50ـ أداء النذر والزكاة عنهما

50ـ أداء النذر والزكاة عنهما

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِن مَظَاهِرِ بِرِّ الوَالِدَيْنِ أَنْ يَقْضِيَ الوَلَدُ مَا كَانَ عَلَى وَالِدَيْهِ مِنْ نَذْرٍ ـ سَوَاءٌ كَانَ عِبَادَةً أَمْ مَالَاً ـ إِذَا مَاتَ وَلَمْ يَقْضِهِ.

روى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيَّ، اسْتَفْتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ؛ فَأَفْتَاهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا؛ فَكَانَتْ سُنَّةً بَعْدُ.

وفي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَاقْضِهِ عَنْهَا».

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ أَدَاءِ النَّذْرِ عَنْهُمَا، سَوَاءٌ كَانَ في عِبَادَةٍ بَدَنِيَّةٍ أَو مَالِيَّةٍ.

وروى الإمام البخاري أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَمَرَ امْرَأَةً، جَعَلَتْ أُمُّهَا عَلَى نَفْسِهَا صَلَاةً بِقُبَاءٍ ـ ثُمَّ مَاتَتْ ـ فَقَالَ: «صَلِّي عَنْهَا».

وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا الفُقَهَاءُ، وَذَلِكَ عَلَى اتِّجَاهَيْنِ:

الاتِّجَاهُ الأَوَّلُ يَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ مَنْذُورَةٌ، فَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَو غَيْرِهِ فِعْلُهَا عَنْهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الحَنَفِيَّةِ، وَالمَشْهُورُ عِنْدَ المَالِكِيَّةِ، وَالمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفي رِوَايَةٍ عِنْدَ الإِمَامِ أَحمد.

وَالاتِّجَاهُ الثَّانِي: يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ، أَنَّهُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ مَنْذُورَةٌ أَدَّاهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ المَالِكِيَّةِ، وَالمَشْهُورُ عِنْدَ الحَنَابِلَةِ، وَقَالُوا: يُسْتَحَبُّ لِوَلِيِّ المَيْتِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ مَا فَاتَهُ مِنْ صَلَاةٍ نَذْرَ أَدَّاهَا وَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى مَاتَ، وَذَلِكَ صِلَةً لَهُ وَإِبْرَاءً لِذِمَّتِهِ مِنْهَا.

أَدَاءُ الزَّكَاةِ عَنْهُمَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِنَ البِرِّ بِالوَالِدَيْنِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ عَنْهُمَا، إِذَا مَاتَا وَعَلَيْهِمَا زَكَاةٌ، وَلَمْ يُؤَدِّيَاهَا، لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ للفَقِيرِ يَجِبُ إِخْرَاجُهَا، لِأَنَّ في مَالِ المُسْلِمِ حَقَّاً لِغَيْرِهِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَالَ المُهَلَّبُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى ـ في مَعْرِضِ تَعْلِيقِهِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: اسْتَفْتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ؛ فَأَفْتَاهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا؛ فَكَانَتْ سُنَّةً بَعْدُ ـ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ بِالحِيلَةِ وَلَا بِالمَوْتِ، لِأَنَّ النَّذْرَ لَمَّا لَمْ يَسْقُطْ بِالمَوْتِ ـ وَالزَّكَاةُ أَوْكَدُ مِنْهُ ـ كَانَتْ لَازِمَةً، لَا تَسْقُطُ بِالمَوْتِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ لَمَّا أُلْزِمَ الوَلِيُّ بِقضَاءِ النَّذْرِ عَنْ أُمِّهِ: كَانَ قَضَاءُ الزَّكَاةِ التي فَرَضَهَا اللهُ أَشَدَّ لُزُومَاً. اهـ.

وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّذْرَ أَوْجَبَهُ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ، بَيْنَمَا الزَّكَاةُ أَوْجَبَهَا اللهُ تعالى عَلَى العَبْدِ، لِذَا كَانَتْ مُقَدَّمَةً.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا نِعْمَةَ بِرِّ الوَالِدَيْنِ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 23/ محرم /1441هـ، الموافق: 22/ أيلول / 2019م