الحَرِيصُ عَلَى إِغْوَاءِ الإِنْسَانِ وَإِيرَادِهِ المَهَالِكَ لَنْ يَعْجِزَ عَنِ المُبَاعَدَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، حَتَّى يَجْهَلَ حُقُوقَهُ أَشَدَّ مِمَّا يَجْهَلُهَا الوَثَنِيُّ المُخَرِّفُ، وَهُوَ يَحْتَالُ لِذَلِكَ بِإِيقَادِ نَارِ العَدَاوَةِ في القُلُوبِ، فَإِذَا اشْتَعَلَتِ اسْتَمْتَعَ الشَّيْطَانُ بِرُؤْيَتِهَا وَهِيَ تُحْرِقُ حَاضِرَ النَّاسِ وَمُسْتَقْبَلَهُمْ، وَتَلْتَهِمُ عَلَائِقَهُمْ وَفَضَائِلَهُمْ، ذَلِكَ أَنَّ الشَرَّ إِذَا تَمَكَّنَ مِنَ الأَفْئِدَةِ (الحَاقِدَةِ) تَنَافَرَ وُدُّهَا وَارْتَدَّ النَّاسُ إلى حَالٍ مِنَ القَسْوَةِ وَالعِنَادِ، يَقْطَعُونَ فِيهَا مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، وَيُفْسِدُونَ في الأَرْضِ.

إِنَّ الحِقْدَ هُوَ المَصْدَرُ الدَّفِينُ لِكَثِيرٍ مِنَ الرَّذَائِلِ التي رَهَّبَ مِنْهَا الإِسْلَامُ، فَالافْتِرَاءُ عَلَى الأَبْرِيَاءِ جَرِيمَةٌ يَدْفَعُ إِلَيْهَا الكُرْهُ الشَّدِيدُ (الحِقْدُ)، وَقَدْ عَدَّهَا الإِسْلَامُ مِنْ أَقْبَحِ الزُّورِ، أَمَّا الغِيبَةُ فَهِيَ مُتَنَفَّسُ حِقْدٍ مَكْظُومٍ، وَصَدْرٍ فَقِيرٍ إلى الرَّحْمَةِ وَالصَّفَاءِ، وَمِنْ لَوَازِمِ الحِقْدِ سُوءُ الظَّنِّ وَتَتَبُّعُ العَوْرَاتِ، وَاللَّمْزُ، وَتَعْيِيرُ النَّاسِ بِعَاهَاتِهِمْ، أَو خَصَائِصِهِمُ البَدَنِيَّةِ أَو النَّفْسِيَّةِ، وَقَدْ كَرِهَ الإِسْلَامُ ذَلِكَ كُلَّهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً.

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

لَا يَحْمِلُ الْحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ   ***   وَلَا يَنَالُ الْعُلَا مَنْ طَبْعُهُ الْغَضَبُ

«لَا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الحُكَمَاءُ مِنَ النَّاسِ يَنْهَوْنَ أَنْ تُرْفَعَ لَهُمْ أَحَادِيثُ النَّاسِ لِتَسْلَمَ صُدُورُهُمْ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَدْنَى دَرَجَاتِ الأُخُوَّةِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ سَلَامَةُ الصَّدْرِ، فَلْنَتَّقِ اللهَ تعالى في الآخَرِينَ، وَلْنَحْذَرْ أَنْ نَكُونَ سَبَبًا في إِيغَارِ الصُّدُورِ بَيْنَهُمْ.

إِنَّ سَلَامَةَ الصَّدْرِ وَنَقَاءَهُ مِفْتَاحُ المُجْتَمَعِ المُتَمَاسِكِ، وَمِفْتَاحُ الأُسْرَةِ المُتَمَاسِكَةِ، لَا تَهُزُّهَا العَوَاصِفُ، وَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الفِتَنُ، وَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ الأُسْرَةِ إِذَا كَانَتْ تَسُودُهَا الدَّسَائِسُ وَالفِتَنُ، وَتَمْتَلِئُ قُلُوبُ أَفْرَادِهَا غِشًّا، وَحَسَدًا، وَأَمْرَاضًا؟

لَا يَحْمِلُ الْحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ   ***   وَلَا يَنَالُ الْعُلَا مَنْ طَبْعُهُ الْغَضَبُ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَلَامَةُ الصَّدْرِ نِعْمَةٌ رَبَّانِيَّةٌ، وَمِنْحَةٌ إِلَهِيَّةٌ، وَسَبَبٌ في قَبُولِ الأَعْمَالِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَعَكْسُ ذَلِكَ خَسَارَةٌ فَادِحَةٌ.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ، يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ، إِلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: اتْرُكُوا، أَوِ ارْكُوا (يَعْنِي: أَخِّرُوا) هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا».

لِنَنْظُرْ كَمْ يُضَيِّعُ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الخَيْرِ مَنْ يَحْمِلُ في قَلْبِهِ الأَحْقَادَ وَالضَّغَائِنَ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى لِي وَلَكُمْ سَلَامَةَ الصُّدُورِ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 25/ شعبان /1439هـ، الموافق: 8/ نيسان / 2018م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمات في مناسبات

09-04-2024 173 مشاهدة
142ـ كلمات في مناسبات: فجر عيد الفطر 1445 هـ

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: دَخَلْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ، دَخَلْنَا هَذَ المَوْسِمَ العَظِيمَ، حَيْثُ مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً، ... المزيد

 09-04-2024
 
 173
28-09-2023 728 مشاهدة
141ـ كلمات في مناسبات: عذرًا يا سيدي يا رسول الله

لقد كُنتَ حَرِيصَاً عَلَينَا أَشَدَّ الحِرْصِ، بِشَهَادَةِ مَولانَا عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وبِشَهَادَتِكُم عِندَمَا ... المزيد

 28-09-2023
 
 728
07-03-2023 724 مشاهدة
140ـ كلمات في مناسبات: إجابة الدعاء معلقة بالاستجابة لله تعالى

عِنْدَمَا تَنْزِلُ المِحَنُ، وَتَشْتَدُّ الخُطُوبُ، وَتَتَوَالَى الكُرُوبُ، وَتَعْظُمُ الرَّزَايَا، وَتَتَابَعُ الشَّدَائِدُ، لَنْ يَكُونَ أَمَامَ المُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يَلْجَأَ إلى اللهِ تعالى وَيَلُوذَ بِجَانِبِهِ، وَيَضْرَعَ إِلَيْهِ ... المزيد

 07-03-2023
 
 724
28-09-2022 662 مشاهدة
1- المحبة محبتان

مَعَ بِدَايَةِ شَهْر رَبِيعٍ الأَوَّلِ، أُهَنِّئُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَنْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى حَظَّهُ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، ... المزيد

 28-09-2022
 
 662
09-07-2022 561 مشاهدة
138ـ كلمات في مناسبات: درس فجر عيد الأضحى المبارك 1443 هـ شعيرة الأضحية

هَذَا اليَوْمُ هُوَ خِتَامُ الأَيَّامِ العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 09-07-2022
 
 561
08-07-2022 493 مشاهدة
137ـ كلمات في مناسبات: يوم عرفة يوم الغفران

يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمٌ أَكْمَلَ اللهُ تعالى فِيهِ الدِّينَ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الغُفْرَانِ، وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، ... المزيد

 08-07-2022
 
 493

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3163
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414669245
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :