طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالاسْتِمَاعُ إلى الأَغَانِي لا يَجُوزُ شَرْعَاً، لِأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ، مِنْهَا:
أولاً: لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾. قَالَ مُجَاهِدٌ: باللَّهْوِ والغِنَاءِ؛ وَقَالَ القُرْطُبِيُّ: في الآيَةِ مَا يَدُلُّ على تَحْرِيمِ المَزَامِيرِ والغِنَاءِ واللَّهْوِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾.
ثانياً: الاسْتِمَاعُ إلى الغِنَاءِ يَصُدُّ عَن ذِكْرِ اللهِ تعالى، فلا يَجْتَمِعُ كَلامُ الرَّحْمَنِ وَكَلامُ الشَّيْطَانِ في قَلْبٍ وَاحِدٍ، يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
حُبُّ الكِتَابِ وَحُبُّ أَلْحَانِ الغِنَاءِ *** في قَلْبِ عَبْدٍ لَيْسَ يَجْتَمِعَانِ
ثالثاً: يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: الغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ في القَلْبِ، كَمَا يُنْبِتُ المَاءُ البَقْلَ (الزَّرْعَ).
وَيَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: الغِنَاءُ يُفْسِدُ القَلْبَ، وَإِذَا فَسَدَ القَلْبُ هَاجَ في النِّفَاقِ.
وَيَقُولُ الضَّحَّاكُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: الغِنَاءُ مَفْسَدَةٌ للقَلْبِ، مَسْخَطَةٌ للرَّبِّ.
رابعاً: روى ابْنُ عَسَاكِر عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَن اسْتَمَعَ إلى قَيْنَةٍ (مُغَنِّيَةٍ) صُبَّ في أُذُنَيْهِ الآنُكُ (الرَّصَاصُ المُذَابُ) يَوْمَ القِيَامَةِ.
خامساً: روى الإمام البخاري عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، واللهِ مَا كَذَبَنِي، سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ (الفَرْجَ) وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ (جَبَلٍ) يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ (يَعْنِي الْفَقِيرَ) لِحَاجَةٍ، فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدَاً، فَيُبَيِّتُهُمُ اللهُ، وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وبناء على ذلك:
فَقَد ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى تَحْرِيمِ الاسْتِمَاعِ إلى الغِنَاءِ، وَقَد وَرَدَ في الحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفَاً بِأَنَّهُ يُصَبُّ في أُذُنَيِ المُسْتَمِعِ إلى الغِنَاءِ الرَّصَاصُ المُذَابُ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |