10ـ كلمة شهر ذي الحجة لعام 1428هـ (فضل العمل الصالح في عشر ذي الحجة)

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد:

فها هي ذي الليالي العشر من شهر ذي الحجة التي أقسم الله تعالى بها في كتابه العظيم قد أظلتنا من جديد، وذلك بقول الله عز وجل: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ}. والتي لفت نظرنا إليها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما جاء في صحيح البخاري، من حديث سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه ماله فلم يرجع من ذلك بشيء).

وكما جاء في معجم الطبراني بسند جيد، قال صلى الله عليه وسلم: (ما أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهنَّ التسبيح، والتكبير، والتهليل) .

وكما جاء في سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد فيها من عشر ذي الحجة ، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر).

ولعلنا أيها الإخوة أن نتنبه إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام) لم يقل ما من أيام العبادة فيها خير فيها، إنما قال: العمل الصالح.

لأن العمل الصالح يشمل العبادات والمعاملات والأعمال التي تصلح الفرد والهيئة الاجتماعية والأسرة الإنسانية.

والإنسان بفطرته ينهض بالأعمال الصالحة التي تصلحه، وتصلح بني جنسه، والإنسان العاقل السوي في طبعه لا يجنح إلى فساد ولا إلى إفساد، بل إلى صلاح وإصلاح.

فهل بوسعنا أن نقبل على العمل الصالح ونحن نطمع في التقرب إلى الله عز وجل القائل: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}. ونطمع بقول الله في الحديث القدسي: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) رواه البخاري.

هل يا ترى إيماننا بما وعدنا به ربنا عز وجل يدفعنا إلى هذا العمل، وألا نكون كحال البعض الذين إذا ذكرتهم بالأجر يوم القيامة كان أزهد الزاهدين، وكأنه ينظر إلى مثل هذه الوعود نظرة الذي يستمع إلى أسطورة من الأساطير التي لا تمت إلى الحقيقة بشيء.

وكحال العبد الشاك بيوم القيامة، حيث يتساءل فيما بينه وبين نفسه هل هو آت أم لا؟ مع أنه على يقين بأن غده في الدنيا هو على شك فيه بأنه آتيه أم لا، ومع ذلك يعمل بكل جدٍّ واجتهاد لغده المظنون.

أما المؤمن فإنه يعمل الصالح بكل صوره وأنواعه من عبادات ومعاملات لغده الذي سيأتيه لا محالة، ويراه كما صوره الله تعالى له: { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا}. فيرى يوم القيامة أقرب إليه من غده في الدنيا، لأن غده في الدنيا مظنون، وأما غدُ يوم القيامة فمقطوعٌ عند المؤمن في مجيئه، وأنه آت لا محالة.

فأصبح هذا المؤمن يعمل الصالح منطلقاً من المقولة: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.

استغل وقته في العمل الصالح من أجل آخرته، وربط بين عباداته ومعاملاته، فكلما صحت العبادة سمت المعاملة، وكلما صحت المعاملة قبلت العبادة، فرأى العبد المؤمن ثمرة عباداته من خلال معاملاته السامية إلى مستوى الإسلام.

فالعبد المؤمن بأن الجنة حق وأن النار حق، أخذ يعمل بعمل أهل الجنة، ويراها قريبة منه فيعمل ليصل إليها، ويرى النار قريبة منه فيعمل عملاً يبعده عنها، ليفوز فوزاً عظيماً، كما قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.

ويتذكر العبد المؤمن قول سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنه، عندما قال لأصحابه: يا هؤلاء أَمِنَ الجنة تفرون، فوربِّ الكعبة إن الجنة قريبة، وإن النار قريبة، وإن الأمل الذي تضعونه للدنيا بعيد.

ويتذكر العبد المؤمن قول مؤمن آل فرعون لقومه: {وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآَخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}.

فيا إخوة الإيمان بادروا إلى العمل الصالح في هذه الأيام المباركة.

حافظوا على صلواتكم في جماعة وخاصة الفجر والعشاء.

حافظوا على تلاوة القرآن العظيم.

حافظوا على صحيفة أعمالكم أن لا تسجل فيها المعاصي.

حافظوا على حسن أخلاقكم وخاصة مع نسائكم.

حافظوا على لقمة الحلال واجتنبوا لقمة الحرام.

حافظوا على صلة الأرحام وصلة من قطعكم.

حافظوا على النصح لكل مسلم، عاملوه كما تحبون أن يعاملكم.

حافظوا على قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها. وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي.

حافظوا على سلامة قلوبكم من الحقد والغل والحسد.

لا تتركوا مجالاً للحظة أن تمر عليكم بدون خير تقدموه لأنفسكم، وأسأل الله أن يوفقنا لذلك مع الإخلاص والقبول.

ولا تنسوا بأن الأضحية من الأعمال الصالحة التي يحبها الله تعالى في يوم النحر، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفساً) رواه الترمذي.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ولا تنسوني من دعوة صالحة، جزاكم الله عني خيراً.

وكل عام وأنتم بخير وأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بخير والإنسانية كلها بخير.