131-نحو أسرة مسلمة: هل ربينا نساءنا وأبناءنا هذه التربية؟

نحو أسرة مسلمة

131ـ هل ربينا نساءنا وأبناءنا هذه التربية؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: الآخِرَةُ آتِيَةٌ لَا مَحَالَةَ ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتَاً﴾ ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.

وَمِنْ أَجْلِ النَّجَاةِ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ يَجِبُ عَلَيْنَا الاهْتِمَامُ بِبُيُوتِنَا التي أَصْبَحَتْ بُيُوتَاً عَامِرَةً بِالأَحْجَارِ، مَيْتَةً بِالسُّلُوكِ وَالأَخْلَاقِ، لَقَدِ امْتَلَأَتِ البُيُوتُ إلا مَا رَحِمَ رَبِّي بِالـشَّرِّ وَالفَسَادِ وَالمُنْكَرَاتِ، عُرِيٌّ وَتَبَرُّجٌ، غِنَاءٌ وَرَقْصٌ، مَسْرَحِيَّاتٌ وَأَفْلَامٌ وَمُسَلْسَلَاتٌ تَهْدِمُ الدِّينَ وَالقِيَمَ وَالأَخْلَاقَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أُذَكِّرُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِحَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقَاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعَاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعَاً» رواه الإمام البخاري عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا لَمْ نُنْكِرِ المُنْكَرَاتِ التي مِنْ حَوْلِنَا، والتي دَخَلَتْ بُيُوتَنَا، وَعَمَّتْ شَبَابَنَا وَشَابَّاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا فَمَنْ يُنْكِرُهَا؟

إِذَا لَمْ نَأْخُذْ على أَيْدِيهِم بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَالخُلُقِ الحَسَنِ فَسَوْفَ يَهْلَكُونَ وَنَهْلَكُ مَعَهُمْ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سِرُّ الضَّنْكِ الذي تَحْيَاهُ بُيُوتُ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ هُوَ البُعْدُ عَنْ شَرْعِ اللهِ تعالى، هُوَ الإِعْرَاضُ عَنِ الغَايَةِ التي خُلِقْنَا مِنْ أَجْلِهَا، والتي بَيَّنَهَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْـمَتِينُ﴾.

وَاللهِ مَا عِشْنَا حَيَاةَ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ إلا بِسَبَبِ الإِعْرَاضِ عَنْ هَدْيِ اللهِ تعالى الذي جَاءَنَا بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾.

هَلْ رَبَّيْنَا نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا هَذِهِ التَّرْبِيَةَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَفِتَ إلى بُيُوتِنَا الْتِفَاتَةَ جِدٍّ وَصِدْقٍ، وَأَنْ نَعْتَنِيَ بِتَرْبِيَةِ الأُسْرَةِ، مُتَأَسِّينَ بِالمُعَلِّمِ وَالمُرَبِّي الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي نَشَرَ الفَضِيلَةَ في الجِيلِ، وَأَنْقَذَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ أَهْلَ الضَّلَالَةِ مِنْ ضَلَالَتِهِم، وَأَهْلَ الغِوَايَةِ مِنْ غِوَايَتِهِم، وَأَهْلَ الانْحِرَافِ مِنَ انْحِرَافِهِم.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ غَرَسَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في قُلُوبِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَصْحَابِهِ العَقِيدَةَ السَّلِيمَةَ الصَّحِيحَةَ التي هِيَ سِرُّ السَّعَادَةِ، حَيْثُ وَجَّهَ القُلُوبَ إلى عَلَّامِ الغُيُوبِ الفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ.

روى الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَاً، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَو اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشـَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِـشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلْ غَرَسْنَا هَذِهِ العَقِيدَةَ السَّلِيمَةَ في نُفُوسِ أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا حَتَّى يُوَاجِهُوا بِهَا الفِتَنَ التي تُخْرِجُ النَّاسَ عَنْ دِينِهِمْ، حَيْثُ يَبِيعُ أَحَدُهُم دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا؟

هَلْ هَمَسْنَا هَذِهِ الكَلِمَاتِ في صُدُورِ أَبْنَائِنَا بِأَسْطُرٍ مِنَ النُّورِ؟

سَيِّدُنَا جَعْفَرُ الصَّادِقُ وَوَلَدُهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَنْظُرْ إلى سَلَفِنَا الصَّالِحِ مِنْ آلِ بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ رَبَّوْا أَبْنَاءَهُم، وَأَحْسَنُوا التَّرْبِيَةَ لِأَبْنَائِهِمُ الذينَ سَيُسْأَلُونَ عَنْهُم يَوْمَ القِيَامَةِ؟

يَقُولُ سَيِّدُنَا جَعْفَرُ الصَّادِقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرْضَاهُ، وَهُوَ يُوصِي ابْنَهُ بِقَوْلِهِ: يَا بُنَيَّ، لَا تُصَاحِبْ فَاجِرَاً وَلَا عَاقَّاً وَلَا بَخِيلَاً وَلَا كَذَّابَاً؛ فَإِنَّ الفَاجِرَ قَدِ اسْتَحَقَّ لَعْنَةَ اللهِ، وَإِنَّ العَاقَّ قَدْ أَدْرَكَتْهُ ظُلَامَةُ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَإِنَّ البَخِيلَ يَبِيعُكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ، وَإِنَّ الكَذَّابَ يُقَرِّبُ لَكَ البَعِيدَ وَيُبَعِّدُ لَكَ القَرِيبَ.

تَرْبِيَةُ حَبِيبِ بْنِ زَيْدٍ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى تَرْبِيَةِ أَبْنَائِنَا على العَقِيدَةِ السَّلِيمَةِ، والأَخْلَاقِ القَوِيمَةِ، وَأَنْ لَا يَبِيعُوا دِينَهُم بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا.

هَذَا سَيِّدُنَا حَبِيبُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ الذي رَبَّتْهُ أُمُّهُ تَرْبِيَةً خَالِصَةً لِوَجْهِ اللهِ تعالى؛ أَرْسَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى مُسَيْلَمَةَ الكَذَّابِ الدَّجَّالِ في اليَمَامَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَعُمُرُهُ يُقَارِبُ العِشْرِينَ، فَقَالَ مُسَيْلَمَةُ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ؟

فَقَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟

فَقَالَ: لَا أَسْمَعُ شَيْئَاً.

فَأَخَذَهُ وَقَطَّعَهُ بِالسَّيْفِ إِرَبَاً إِرَبَاً، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَا تَعِيشُهُ الأُمَّةُ اليَوْمَ مِنْ فِتَنٍ، وَمَا تَمُرُّ بِهِ مِنْ أَحْدَاثٍ، لَا يُمْكِنُ الخَلَاصُ مِنْهَا إلا بِالعَوْدَةِ إلى بُيُوتِنَا في إِصْلَاحِهَا، وفي حُسْنِ تَرْبِيَةِ أَهْلِنَا الذينَ سَنُسْأَلُ عَنْهُم يَوْمَ القِيَامَةِ.

يَجِبُ أَنْ نُرَبِّيَ أَبْنَاءَنَا وَأَهْلَنَا على طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَاعَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَمْ وَكَمْ تَفْتَقِرُ بُيُوتُ المُسْلِمِينَ لِهَذَا الأَمْرِ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 15/ شعبان /1437هـ، الموافق: 22/ أيار / 2016م