25ـ دروس رمضانية 1435هـ: (اجعل شهر رمضان حجة لك عند الله تعالى)

 

 25ـ دروس رمضانية 1435هـ: (اجعل شهر رمضان حجة لك عند الله تعالى)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: قَبلَ أربَعَةٍ وعِشرِينَ يَومَاً استَقبَلنَا شَهرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ، وها نَحنُ نُوَدِّعُ شَهرَ رَمَضَانَ، شَهرَ الرَّحمَةِ والمَغفِرَةِ والعِتقِ من النِّيرَانِ.

عَظُمَتْ نِعمَةُ اللهِ عزَّ وجلَّ عَلَينَا بأن بَلَّغَنَا أَوَّلَ شَهرِ رَمَضَانَ وأَوسَطَهُ، ونَسأَلُ اللهَ تعالى أن يُبَلِّغَنَا آخِرَهُ وقد أَعتَقَ رِقَابَنَا ورِقَابَ أُصُولِنَا وفُرُوعِنَا وأزوَاجِنَا من النَّارِ، والمُسلِمِينَ عَامَّةً.

أيُّها الإخوة الكرام: من عَرَفَ قَدْرَ شَهرِ رَمَضَانَ استَعَدَّ لِلِقَائِهِ وَسَأَلَ اللهَ تعالى أن يُبَلِّغَهُ إيَّاهُ، فإذا بَلَّغَهُ إيَّاهُ سَأَلَ اللهَ تعالى أن يَتَقَبَّلَهُ مِنهُ، وهكذا كَانَ أَصحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسأَلُونَ اللهَ تعالى سِتَّةَ أشهُرٍ أن يُبَلِّغَهُم شَهرَ رَمَضَانَ، فإذا ما بَلَّغُوهُ وصَامُوهُ وأَحيَوا لَيلَهُ حتَّى أَتَمُّوهُ، سَأَلُوا اللهَ تعالى سِتَّةَ أَشهُرٍ أن يَتَقَبَّلَهُ مِنهُم. كما أَخرَجَ الأَصبَهَانِيُّ عن مُعَلَّى بنِ الفَضْلِ قَالَ: كَانُوا يَدعُونَ اللهَ عزَّ وجلَّ سِتَّةَ أَشهُرٍ أن يُبَلِّغَهُم شَهرَ رَمَضَانَ، ويَدعُونَ اللهَ سِتَّةَ أَشهُرٍ أن يَتَقَبَّلَ مِنهُم.

أيُّها الإخوة الكرام: ها هوَ شَهرُ رَمَضَانَ وَلَّى وانصَرَمَ كَأَنَّهُ طَيفٌ عَابِرٌ مَرَّ، ولم نَشعُرْ فِيهِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وكَانَ فُرصَةً للتَّقَرُّبِ إلى اللهِ تعالى وللاصطلاحِ مَعَهُ، فالسَّعِيدُ من اغتَنَمَهُ، والشَّقِيُّ من ضَيَّعَهُ، ولكن من تَمَامِ رَحمَةِ اللهِ تعالى أَنَّهُ ما زَالَ المُنَادِي يُنَادِي: يا بَاغِيَ الخَيرِ أَقبِلْ وأَبشِرْ، ويا بَاغِيَ الشَّرِّ أقصِرْ وأَبصِرْ.

﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: يا من أَكرَمَكُمُ اللهُ تعالى بِبُلُوغِ شَهرِ رَمَضَانَ، وشَرَحَ صُدُورَكُم للصَّلاةِ والصِّيَامِ وتِلاوَةِ القُرآنِ وكَثْرَةِ الطَّاعَاتِ والصَّدَقَاتِ، سَلُوا اللهَ تعالى قَبُولَ الأَعمَالِ.

أيُّها الإخوة الكرام: يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾. وكَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ رَضِيَ اللهُ عنهُم يَنطَبِقُ عَلَيهِم قَولُ اللهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾.

وكَانَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ يُنَادِي في آَخِرِ لَيلَةٍ من شَهرِ رَمَضَانَ: يا لَيتَ شِعرِي مَن هذا المَقبُولُ فَنُهَنِّيهِ، و من هذا المَحرُومُ فَنُعَزِّيهِ.

أَشرَفَ رَمَضَانُ على الرَّحِيلِ:

أيُّها الإخوة الكرام: ها هوَ شَهرُ رَمَضَانَ أَشرَفَ على الرَّحِيلِ، ولم يَبقَ مِنهُ إلا أَيَّامٌ قَلِيلَةٌ، وبَعدَهَا تُطَوى صَحَائِفُ هذا الشَّهرِ بأعمَالِ العِبَادِ، وتُرفَعُ إلى بَارِئِهَا سُبحَانَهُ وتعالى، لِتَكُونَ حُجَةً للعَبدِ أو عَلَيهِ.

فمن أَسَاءَ لِرَمَضَانَ، وأَفسَدَ فِيهِ، وارتَكَبَ المَعَاصِي، وانتَهَكَ الحُرُمَاتِ، ولم يَتُبْ إلى اللهِ تعالى، فقد بَعُدَ من رَحمَةِ اللهِ تعالى، وكَانَ قَائِدَاً لَهُ إلى  نَارِ جَهَنَّمَ وبِئسَ المَصِيرُ.

روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ».

وروى الطَّبَرَانِيُّ عن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فإنَّ الشَّقِيَّ مَن حُرِمَ فِيهِ رَحمَةَ اللهِ عزَّ وجلَّ».

وأمَّا من أَحسَنَ لِرَمَضَانَ، وأحسَنَ استِقبَالَ رَمَضَانَ، وتَأَدَّبَ مَعَ هذا الضَّيفِ العَظِيمِ، فاجتَنَبَ المُحَرَّمَاتِ، ولَزِمَ الطَّاعَاتِ والقُرُبَاتِ، وحَرَصَ على حُضُورِ الجُمُعَةِ والجَمَاعَاتِ، وأَكثَرَ من الخَيرَاتِ والأَعمَالِ الصَّالِحَاتِ، واستَقَامَ قَلبُهُ ولِسَانُهُ، كَانَ شَهرُ رَمَضَانَ حُجَّةً لَهُ، وكَانَ قَائِدَاً لَهُ إلى جَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاواتُ والأرضُ، لِيَكُونَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً.

وكَانَ هذا العَبدُ فَرِحَاً بِلِقَاءِ اللهِ تعالى، كما كَانَ فَرِحَاً عِندَ فِطْرِهِ، روى الشيخان عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا، إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ».

اِجعَلْ شَهرَ رَمَضَانَ حُجَّةً لَكَ عِندَ اللهِ تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: جَدِيرٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ فِينَا أن يَجعَلَ شَهرَ رَمَضَانَ حُجَّةً لَهُ عِندَ اللهِ تعالى، وذلكَ بالتِزَامِ هذا الدِّينِ الحَنِيفِ في جَمِيعِ شُؤُونِهِ من أَقوَالٍ وأَفعَالٍ وأَحوَالٍ.

جَدِيرٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ فِينَا أن يَسمُوَ بِحُبِّهِ للهِ تعالى، وأن يُؤثِرَ طَاعَةَ اللهِ تعالى على طَاعَةِ كُلِّ مَحبُوبٍ سِوَاهُ، وأن يَتَحَقَّقَ بِقَولِهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبَّاً للهِ﴾.

جَدِيرٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ فِينَا أن يُتَرجِمَ هذا الحُبَّ في سَبِيلِ الوُصُولِ إلى مَرضَاةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وذلكَ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرَّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

ومن خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾.

ومن خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.

ومن خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

ومن خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَعَلَّ اللهَ أن يُكرِمَنَا بَعدَ ذلكَ بأن نَكُونَ مُندَرِجِينَ تَحتَ قَولِهِ تعالى في حَقِ أَهلِ الاستِقَامَةِ: ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾.

اللَّهُمَّ أكرِمنَا بذلكَ، وارضَ عَنَّا رِضَاءً لا سَخَطَ بَعدَهُ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 25/ رمضان/1435هـ، الموافق: 23/تموز / 2014م