طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد أَمَرَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى جِبرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ أن يَنفُخَ في جَيبِ دِرعِهَا، وهوَ رَقَبَةُ الثَّوبِ، ومَدخِلُ الرَّأسِ مِنهُ، وهذا مَعنَى قَولِ اللهِ تعالى: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا﴾.
وبَعدَ أن نَفَخَ سَيِّدُنَا جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ في جَيبِ دِرعِهَا، وَصَلَ النَّفخُ إلى الفَرجِ، وهذا مَعنَى قَولِهِ تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾.
فالنَّافِخُ هوَ سَيِّدُنَا جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ، بِدَلِيلِ قَولِهِ تعالى حِكَايَةً عن سَيِّدِنَا جِبرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيَّاً﴾. ومَعلُومٌ بأَنَّ سَيِّدَنَا جِبرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ لا يَفعَلُ أَمرَاً إلا بأَمرِ اللهِ تعالى.
وبناء على ذلك:
فلا تَعَارُضَ بَينَ الآيَتَينِ الكَرِيمَتَينِ، فالآيَةُ الأُولَى أَفَادَت بأنَّ النَّفخَ كَانَ في رَقَبَةِ الثَّوبِ، ونَزَلَ إلى الرَّحِمِ، وَسَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيهِ السَّلامُ كَمَا جَاءَ وَصْفُهُ في القُرآنِ العَظِيمِ بأَنَّهُ رُوحُ اللهِ، هوَ من بَابِ التَّشرِيفِ والتَّكرِيمِ لَهُ، وهذهِ الإضَافَةُ ـ إضَافَةُ كَلِمَةِ رُوحٍ إلى لَفظِ الجَلالَةِ ـ لَيسَت إضَافَةَ صِفَةٍ إلى المَوصُوفِ، وإِنَّمَا هِيَ إضَافَةُ المَخلُوقِ إلى خَالِقِهِ، كَوَصفِ الكَعبَةِ بأَنَّهَا بَيتُ اللهِ، ونَاقَةِ سَيِّدِنَا صَالِحٍ عَلَيهِ السَّلامُ بأَنَّهَا نَاقَةُ اللهِ عزَّ وجلَّ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |