27ـ دروس رمضانية 1435هـ: (علامات قبول الطاعات)

 

 27ـ دروس رمضانية 1435هـ: (علامات قبول الطاعات)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، ولِكُلِّ قَولٍ وفِعلٍ ونِيَّةٍ حِسَابٌ، وهذهِ الأَيَّامُ في الحَيَاةِ الدُّنيَا إلى فَنَاءٍ وزَوَالٍ، وعَوَاقِبُ النَّاسِ جَمِيعَاً إلى اللهِ تعالى المُبدِئِ المُعِيدِ، الذي كَانَت مِنهُ البِدَايَةُ وإِلَيهِ النِّهَايَةُ.

هذا شَهرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ يُوَدِّعُكُم، فاحمَدُوا اللهَ عزَّ وجلَّ الذي بَلَّغَكُم أَوَّلَهُ، وأشهَدَكُم آخِرَهُ، واحمَدُوا اللهَ تعالى الذي شَرَحَ صُدُورَكُم لِصِيَامِهِ وقِيَامِهِ، فَكَم مِمَّن استَقبَلَهُ ولم يُكمِلْ عِدَّتَهُ، وكم مِن مُشتَاقٍ لَهُ ولكنَّهُ ما أَدرَكَهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ مُرُورَ الأَيَّامِ وانقِضَاءَهَا يُذَكِّرُنَا بانقِضَاءِ الآجَالِ والأعمَالِ، ويُعْلِمُنَا بِقُربِ الوُرُودِ على اللهِ تعالى؛ فالعَاقِلُ هوَ من لا يَغتَرُّ بِسَلامَةِ دُنيَاهُ، ولا يَغتَرُّ بالعَافِيَةِ، ولا يَغتَرُّ إنْ أَصبَحَ آمِنَاً، ولا يَغتَرُّ إنْ كَانَ عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ وشَهرِهِ وسَنَتِهِ، ولا يَغتَرُّ بِشَبَابِهِ، ولا يَغتَرُّ بالنِّعَمِ التي أَسبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَيهِ، بل العَاقِلُ الذي شَحَذَ هِمَّتَهُ، وأَشبَعَ نَهمَتَهُ بالأعمَالِ الصَّالِحَاتِ، واستَغَلَّ الفُرَصَ التي وَهَبَهُ اللهُ تعالى إِيَّاهَا، وخَاصَّةً فُرصَةَ شَهرِ رَمَضَانَ، وبَكَى على خَطِيئَتِهِ وتَقصِيرِهِ في جَنْبِ اللهِ تعالى، ونَدِمَ على التَّفرِيطِ في حِفْظِ ما أَولاهُ اللهُ تعالى.

الاستِغفَارُ بَعدَ الطَّاعَاتِ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ عَلَينَا أن نَختِمَ جَمِيعَ طَاعَاتِنَا وأَعمَالَنَا الصَّالِحَةَ بالاستِغفَارِ، وذلكَ لِطَرْدِ الشُّعُورِ بالكِبَرِ والزُّهُوِّ والإعجَابِ بالأعمَالِ الصَّالِحَةِ، لأنَّ النُّفُوسَ الأَمَّارَةَ بالسُّوءِ من رُعُونَاتِهَا أن تَزهُوَ وتَتَعَالَى بالطَّاعَاتِ والقُرُبَاتِ، لذلكَ كَانَ أَربَابُ البَصَائِرِ والعَارِفُونَ باللهِ تعالى، وأَصحَابُ العَزَائِمِ، ومُجَاهِدُوا النُّفُوسِ أَشَدَّ ما يَكُونُونَ استِغفَارَاً بَعدَ القُرُبَاتِ، وذاكَ لِشُهُودِ التَّقصِيرِ في هذهِ العِبَادَاتِ، وتَرْكِ القِيَامِ بِهَا كما يَلِيقُ بِجَلالِ اللهِ تعالى، ولِتَذَوُّقِهِم: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: أَكثِرُوا من الاستِغفَارِ بَعدَ أَدَاءِ الطَّاعَاتِ، لَعَلَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يُكرِمَنَا بِمَقَامِ أَهلِ الإحسَانِ، الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِم: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.

عَلامَاتُ قَبُولِ الطَّاعَاتِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من رَحمَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ بِعِبَادِهِ أن أَخفَى عَلَيهِم قَبُولَ الطَّاعَاتِ أو رَدَّهَا، حتَّى يَبقَى أَهلُ الطَّاعَةِ مُندَرِجِينَ تَحتَ قَولِهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾. ولكن من تَمَامِ فَضْلِهِ ورَحمَتِهِ أنَّهُ جَعَلَ لِقَبُولِ الطَّاعَاتِ ورَدِّهَا عَلامَاتٍ ودَلائِلَ وأَمَارَاتٍ، فمن عَلامَاتِ قَبُولِ الطَّاعَاتِ فِعلُ الطَّاعَاتِ بَعدَهَا، ومن عَلامَاتِ رَدِّهَا فِعلُ السَّيِّئَاتِ بَعدَهَا، والعِيَاذُ باللهِ تعالى.

أيُّها الإخوة الكرام: لِيَنظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إلى نَفسِهِ بَعدَ انقِضَاءِ شَهرِ رَمَضَانَ، هل دَخَلَ في مَقَامِ المُتَّقِينَ، لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾؟

هل تَبقَى بَعدَ شَهرِ الطَّاعَةِ في مَقَامِ التَّقوَى، فَتَتَّقِيَ اللهَ في لِسَانِكَ ويَدِكَ وسَمْعِكَ وبَصَرِكَ وفُؤَادِكَ وجَوَارِحِكَ، أم سَتَرجِعُ إلى المَعَاصِي والمُنكَرَاتِ؟

أيُّها الإخوة الكرام: لِكُلِّ طَاعَةٍ مَقبُولَةٍ ثِمَارٌ، فمن وَجَدَ ثِمَارَهَا فَليَحمَدِ اللهَ تعالى وليَستَبشِرْ بالخَيرِ، وأَنَّها مَقبُولَةٌ عِندَ اللهِ تعالى، فمن عَلامَاتِ قَبُولِ الصِّيَامِ تَقوَى اللهِ تعالى بالجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ.

ومن عَلامَاتِ قَبُولِ الصَّلاةِ، تَرْكُ الفَحِشَاءِ والمُنكَرَاتِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾.

ومن عَلامَاتِ قَبُولِ تِلاوَةِ القُرآنِ العَظِيمِ وسَمَاعِهِ زِيَادَةُ الإيمَانِ، قال تعالى: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.

ومن عَلامَاتِ قَبُولِ ذِكْرِ اللهِ تعالى اطمِئنَانُ القَلبِ، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.

ومن عَلامَاتِ قَبُولِ الاستِقَامَةِ تَنَزُّلُ المَلائِكَةِ على قَلبِ المُستَقِيمِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: يا من شَرَحَ اللهُ صُدُورَكُم للصِّيَامِ والقِيَامِ، اِعلَمُوا بأنَّ الصِّيَامَ والقِيَامَ هُمَا شِعَارُ الأَتقِيَاءِ والصَّالِحِينَ والصِّدِّيقِينَ، اِسمَعُوا هذهِ البِشَارَةَ التي تُشَنِّفُ أَسمَاعَكُم.

روى ابنُ حِبَّانَ عن عَمرِو بنِ مُرَّةَ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ إنْ شَهِدتُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ، وأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وصَلَّيتُ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ، وأَدَّيتُ الزَّكَاةَ، وصُمتُ رَمَضَانَ وقُمتُهُ، فَمِمَّن أَنَا؟

قَالَ: «من الصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ».

أيُّها الإخوة الكرام: الصِّدِّيقُونَ والشُّهَدَاءُ هُم أَصحَابُ القُلُوبِ السَّلِيمَةِ نَحوَ عِبَادِ اللهِ عزَّ وجلَّ، قُلُوبُهُم قُلُوبُ أَهلِ الجَنَّةِ ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: من كَانَت بَينَهُ وبَينَ أَخِيهِ عَدَاوَةٌ وشَحنَاءُ، وخُصُومَةٌ وبَغضَاءُ، فَليَضَعْ يَدَهُ في يَدِهِ، وليَغسِلْ ما في قَلبِهِ من عَدَاوَةٍ وشَحنَاءَ وبَغضَاءَ، وذلكَ خَشيَةَ أن تُغلَقَ الأَبوَابُ أَمَامَ أَعمَالِنَا الصَّالِحَاتِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً، إِلَّا رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا».

اللَّهُمَّ نَقِّ قُلُوبَنَا من الغِلِّ والشَّحنَاءِ والبَغضَاءِ، واجعَلْهَا قُلُوبِ الصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 27/ رمضان/1435هـ، الموافق: 25/تموز / 2014م