22ـ أشراط الساعة: التحية على أهل المعرفة فقط

 

 أشراط الساعة

22ـ التحية على أهل المعرفة فقط

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ من أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وعَلامَاتِهَا التي حَدَّثَ عَنهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والتي ظَهَرَتْ، ومَا زَالَتْ مُنْتَشِرَةً، بَل هيَ في ازْدِيَادٍ، التَّحِيَّةُ والسَّلامُ على أَهْلِ الَمَعْرِفَةِ فَقَط، بِحَيثُ لا يُسَلِّمُ الإِنسَانُ إلا على مَن يَعْرِفُ وهوَ في طَرِيقِهِ.

والأَسْوَءُ حَالاً أن يَدْخُلَ الإِنسَانُ مَجْلِسَاً فِيهِ أُنَاسٌ يَعْرِفُ بَعْضَهُم، ولا يَعْرِفُ الآخَرِينَ، فَيَتَوَجَّهُ إلى مَن يَعْرِفُ فَيُسَلِّمُ عَلَيهِ ويُصَافِحُهُ، ويَدَعُ الآخَرِينَ، وإذا سَلَّمَ عَلَيهِم سَلَّمَ سَلامَ المَنَّانِ بالتَّحِيَّةِ والسَّلامِ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ، لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلَّا لِلْمَعْرِفَةِ».

وروى الإمام أحمد والبخاري في الأَدَبِ المُفْرَدِ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ جُلُوسَاً فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: قَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ رَأَيْنَا النَّاسَ رُكُوعَاً فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، فَكَبَّرَ وَرَكَعَ وَرَكَعْنَا، ثُمَّ مَشَيْنَا وَصَنَعْنَا مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ، فَمَرَّ رَجُلٌ يُسْرِعُ فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ.

فَقَالَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا وَرَجَعْنَا دَخَلَ إِلَى أَهْلِهِ جَلَسْنَا فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: أَمَا سَمِعْتُمْ رَدَّهُ عَلَى الرَّجُلِ: صَدَقَ اللهُ وَبَلَّغَتْ رُسُلُهُ، أَيُّكُمْ يَسْأَلُهُ؟

فَقَالَ طَارِقٌ: أَنَا أَسْأَلُهُ، فَسَأَلَهُ حِينَ خَرَجَ.

فَذَكَرَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ «بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ، حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ، وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ، وَظُهُورَ الْقَلَمِ».

السَّلامُ سَبَبٌ في زِيَادَةِ المَحَبَّةِ بَينَ المُؤمِنِينَ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَثَّنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على إِفْشَاءِ السَّلامِ بَينَنَا، وأَخبَرَنَا بِأَنَّهُ سَبَبٌ في زِيَادَةِ المَحَبَّةِ فِيمَا بَينَنَا، وأَنَّهُ من صِفَاتِ المُؤمِنِينَ، وهوَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الجَنَّةِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».

أيُّها الإخوة الكرام: لا يَكْمُلُ إِيمَانُ المُؤمِنِ، ولا يَصْلُحُ حَالُهُ في الإِيمَانِ إلا بالتَّحَابُبِ، والسَّلامُ سَبَبٌ من أَسبَابِ التَّآلُفِ، ومِفتَاحٌ من مَفَاتِيحِ اسْتِجْلابِ المَوَدَّةِ، وفي إِفْشَائِهِ تَتَمَكَّنُ الأُلْفَةُ بَينَ المُسْلِمِينَ، وفِيهِ رِيَاضَةٌ للنَّفْسِ، ولُزُومُ التَّوَاضُعِ، وإِعْظَامُ حُرُمَاتِ المُسْلِمِينَ.

روى الإمام البخاري عَن عَمَّارٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ، الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ، وَالْإِنْفَاقُ مِن الْإِقْتَارِ.

وبِإِفْشَاءِ السَّلامِ قَطْعٌ للتَّهَاجُرِ والشَّحْنَاءِ وفَسَادِ ذَاتِ البَينِ التي هيَ الحَالِقَةُ، روى الإمام أحمد عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ، الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، حَالِقَةُ الدِّينِ، لَا حَالِقَةُ الشَّعَرِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».

أيُّها الإخوة الكرام: ومن المُؤْسِفِ أن يَحْرِمَ الإِنسَانُ نَفْسَهُ هذا الخَيرَ العَظِيمَ، والأَجْرَ المُتَرَتِّبَ على إِلقَاءِ السَّلامِ، روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ.

ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:«عَشْرٌ».

ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ.

فَقَالَ: «عِشْرُونَ».

ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ.

فَقَالَ: «ثَلَاثُونَ».

أيُّها الإخوة الكرام: روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟

قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».

مِن أَعْظَمِ مَا شَرَعَ اللهُ تعالى إِفْشَاءُ السَّلامِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ من أَعْظَمِ مَا شَرَعَ اللهُ تعالى لَنَا في هذا الدِّينِ إِفْشَاءَ السَّلامِ، الذي هوَ تَحِيَّةُ أَهْلِ الإِسلامِ، وتَحِيَّةُ المَلائِكَةِ، وتَحِيَّةُ أَهْلِ الجَنَّةِ، وتَحِيَّةُ المُؤمِنِينَ يَومَ يَلْقَونَ رَبَّهُم عزَّ وجلَّ يَومَ القِيَامَةِ، وقد أَمَرَ اللهُ تعالى عِبَادَهُ بذلكَ عِنْدَ دُخُولِ بَعْضِهِم على بَعْضٍ، وعِنْدَ لِقَائِهِم مَعَ بَعْضِهِمُ البَعْضِ.

قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتَاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.

وروى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ أَيْضَاً.

وروى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتِ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِن الْآخِرَةِ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَصْبَحَتِ الأُمَّةُ اليَومَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، لقد تَمَزَّقَ شَمْلُهَا، وتَشَتَّتَ جَمْعُهَا، وطَمِعَ فِيهَا الضَّعِيفُ قَبلَ القَوِيِّ، والذَّلِيلُ قَبلَ العَزِيزِ، والقَاصِي قَبلَ الدَّانِي، وأَصْبَحَتِ الأُمَّةُ قَصْعَةً مُسْتَبَاحَةً لأَحْقَرِ وأَخْذَلِ أُمَمِ الأَرضِ من إخْوَانِ القِرَدَةِ والخَنَازِيرِ.

لِذَا كَانَ لِزَامَاً على الأُمَّةِ أن تَرجِعَ إلى هَدْيِ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَعَلَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يُعِيدَ إِلَيهَا عِزَّهَا السَّامِي الذي ذَهَبَ، ومن أَسبَابِ إِعَادَةِ العِزَّةِ إِلَيهَا أن تَكُونَ مُتَحَابَّةً فِيمَا بَينَ بَعْضِهَا البَعْضِ، ولَن يَكُونَ هذا إلا بِإِفْشَاءِ السَّلامِ، سَلامِ أَهْلِ الجَنَّةِ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيكَ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 27/جمادى الأولى/1436هـ، الموافق: 18/آذار/ 2015م