405ـ خطبة الجمعة: هل صمَّت أذناك أيها الظالم؟

 

405ـ خطبة الجمعة: هل صمَّت أذناك أيها الظالم؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيَا عِبَادَ اللهِ، لمَّا كَانَ الظُّلمُ والعُدوَانُ مُنَافِيَينِ للعَدْلِ والحَقِّ الذي اتَّصَفَ بِهِمَا المَلِكُ الدَّيَّانُ، ومُنَافِيَينِ للمِيزَانِ الذي قَامَت بِهِ السَّمَاوَاتُ والأرضُ، كَانَ الظُّلمُ والعُدوَانُ عِندَ اللهِ تعالى من أَكبَرِ الكَبَائِرِ، ومن أَعظَمِ المُوبِقَاتِ، وكَانَت دَرَجَتُهُ في الجُرمِ والإثمِ بِحَسَبِ مَفسَدَتِهِ في الأَفرَادِ والأُمَّةِ.

يَا عِبَادَ اللهِ، العَجِيبُ في هذا الإنسَانِ الضَّعِيفِ المَسؤُولِ يَومَ القِيَامَةِ عن أَقوَالِهِ وأَفعَالِهِ أَمَامَ اللهِ تعالى أن يَجتَرِئَ على ظُلمِ العِبَادِ، وَرَبُّنَا عزَّ وجلَّ يَقُولُ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَن اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلَا تَظَالَمـُوا».

يَا عِبَادَ اللهِ، إنَّ من أَشنَعِ الظُّلمِ وأَبشَعِهِ جُرْمَاً أن يَظلِمَ الإنسَانُ العَبدَ الضَّعِيفَ الفَقِيرَ المِسكِينَ الذي لا يَجِدُ نَاصِرَاً لَهُ إلا اللهَ تعالى، روى الطَّبَرَانِيُّ في الصَّغِيرِ والأَوسَطِ عَن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللهُ: اِشتَدَّ غَضَبِي عَلَى مَن ظَلَمَ مَن لا يَجِدُ لَهُ نَاصِرَاً غَيرِي».

دَعْوَةٌ من اللهِ تعالى للمَظلُومِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، يَا مَن وَقَعَ عَلَيكُمُ الظُّلمُ، بِأَيِّ صُورَةٍ من صُوَرِهِ، رَبُّكُمُ الرَّحِيمُ الحَنَّانُ المَنَّانُ يَدعُوكُم لِدُعَائِهِ، فَيَقُولُ: ﴿ادْعُونِي أَستَجِبْ لَكُم﴾. هذا أولاً

وحَذَّرَكُم من أن يَلعَبَ بِكُم شَيَاطِينُ الإنسِ والجِنِّ بِأَنَّهُ لن يَستَجِيبَ لَكُم، جَاءَ فِي الأَثَرِ أَنَّ المَولَى سُبحَانَهُ يُعاتِبُ خَلْقَهُ فَيَقُولُ : ﴿مَنْ ذَا الَّذي سَأَلَنِي فَلَمْ أُعْطِهِ؟ مَنْ ذَا الَّذي استَغفَرَنِي فَلَمْ أَغْفِرْ لَهُ وَأَنَا الغَفُورُ الرَّحِيِمُ؟﴾

 وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ». هَذَا ثَانِيَاً.

يَا أَيُهَا الَمظلُوُمُ دُعَاؤُكَ مُستَجَابٌ عِندَ اللهِ عَلى التَّحقِيقِ: روى الإمام البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذاً إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «اتَّقِ دَعْوَةَ الـْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ».

وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ، الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْـمَظْلُومِ، يَرْفَعُهَا اللهُ فَوْقَ الْغَمَامِ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ».

وروى الحاكم عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اِتَّقُوا دَعَوَاتِ المَظلُومِ، فَإِنَّهَا تَصعَدُ إلى السَّمَاءِ كَأَنَّهَا شَرَارٌ». هَذَا ثَالِثاً.

أَلَم تَرَ أَيُّهَا المَظلُومُ؟

يَا عِبَادَ اللهِ، رَبُّنَا عزَّ وجلَّ يَدعُو كُلَّ مَظلُومٍ ومَقهُورٍ ومَغلُوبٍ بِغَيرِ حَقٍّ إلى رُؤيَةِ عَاقِبَةِ كُلِّ ظَالِمٍ مَهمَا كَانَ من خِلالِ القُرآنِ العَظِيمِ، فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُجْرِمِينَ﴾ والظَالمُ مُجرِمٌ.

ويَقُولُ تَبَارَكَ وتعالى لِكُلِّ مَظلُومٍ ومَقهُورٍ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾.

ويَقُولُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾.

قُولُوا لِكُلِّ ظَالِمٍ:

يَا عِبَادَ اللهِ، قُولُوا لِكُلِّ ظَالِمٍ، وليَسمَعْ كُلُّ ظَالِمٍ: هَل صُمَّتْ أُذُنَاكَ فَلَم تَسمَعْ قَولَ اللهِ تعالى: ﴿فَكُلَّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون﴾؟

هَل صُمَّتْ أُذُنَاكَ فَلَم تَسمَعْ قَولَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾؟

هَل صُمَّتْ أُذُنَاكَ فَلَم تَسمَعْ قَولَ اللهِ تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً﴾؟

هَل صُمَّتْ أُذُنَاكَ فَلَم تَسمَعْ قَولَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْـمَوْتِ وَالْـمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾؟

هَل صُمَّتْ أُذُنَاكَ فَلَم تَسمَعْ قَولَ اللهِ تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾؟

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، يَا أَصحَابَ القُلُوبِ المُنكَسِرَةِ، اِصبِرُوا وصَابِرُوا واحتَسِبُوا، فَإِنَّ رَبَّنَا عزَّ وجلَّ بالمِرصَادِ لِكُلِّ ظَالِمٍ ولِكُلِّ طَاغٍ ولِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ.

يَا أَصحَابَ القُلُوبِ المُنكَسِرَةِ، سَلُوا النَّاسَ، وسَلُوا التَّارِيخَ، وسَلُوا من تَقَدَّمَ بِهِمُ العُمُرُ، أَينَ آثَارُ الظَّالِمِينَ؟

فإن لَم تَجِدُوا عِندَهُمُ جَوَابَاً شَافِيَاً، فَأَنَا أُعطِيكُمُ الجَوَابَ الشَّافِي من كَلامِ رَبِّنَا عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ، الظَّالِمُونَ المُجرِمُونَ في الأَرضِ أَزَّهُم ظُلمُهُم إلى الإجرَامِ أَزَّاً، ولَبِسُوا ثِيَابَ العُجْبِ والخُيَلاءِ لِيَكُونَ لَهُم عِزَّاً، ولم يَعتَبِرُوا بِمَن سَبَقَهُم من الظَّالِمِينَ مِمَّن أَهلَكَهُمُ اللهُ تعالى قَبلَهُم من قَرنٍ، هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً؟

يَا عِبَادَ اللهِ، لِيَسمَعِ الظَّلَمَةُ قَولَ اللهِ تعالى: ﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾.

فَيَا أَيُّهَا العَبدُ المَظلُومُ، اُدْعُ اللهَ تعالى أن يُصلِحَ كُلَّ ظَالِمٍ، لأنَّ هذا من خُلُقِ الإنسَانِ المُسلِمِ، ثمَّ قُلْ بَعدَ ذلكَ: يَا رَبِّ، وإن كُنتَ تَعلَمُ أنَّهُ لا حَظَّ لَهُ في التَّوبَةِ والإنَابَةِ والرُّجُوعِ، فَخُذْهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقتَدِرٍ، عَاجِلاً غَيرَ آجِلٍ، وأَرِنَا فِيهِ عَجَائِبَ قُدرَتِكَ، بَعدَ أن أَرَيتَنَا فِيهِ حِلْمَكَ يَا رَبَّ العَالَمَينَ. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 16/ذو الحجة/1435هـ، الموافق: 10/تشرين الأول/ 2014م