476ـ خطبة الجمعة: إلى كل ظالم وطاغ ومتكبر ومتجبر

.

476ـ خطبة الجمعة: إلى كل ظالم وطاغ ومتكبر ومتجبر

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عباد الله: حَاجَتُنَا اليَوْمَ إلى المَوْعِظَةِ والتَّذْكِيرِ والتَّرْهِيبِ والتَّرْغِيبِ أَشَدُّ من حَاجَتِنَا إلى الطَّعَامِ والشَّرَابِ، وأَشَدُّ من حَاجَتِنَا إلى الصِّحَّةِ والعَافِيَةِ، وأَشَدُّ من حَاجَتِنَا إلى الأَمْنِ والأَمَانِ، لِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى إِذَا ابْتَلانَا بالجُوعِ والعَطَشِ، وبالمَرَضِ والأَسْقَامِ، وبالخَوْفِ، فَهِيَ في الحَقِيقَةِ مِنَحٌ، وَذَلِكَ بالنَّظَرِ إلى نَتَائِجِهَا، وَأَهَمُّ نَتَائِجِ هذهِ الابْتِلاءَاتِ هِيَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُهْتَدُونَ﴾. وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَد عَمَّ الظُّلْمُ وَطَمَّ بِاسْمِ الإِسْلامِ وَغَيْرِهِ، وَنَحْنُ لا نَمْلِكُ إلا أَنْ نَسْلُكَ مَا سَلَكَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ من خِلالِ القُرْآنِ العَظِيمِ، قَالَ تعالى آمِرَاً نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾. وَقَالَ لَهُ: ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ﴾. وَقَالَ لَهُ: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾. وَقَالَ لَهُ: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعَاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾. وَقَالَ لَهُ: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْـمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْـمُهْتَدِينَ﴾. وَقَالَ لَهُ: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: من خِلالِ هذهِ الآيَاتِ الكَرِيمَةِ، أَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ ظَالِمٍ وَطَاغٍ وَمُتَكَبِّرٍ وَمُتَجَبِّرٍ، لِأَقُولَ لَهُ نَاصِحَاً:

أولاً: تَذَكَّرْ بِأَنَّ اللهَ تعالى يَرَاكَ:

تَذَكَّرْ يَا أَيُّهَا الظَّالِمُ الطَّاغِي البَاغِي المُتَكَبِّرُ المُتَجَبِّرُ بِأَنَّ اللهَ تعالى يَرَاكَ، وَهُوَ رَقِيبٌ عَلَيْكَ، وَيُحْصِي عَلَيْكَ أَفْعَالَكَ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً﴾. وقَالَ تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾.

ثانياً: تَذَكَّرْ بِأَنَّ أَعْمَالَكَ مَحْصِيَّةٌ عَلَيْكَ:

تَذَكَّرْ يَا أَيُّهَا الظَّالِمُ الطَّاغِي البَاغِي المُتَكَبِّرُ المُتَجَبِّرُ بِأَنَّ أَعْمَالَكَ مَحْصِيَّةٌ عَلَيْكَ، قَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرَاً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيدَاً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ واللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْـمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرَاً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدَاً﴾. وقَالَ تعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

ثالثاً: تَذَكَّرْ بِأَنَّكَ مَيِّتٌ:

تَذَكَّرْ يَا أَيُّهَا الظَّالِمُ الطَّاغِي البَاغِي المُتَكَبِّرُ المُتَجَبِّرُ بِأَنَّكَ مَيِّتٌ مَهْمَا طَالَتْ بِكَ الحَيَاةُ، وَبِأَنَّكَ سَتَقَعُ في سَكَرَاتِ المَوْتِ رَغْمَاً عَن أَنْفِكَ، قَالَ تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْـمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَـبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْـمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْـمَوْتِ وَالْـمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ * وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾.

رابعاً: تَذَكَّرْ بِأَنَّ أَمَامَكَ عَالَمَ البَرْزَخِ:

تَذَكَّرْ يَا أَيُّهَا الظَّالِمُ الطَّاغِي البَاغِي المُتَكَبِّرُ المُتَجَبِّرُ بِأَنَّ أَمَامَكَ عَالَمَ البَرْزَخِ، وَهُوَ عَالَمٌ مَا بَيْنَ عَالَمِ الدُّنْيَا وَعَالَمِ الآخِرَةِ، هذا العَالَمُ الغَيْبِيُّ الذي لا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ إلا اللهُ تعالى، قَالَ فِيهِ مَوْلانَا عزَّ وجلَّ في حَقِّ مَنْ سَبَقَكَ من أَهْلِ الظُّلْمِ والبَغْيِ والإِجْرَامِ والإِفْسَادِ: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوَّاً وَعَشِيَّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾.

تَذَكَّرْ يَا أَيُّهَا الظَّالِمُ الطَّاغِي البَاغِي المُتَكَبِّرُ المُتَجَبِّرُ بِأَنَّ هذا العَالَمَ الذي يَنْتَظِرُكَ، إِنْ شِئْتَ وَإِنْ أَبَيْتَ، قَالَ تعالى في حَقِّ أَمْثَالِكَ مِمَّنْ عَاثَ في الأَرْضِ فَسَادَاً بالقَتْلِ والسَّلْبِ والنَّهْبِ والتَّرْوِيعِ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْـمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.

تَذَكَّرْ عَالَمَ البَرْزَخِ الذي يَنْتَظِرُكَ، وَسَوْفَ تَدْخُلُهُ من بَوَّابَةِ قَبْرِكَ وَحِيدَاً فَرِيدَاً، وَمَعَكَ الأَعْمَالُ الإِجْرَامِيَّةُ التي قُمْتَ بِهَا، تَذَكَّرْ هذا العَالَمَ، وهذا القَبْرَ الذي قَالَ فِيهِ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يا عَبْدَ الله: لا أَمْلِكُ لَكَ إلا النُّصْحَ، لا أَمْلِكُ لَكَ إلا التَّذْكِيرَ، لا أَمْلِكُ لَكَ إلا الإِنْذَارَ، لا أَمْلِكُ لَكَ إلا الإِرْشَادَ، ولا أَمْلِكُ لَكَ إلا مَا قَالَهُ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ لِآلِ فِرْعَوْنَ: ﴿وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْـمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾. واللهِ لا أُرِيدُكَ أَنْ تَكُونَ من الخَاسِرِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**      **      **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 26/ ربيع الثاني /1437هـ، الموافق: 5/شباط/ 2016م