891ـ خطبة الجمعة: قوم لن يغلبوا

891ـ خطبة الجمعة: قوم لن يغلبوا

891ـ خطبة الجمعة: قوم لن يغلبوا

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مَعْرَكَةَ الإِسْلَامِ مَعَ الكُفْرِ لَيْسَتْ وَلِيدَةَ اليَوْمِ، بَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ مُنْذُ أَنْ وُجِدَ الإِنْسَانُ، وَلَنْ يَخْلُوَ زَمَانٌ وَلَا مَكَانٌ مِنْ تِلْكَ المَعْرَكَةِ الضَّارِيَةِ، غَيْرَ أَنَّ النُّورَ الذي جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيُخْرِجَ بِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ، وَلِيُضِيءَ الدُّنْيَا ضِيَاءً لَنْ يَنْطَفِئَ أَبَدًا، بَلْ هُوَ بَاقٍ إلى آخِرِ الزَّمَانِ، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.

هَذَا النُّورُ الذي جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُهُ المُسْلِمُونَ في مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، شَاءَ مَنْ شَاءَ، وَأَبَى مَنْ أَبَى، يَحْمِلُهُ المُسْلِمُونَ للبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ، وَهُمْ عَلَى وَعْدٍ مِنْ رَبِّهِمُ الذي لَا يُخْلِفُ المِيعَادَ، وَبِهَذَا الوَعْدِ تُشَدُّ عَزَائِمُهُمْ، وَيَثْبُتُونَ عَلَى دِينِهِمْ، قَالَ تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

وَقَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

قَوْمٌ لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا اللهَ لَنْ يُغْلَبُوا:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ قَوْمًا لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا اللهَ تعالى، لَنْ يَغْلِبَهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ تعالى، وَإِنَّ قَوْمًا لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا الحَقَّ، لَنْ يَغْلِبَهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا البَاطِلَ، وَإِنَّ قَوْمًا لَا يَظْلِمُونَ لَنْ يَغْلِبَهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا الظُّلْمَ.

وَإِنَّ أَهْلَنَا في فِلَسْطِينَ لَنْ يُغْلَبُوا، لِأَنَّهُمْ عَرَفُوا اللهَ تعالى، وَعَرَفُوا الحَقَّ، وَلَمْ يَظْلِمُوا أَحَدًا، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ ظُلِمُوا مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ اللهَ تعالى، وَلَا يَعْرِفُ الحَقَّ، بَلْ عُرفَ بِالظُّلْمِ مُنْذُ القِدَمِ.

أَهْلُنَا في فِلَسْطِينَ لَنْ يَغْلِبَهُمْ قَتَلَةُ الأَنْبِيَاءِ، المُجْرِمُونَ الذينَ يَعِيثُونَ في الأَرْضِ فَسَادًا.

أَهْلُنَا في فِلَسْطِينَ يُدَافِعُونَ عَنْ دِينِهِمْ، وَعَنْ أَقْصَى المُسْلِمِينَ، وَيُدَافِعُونَ عَنْ أَرْضِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَمُقَدَّسَاتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلَنْ يُغْلَبُوا بِإِذْنِ اللهِ تعالى أَمَامَ الذينَ جَعَلَ اللهُ تعالى بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدًا، لَنْ يُغْلَبُوا أَمَامَ مَنْ لُعِنُوا عَلَى لِسَانِ أَنْبِيَائِهِمْ، قَالَ تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾. فَهُمُ المُعْتَدُونَ، وُهُمُ الظَّالِمُونَ، وَهُمُ المُجْرِمُونَ.

لَنْ يُغْلَبُوا أَمَامَ مَنْ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾. سَيُغْلَبُونُ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، طَالَ الزَّمَنُ أَمْ قَصُرَ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: كُونُوا عَلَى يَقِينٍ أَنَّ أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا مَاتَتْ، وَلَنْ تَمُوتَ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، بِمَوْعُودِ الصَّادِقِ الأَمِينِ الذي مَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

نَعَمْ، الأُمَّةُ نَامَتْ وَطَالَ نَوْمُهَا، وَمَرِضَتْ وَاشْتَدَّ مَرَضُهَا، وَلَكِنَّهَا وَبِإِذْنِ رَبِّهَا سَتَصْحُو مِنْ رُقَادِهَا وَسُبَاتِهَا، وَسَتَرْجِعُ إلى رُشْدِهَا عَاجِلًا أَوْ آجِلًا، لِتُرِيَ الشَّرْقَ وَالغَرْبَ، وَخَاصَّةً اليَهُودَ، العَجَبَ العُجَابَ.

اللَّهُمَّ أَرِنَا عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ في القَوْمِ الظَّالِمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 11/ جمادى الأولى /1445هـ، الموافق: 24/ تشرين الثاني / 2023م

 2023-11-23
 3663
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 165 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 165
10-05-2024 331 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 331
02-05-2024 578 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 578
26-04-2024 537 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 537
19-04-2024 833 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 833
12-04-2024 1553 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1553

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414948171
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :