السؤال :
أُرِيدُ السُّؤَالَ عَنْ حُكْمِ الجَمْعِيَّاتِ السَّكَنِيَّةِ، وَحَـضْرَتُكُمْ أَعْلَمُ بِهَا، وَلَا دَاعِي للشَّرْحِ كَثِيرًا، فَتَعْلَمُونَ طَبْعًا سَبَبَ الاشْتِرَاكِ بِهَا وَالتَّسْهِيلَاتِ الَّتِي تُقَدِّمُهَا لِلْمُشْتَرِكِينَ فِيهَا، وَلَا يَخْفَاكُمْ طَبْعًا أَنَّ جَمِيعَ الأَمْوَالِ الَّتِي تَأْخُذُهَا مِنَ الأَعْضَاءِ تُوضَعُ في البُنُوكِ الرِّبَوِيَّةِ، فَمَا حُكْمُ الاشْتِرَاكِ بِهَا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 458
 2007-08-16

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالشِّرَاءُ مِنَ الجَمْعِيَّاتِ السَّكَنِيَّةِ لَهُ صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ، مِنْهَا:

أَوَّلًا: أَنْ تَكُونَ الأَرْضُ الَّتِي يُشَيَّدُ عَلَيْهَا البِنَاءُ مَغْصُوبَةً، فَإِذَا كَانَتِ الأَرْضُ مَغْصُوبَةً فَإِنِّي أَرَى عَدَمَ جَوَازِ الشِّرَاءِ مِنْ هَذِهِ الجَمْعِيَّةِ، لِأَنَّهَا إِعَانَةٌ للظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ، إِلَّا إِذَا أَرْضَى المُشْتَرِي صَاحِبَ الأَرْضِ، فَإِذَا أَرْضَاهُ أَوِ اسْتَسْمَحَهُ فَلَا حَرَجَ عِنْدَهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.

ثَانِيًا: أَنْ تَكُونَ الأَرْضُ غَيْرَ مَغْصُوبَةٍ، وَتُشَيِّدُ عَلَيْهَا الجَمْعِيَّةُ بَعْضَ المَسَاكِنِ، وَيَتِمُّ بَيْعُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، نَقْدًا أَوْ تَأْجِيلًا، أَوْ تَقْسِيطًا، فَلَا حَرَجَ في هَذِهِ الصُّورَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.

ثَالِثًا: أَنْ تَكُونَ الأَرْضُ غَيْرَ مَغْصُوبَةٍ، وَلَكِنَّ الجَمْعِيَّةَ لَا تُشَيِّدُ عَلَيْهَا البِنَاءَ إِلَّا بَعْدَ البَيْعِ المُسْبَقِ، وَهَذَا أَجَازَهُ العُلَمَاءُ وَأَدْخَلُوهُ في عَقْدِ الاسْتِصْنَاعِ، فَلَا حَرَجَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.

رَابِعًا: أَنْ تَكُونَ الأَرْضُ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ لِلْمُشْتَرِي، هَذَا فَضْلًا عَنْ مَعْرِفَةِ البَيْتِ الَّذِي سَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِكِ مِنْ حَيْثُ المَسَاحَةُ وَالجِهَةُ وَالدَّوْرُ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ، فَهَذَا العَقْدُ لَا يَجُوزُ شَرْعًا، وَلَا يَدْخُلُ في عَقْدِ الاسْتِصْنَاعِ لِجَهَالَةِ المَكَانِ وَالمُوَاصَفَاتِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِذَا كَانَ شِرَاءُ البَيْتِ مِنَ الجَمْعِيَّةِ السَّكَنِيَّةِ في السُّؤَالِ المَعْرُوضِ مِنَ القِسْمِ الثَّالِثِ الَّذِي يَدْخُلُ في عَقْدِ الاسْتِصْنَاعِ فَلَا حَرَجَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مِنَ القِسْمِ الثَّانِي فَهُوَ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِإِيدَاعِ الجَمْعِيَّاتِ أَمْوَالَهَا في البُنُوكِ الرِّبَوِيَّةِ فَالإِثْمُ عَلَيْهَا لَا عَلَى المُشْتَرِكِ، وَإِذَا كَانَتْ تَأْخُذُ الرِّبَا لِنَفْسِهَا فَكَذَلِكَ الإِثْمُ عَلَيْهَا لَا عَلَى المُشْتَرِكِ.

أَمَّا إِذَا كَانَتِ الجَمْعِيَّاتُ تَأْخُذُ الرِّبَا عَلَى أَمْوَالِ المُشْتَرِكِينَ وَتَرُدُّ الفَوَائِدَ الرِّبَوِيَّةَ لِحِسَابِ المُشْتَرِكِينَ فَالجَمِيعُ آثِمٌ في هَذِهِ الحَالَةِ، وَيَحْرُمُ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِكَ في هَذِهِ الجَمْعِيَّاتِ وَيَشْتَرِيَ فِيهَا.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَأَنَا أَنْصَحُ المُشْتَرِيَ بِعَدَمِ الاشْتِرَاكِ في الجَمْعِيَّاتِ الَّتِي تُودِعُ أَمْوَالَهَا في البُنُوكِ الرِّبَوِيَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ تَأْخُذُ الرِّبَا لِحِسَابِهَا لَا لِـحِسَابِ المُشْتَرِي، لِأَنَّهَا بِأَخْذِهَا الرِّبَا صَارَتْ أَمْوَالُهَا كُلُّهَا فِيهَا شُبْهَةٌ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. هذا، والله تعالى أعلم.