396ـ خطبة الجمعة: لا تصدق كل دَعِيٍّ

 

 396ـ خطبة الجمعة: لا تصدق كل دَعِيٍّ

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيَا عِبَادَ اللهِ، لا عُذْرَ لِمُسلِمٍ مَهمَا كَانَ، أن يُؤذِيَ مُسلِمَاً بِغَيرِ حَقٍّ، كما قَرَّرَ دِينُنَا الحَنِيفُ وشَرعُنَا القَوِيمُ، فلا عُذْرَ لِمُسلِمٍ أن يُرَوِّعَ مُسلِمَاً، فَضْلاً عن أن يَسْلِبَ مَالَهُ، أو يَسْفِكَ دَمَهُ.

لقد حَرَّمَ الإسلامُ إيذَاءَ النَّاسِ بِغَيرِ حَقٍّ في دِمَائِهِم وأَعرَاضِهِم وأَموَالِهِم وأَنفُسِهِم، كما حَرَّمَ إيذَاءَ النَّاسِ بِتَرِويعِهِم بالسِّلاحِ وغَيرِهِ، يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إلى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِن النَّارِ» رواه الشيخان عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

لقد حَرَّمَ الإسلامُ إيذَاءَ النَّاسِ بِغَيرِ حَقٍّ بِأَيِّ صُورَةٍ من صُوَرِ الإيذَاءِ المَادِّيِّ والمَعنَوِيِّ، كالقَتْلِ، والجَرْحِ، والسَّرِقَةِ، والنَّهْبِ، والإتلافِ، وقَذْفِ الأعرَاضِ، والوِشَايَةِ، وإِشَاعَةِ الفِتنَةِ، وإِسَاءَةِ الظَّنِّ.

يَا عِبَادَ اللهِ، يَجِبُ على المُسلِمِ أن يُسَخِّرَ جَمِيعَ حَوَاسِّهِ في عَمَلِ الخَيرِ، وخَاصَّةً جَارِحَةَ اللِّسَانِ، حتَّى لا تَشهَدَ عَلَيهِ يَومَ القِيَامَةِ بما اقتَرَفَ من آثَامٍ وأَذِيَّةٍ للنَّاسِ، لِقَولِهِ تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. ولِقَولِهِ تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.

الشَّائِعَاتُ من أَخطَرِ الحُرُوبِ المَعنَوِيَّةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، إنَّ الشَّائِعَاتِ في العَصْرِ الحَدِيثِ من أَخطَرِ الحُرُوبِ المَعنَوِيَّةِ، وهيَ أَشَدُّ الأسلِحَةِ تَدمِيرَاً، وأَعظَمُهَا وَقْعَاً وتَأثِيرَاً على نُفُوسِ النَّاسِ، وهيَ المِعوَلُ الهَدَّامُ لِمَعنَوِيَّاتِ النَّاسِ، لذلكَ حَذَّرَ الإسلامُ من تَروِيجِ الشَّائِعَاتِ التي تُؤَثِّرُ تَأثِيرَاً سَلْبِيَّاً في نُفُوسِ النَّاسِ، وحَثَّ على التَّثَبُّتِ والتَّبَيُّنِ في نَقْلِ الأَخبَارِ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾. وأَخبَرَ تَبَارَكَ وتعالى أنَّ الإنسَانَ مَسؤُولٌ ومُحَاسَبٌ على كُلِّ كَلِمَةٍ يَقُولُهَا، قال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾.

لا تُصَدِّقْ كُلَّ دَعِيٍّ:

يَا عِبَادَ اللهِ، لقد حَذَّرَنَا الإسلامُ من أن نُطلِقَ العِنَانَ لألسِنَتِنَا، وأن نَنسَاقَ خَلفَ كُلِّ نَاعِقٍ، وأن نُصَدِّقَ كُلَّ دَعِيٍّ، لما رواه الإمام مسلم عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ». وفي رِوَايَةِ الحاكم وأبي داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».

يَا عِبَادَ اللهِ، لقد سَدَّ الإسلامُ البَابَ أَمَامَ أَصحَابِ الشَّائِعَاتِ المُغرِضِينَ والمُتَرَبِّصِينَ، ومَنَعَ من تَروِيجِ الشَّائِعَاتِ التي تُؤَثِّرُ تَأثِيرَاً سَلْبِيَّاً في نُفُوسِ المُسلِمِينَ، وحَذَّرَ أَتبَاعَهُ من التَّبرِيرِ بِقَولِهِم: هكذا قَالُوا؛ وهكذا سَمِعنَا؛ وذلكَ بِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا» رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

«أَمسِكْ عَلَيكَ لِسَانَكَ»:

يَا عِبَادَ اللهِ، إنَّ الشَّائِعَاتِ آفَةٌ خَطِيرَةٌ تُزَعزِعُ النُّفُوسَ، وتَنشُرُ القَلَقَ والاضطِرَابَ، ورُبَّمَا أن تُؤَدِّي إلى إزهَاقِ أروَاحِ المَرضَى والشُّيُوخِ الكِبَارِ، أو أن تُسَبِّبَ أمرَاضَاً مُزمِنَةً في نُفُوسِ النَّاسِ.

يَا عِبَادَ اللهِ، أَقُولُ لِنَفسِي ولِكُلِّ وَاحِدٍ فِينَا حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الترمذي عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا النَّجَاةُ؟

قَالَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ».

وحَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ».

وحَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، ما وَقَعَ في الأُمَّةِ من أَذَىً يَكفِيهَا، فقد أُوذِيَتِ الأُمَّةُ في دِمَائِهَا وأَموَالِهَا وأَعرَاضِهَا، فلا تَزِيدُوا الإيذَاءَ إيذَاءً بِنَقْلِ الشَّائِعَاتِ، لا تُحَدِّثُوا بِكُلِّ ما تَسمَعُونَ مِمَّا يَضِيقُ لَهُ الصَّدْرُ، ويُحزِنُ القَلبَ؛ وإذا رَأَيتُمُ الرَّجُلَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ شَائِعَةٍ وبِكُلِّ خَبَرٍ فاعلَمُوا أنَّهُ كَذُوبٌ، وفَتَّانٌ، ودَجَّالٌ، بِشَهَادَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».

اللَّهُمَ أَصلِحْ لَنَا دِينَنَا الذي هوَ عِصمَةُ أَمرِنَا، وأَصلِحْ لَنَا دُنيَانَا التي فِيهَا مَعَاشُنَا، وأَصلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التي إِلَيهَا مَعَادُنَا، وَوَفِّقنَا لِكَفِّ الأَذَى عن النَّاسِ. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 19/شوال /1435هـ، الموافق: 15/آب / 2014م