17ـمع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: تربوا على الإيمان بالله ورسوله صَلَّى الله علي وسلم

 

 مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

17ـ تربوا على الإيمان بالله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد تَرَبَّى آلُ بَيتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ على خُلُقِ الصَّبْرِ والمُصَابَرَةِ، وتَحَمُّلِ الابْتِلاءَاتِ، وذلكَ من خِلالِ الإِيمَانِ الجَازِمِ الذي خَالَطَ بَشَاشَةَ قُلُوبِهِم، فَكَانَ أَرْسَى من الجِبَالِ، فَمَا طَاشَتْ عُقُولُهُم في الشَّدَائِدِ والأَزَمَاتِ، بِبَرَكَةِ الإِيمَانِ الرَّاسِخِ في قُلُوبِهِم، واليَقِينِ الجَازِمِ الذي لا يَتَزَعْزَعُ.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ آلُ البَيتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم يَرَونَ مَتَاعِبَ الحَيَاةِ الدُّنيَا مَهمَا كَثُرَتْ، ومَهمَا عَظُمَتْ وتَفَاقَمَتْ واشْتَدَّتْ، كَطَحَالِبَ عَائِمَةٍ فَوقَ سَيْلٍ جَارِفٍ، جَاءَ لِيَكْسِرَ السُّدُودَ المَنِيعَةَ، والقِلاعَ الحَصِينَةَ، كَانُوا رَضِيَ اللهُ عَنهُم لا يُبَالُونَ بِشَيْءٍ من مَتَاعِبِ الحَيَاةِ الدُّنيَا، أَمَامَ مَا يَجِدُونَ من حَلاوَةِ الإِيمَانِ الذي بَاشَرَ شِغَافَ قُلُوبِهِم.

أَثَرُ الإِيمَانِ في بِنَاءِ الإِنسَانِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد بَعَثَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسُولاً، فَهَدَى بِهِ من الضَّلالَةِ، وعَلَّمَ بِهِ من الجَهَالَةِ، وكَثَّرَ بِهِ بَعدَ القِلَّةِ، وأَعْزَّ بِهِ بَعدَ الذِّلَّةِ، وذلكَ بِبَرَكَةِ الإِيمَانِ الصَّادِقِ، فَأَضْحَى آلُ البَيتِ الأَطْهَارُ، والصَّحَابَةُ الأَبْرَارُ، خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ، قَادُوا الأُمَمَ إلى العَلْيَاءِ، وبَعَثُوا في النُّفُوسِ العِزَّةَ والهِمَمَ، وبِبَرَكَةِ الإِيمَانِ نَالُوا شَرَفَ العُبُودِيَّةِ للهِ عزَّ وجلَّ، وذَلَّلُوا بِإِيمَانِهِم كُلَّ الصِّعَابِ.

أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ الإِيمَانَ باللهِ تعالى وباليَومِ الآخِرِ، والإِيمَانَ بالقَضَاءِ والقَدَرِ مَصْدَرُهُ القُوَّةُ والإِبَاءُ، وهوَ بِحَقٍّ يَصْنَعُ الأَعَاجِيبَ، كُلُّنَا يَذْكُرُ قَولَ اللهِ تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا باللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾. لقد ثَبَتُوا على دِينِهِم، وأَنْسَتْهُم حَلاوَةُ الإِيمَانِ مَا يَجِدُونَ من أَلَمِ النَّارِ.

أيُّها الإخوة الكرام: كُلُّنَا يَذْكُرُ قَولَ اللهِ تعالى الذي يُذَكِّرُنَا بِسَحَرَةِ فِرعَونَ، قَالَ تعالى: ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

وقَالَ تعالى عَن تَهْدِيدِ فِرعَونَ للسَّحَرَةِ في سُورَةِ طَهَ: ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابَاً وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ واللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: ما الذي غَيَّرَ شَخْصِيَّةَ هؤلاءِ؟ وما الذي قَلَبَ المَوَازِينَ عِنْدَهُم؟ وما الذي حَوَّلَ أَفْكَارَهُم وقُلُوبَهُم؟ لقد كَانَتْ هِمَمُهُم مَشْدُودَةً إلى المَالِ ﴿أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرَاً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾. لقد كَانَتْ آمَالُهُم مُرْتَبِطَةً بِفِرعَونَ حِينَ قَالُوا: ﴿بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾.

الذي غَيَّرَ هؤلاءِ هوَ إِيمَانُهُم باللهِ تعالى، إِيمَانُهُم بِسَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ، قَبلَ الإِيمَانِ كَانَ مَنْطِقُهُمُ المَالَ والجَاهَ، فلَمَّا ذَاقُوا حَلاوَةَ الإِيمَانِ تَحَوَّلَتْ شَخْصِيَّاتُهُم، وتَغَيَّرَتْ أَقْوَالُهُم، وقَالُوا جَوَابَاً للتَّهْدِيدِ والوَعِيدِ من فِرعَونَ: ﴿قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾. كَانَ جَوَابُهُم للتَّهْدِيدِ والوَعِيدِ من فِرعَونَ: ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ واللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: الإِيمَانُ باللهِ تعالى يُحَوِّلُ الإِنسَانَ تَحْوِيلاً كُلِّيَّاً، بِحَيثُ تَهُونُ عَلَيهِ مَصَائِبُ الحَيَاةِ الدُّنيَا، وهكذا كَانَ آلُ بَيتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَفِي بَرَكَةِ الإِيمَانَ كَانُوا مَضْرِبَ المَثَلِ لِمَن أَرَادَ الصَّبْرَ والمُصَابَرَةَ أَيَّامَ الشَّدَائِدِ والمِحَنِ.

المَثَلُ الأَعلَى والقُدْوَةُ الصَّالِحَةُ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ آلُ بَيتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَرَونَ الهُمُومَ والمَتَاعِبَ والشَّدَائِدَ والمِحَنَ التي تُصِيبُهُم في حَيَاتِهِمُ الدُّنيَا كَطَحَالِبَ فَوقَ سَيْلٍ جَارِفٍ، جَاءَ لِيَكْسِرَ السُّدُودَ المَنِيعَةَ، والقِلاعَ الحَصِينَةَ، وذلكَ من خِلالِ تَأَسِّيهِم بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، الذي كَانَ قُدْوَةً هَوَتْ إِلَيهِ الأفْئِدَةُ لِمَا يَتَمَتَّعُ بِهِ من جَمَالِ الخَلْقِ والخُلُقِ، ومن كَمَالِ النَّفْسِ، ومَكَارِمِ الأَخْلاقِ، والشِيَمِ النَّبِيلَةِ، والشَّمَائِلِ الكَرِيمَةِ، ولِمَا يَتَمَتَّعُ بِهِ من العِفَّةِ والأَمَانَةِ والصِّدْقِ، ومن جَمِيعِ سُبُلِ الخَيْرِ، وهذا الأَمْرُ لَم يَشُكَّ فِيهِ أَعْدَاؤُهُ، فَضْلاً عَن أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ أَعْدَاءُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَعْرِفُونَ صِدْقَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وكَمَالَ شَخْصِيَّتِهِ، وأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ هوَ الحَقُّ، كَمَا يَعْرِفُ اليَومَ أَعْدَاءُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ هذا، ولكنَّ الحِقْدَ والاسْتِكْبَارَ هوَ الذي مَنَعَ الفِرِيقَينِ من الإِيمَانِ والاقْتِدَاءِ.

جَاءَ في الرَّوضِ الأُنُفِ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ حُدِّثَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَالْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيَّ، حَلِيفَ بَنِي زُهْرَةَ خَرَجُوا لَيْلَةً لِيَسْتَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي مِن اللَّيْلِ فِي بَيْتِهِ، فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسَاً يَسْتَمِعُ فِيهِ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا.

فَجَمَعَهُمُ الطَّرِيقُ فَتَلَاوَمُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: لَا تَعُودُوا، فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوْقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئَاً، ثُمَّ انْصَرَفُوا.

حَتَّى إذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ عَادَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إلَى مَجْلِسِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا.

فَجَمَعَهُمُ الطَّرِيقُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ مِثْلَ مَا قَالُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ انْصَرَفُوا.

حَتَّى إذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ أَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسَهُ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا.

فَجَمَعَهُمُ الطّرِيقُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: لَا نَبْرَحُ حَتَّى نَتَعَاهَدَ أَلَّا نَعُودَ؛ فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ تَفَرَّقُوا.

فَلَمَّا أَصْبَحَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ أَخَذَ عَصَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ فِي بَيْتِهِ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي يَا أَبَا حَنْظَلَةَ عَنْ رَأْيِك فِيمَا سَمِعْت مِنْ مُحَمَّدٍ؟

فَقَالَ: يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ، واللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ أَشْيَاءَ أَعْرِفُهَا وَأَعْرِفُ مَا يُرَادُ بِهَا، وَسَمِعْتُ أَشْيَاءَ مَا عَرَفْتُ مَعْنَاهَا ولا مَا يُرَادُ بِهَا.

قَالَ الْأَخْنَسُ: وَأَنَا الَّذِي حَلَفْتُ بِهِ كَذَلِكَ.

قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى أَتَى أَبَا جَهْلٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَكَمِ، مَا رَأْيُك فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ؟

فَقَالَ: مَاذَا سَمِعْتُ، تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الشَّرَفَ أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا، وَحَمَلُوا فَحَمَلْنَا، وَأَعْطَوْا فَأَعْطَيْنَا، حَتّى إذَا تَحَاذَيْنَا عَلَى الرُّكْبِ وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ ـ يَعنِي: يَتَسَابَقَانِ إلى غَايَةٍ ـ قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِن السَّمَاءِ، فَمَتَى نُدْرِكُ مِثْلَ هَذِهِ واللهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ أَبَدَاً.

وفي رِوَايَةٍ، قَالَ لَهُ: يَا أَبَا الحَكَمِ، أَخْبِرْنِي عَن مُحَمَّدٍ، أَصَادِقٌ هوَ أم كَاذِبٌ، فَإِنَّهُ لَيسَ هَا هُنَا أَحَدٌ يَسْمَعُ كَلامَكَ غَيْرِي؟

فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: واللهِ إِنَّ مُحَمَّدَاً لَصَادِقٌ، ومَا كَذَبَ قَطُّ، ولكن ذَهَبَتْ بَنُو قُصَيٍّ باللِّوَاءِ والسِّقَايَةِ والحِجَابَةِ والنَّدْوَةِ والنُّبُوَّةِ، فماذا يَكُونُ لِسَائِرِ قُرَيشٍ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ هذهِ الآيَةَ.

أيُّها الإخوة الكرام: بل روى الإمام الحاكم في المُسْتَدْرَكِ، عَن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: قَد نَعْلَمُ يَا مُحَمَّدُ أَنَّكَ تَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، ولا نُكَذِّبُكَ، ولكن نُكَذِّبُ الذي جِئْتَ بِهِ.

فَأَنْزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: كَمَالُ هذهِ الشَّخْصِيَّةِ كَانَ لهَا الأَثَرُ الكَبِيرُ في نُفُوسِ آلِ البَيتِ الكِرَامِ، والصَّحَابَةِ الأَخْيَارِ، بَعدَ الإِيمَانِ باللهِ تعالى، في تَحَمُّلِ الشَّدَائِدِ والمِحَنِ والمَصَائِبِ، التي كَانُوا يُلاقُونَها من المُشْرِكِينَ، لأَنَّهُم عَرَفُوا بِأَنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْرِفونَ صِدْقَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فِيمَا جَاءَ بِهِ من الحَقِّ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: الإِيمَانُ باللهِ تعالى واليَومِ الآخِرِ، والإِيمَانُ بالقَضَاءِ والقَدَرِ يُحَوِّلُ الإِنسَانَ بالكُلِّيَّةِ، يَجْعَلُهُ صَابِرَاً مُحْتَسِبَاً، بَل رَاضِيَاً فَرِحَاً مَسْرُورَاً بِقَضَاءِ اللهِ تعالى وقَدَرِهِ، وكذلكَ التَّعَرُّفُ على شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَجْعَلُ المُؤمِنَ صَابِرَاً مُحْتَسِبَاً، بَل رَاضِيَاً عَن اللهِ تعالى.

أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ الإِيمَانَ باللهِ تعالى، والتَّعَرُّفَ على شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَجْعَلُ المُؤمِنَ صَابِرَاً مُحْتَسِبَاً، بَل يَسْمُو بِهِ حَتَّى يُحِيلَ هذهِ الأَشْيَاءَ التي ظَاهِرُهَا مَكْرُوهَةٌ للنَّفْسِ، وتَضِيقُ بِهَا الضَّمَائِرُ، إلى أَشْيَاءَ يَتَلَذَّذُ بِهَا المُؤمِنُ، فَتُصْبِحُ عَلَيهِ مِثْلَ المَاءِ البَارِدِ على الظَّمَأِ.

وهذا سَيِّدُنَا سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ المُستَجابَةِ، ابْتَلاهُ اللهُ تعالى بِفَقْدِ بَصَرِهِ آخِرَ حَياتِهِ، فلمَّا أَتَى مَكَّةَ قِيلَ لَهُ: أَنتَ مُجابُ الدَّعْوَةِ، لِمَ لا تَسأَلُ رَدَّ بَصَرِكَ؟

فَقَالَ: إنَّ قَضَاءَ اللهِ تعالى أَحَبُّ إلَيَّ من بَصَرِي.

أَسأَلُ اللهَ تعالى لَنَا ولَكُم زِيَادَةَ الإِيمَانِ باللهِ تعالى وبِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 27/جمادى الثانية /1435هـ، الموافق: 16/نيسان / 2015م