41-دروس رمضانية 1437هـ:الأمور بخواتيمها

.

دروس رمضانية 1437هـ

41ـ الأمور بخواتيمها

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المُشْكِلَةُ التي نُعَانِي مِنْهَا اليَوْمَ هِيَ ضَعْفُ الإِيمَانِ في القُلُوبِ، وَالزُّهْدُ بِاليَوْمِ الآخِرِ، وَعَدَمُ التَّعَلُّقِ بِهِ، بَلْ وَعَدَمُ التَّفَكُّرِ فِيهِ، وَضَعْفُ الصِّلَةِ مَعَ اللهِ تعالى؛ وَمَا جَاءَ القُرْآنُ العَظِيمُ إلا لِيَرْبِطَنَا بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَمَا جَاءَ إلا مَوْعِظَةً مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ.

قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدَىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾. فَالإِيمَانُ هُوَ الحَيَاةُ، وَلَا حَيَاةَ بِلَا إِيمَانٍ، وَمِنْ أَرْكَانِ الإِيمَانِ الإِيمَانُ بِاليَوْمِ الآخِرِ، الذي سَيَجْمَعُ اللهُ تعالى فِيهِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ.

وَلِأَهَمِّيَّةِ الإِيمَانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ مَا مِنْ صَفْحَةٍ مِنْ صَفَحَاتِ القُرْآنِ الكَرِيمِ إلا وَهِيَ تُذَكِّرُ بِاليَوْمِ الآخِرِ إِشَارَةً أَو صَرَاحَةً، قَالَ تعالى عَنْ ذَلِكَ اليَوْمِ: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾. هَذِهِ القَضِيَّةُ يَجِبُ أَنْ تَشْغَلَ بَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾.

الأُمُورُ بِخَوَاتِيمِهَا:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنْ أَعْظَمِ الخُسْرَانِ أَنْ يَرْجِعَ الإِنْسَانُ بَعْدَ الغَنِيمَةِ خَاسِرَاً، مِنْ أَعْظَمِ الـخُسْرَانِ أَنْ يَرْجِعَ العَبْدُ بَعْدَ الطَّاعَةِ إلى المَعْصِيَةِ، مِنْ أَعْظَمِ الخُسْرَانِ أَنْ يَرْجِعَ العَبْدُ إلى الظُّلْمَةِ بَعْدَ النُّورِ، مِنْ أَعْظَمِ الخُسْرَانِ أَنْ يَرْجِعَ العَبْدُ إلى الفِسْقِ وَالعِصْيَانِ بَعْدَ الطَّاعَةِ وَالإِيمَانِ، لِأَنَّ المُعَوَّلَ عَلَيْهِ هُوَ الخَاتِمَةُ، فَلَا تَفْرَحْ للطَّاعَةِ بِدُونِ اسْتِقَامَةٍ عَلَيْهَا، وَلَا تَفْرَحْ بِالصَّلَاةِ بِدُونِ اسْتِقَامَةٍ عَلَيْهَا، وَلَا تَفْرَحْ بِتَرْكِ المَعْصِيَةِ بِدُونِ الاسْتِقَامَةِ على تَرْكِهَا، لِأَنَّ اللهَ تعالى أَمَرَنَا بِالاسْتِقَامَةِ حَتَّى المَوْتِ، قَالَ تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.

روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، حَتَّى لاَ يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الارْتِبَاطَ بِاليَوْمِ الآخِرِ يَدْفَعُنَا لاغْتِنَامِ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا التي هِيَ السَّبِيلُ الوَحِيدُ لِبُلُوغِ حُسْنِ الخَاتِمَةِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

إِنَّ الارْتِبَاطَ بِاليَوْمِ الآخِرِ يَدْفَعُنَا للاسْتِقَامَةِ على الطَّاعَةِ حَتَّى نَمُوتَ عَلَيْهَا، لِأَنَّ العَبْدَ يُبْعَثُ على مَا مَاتَ عَلَيْهِ، روى الحاكم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بَعَثَهُ اللهُ عَلَيْهِ».

وروى الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، قَالَ أَيُّوبُ: فَأَوْقَصَتْهُ ـ أَوْ قَالَ فَأَقْعَصَتْهُ؛ وقَالَ عَمْرٌو: فَوَقَصَتْهُ ـ

فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيَاً».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِنَرْبِطْ أَنْفُسَنَا بِالآيَاتِ الكَرِيمَةِ التي تُحَدِّثُنَا عَنْ يَوْمِ القِيَامَةِ لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا بِالاسْتِقَامَةِ.

تَقُولُ زَوْجَةُ سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ وَهِيَ تُحَدِّثُنَا عَنْ زَوْجِهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: رَأَيْتُ مِنْهُ لَيْلَةً العَجَبَ العُجَابَ؛ قَامَ يُصَلِّي، ثمَّ قَرَأَ القَارِعَةَ، فَمَا كَادَ يَصِلُ إلى قَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْـمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْـمَنفُوشِ﴾. إلا خَرَّ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ، وَأَخَذَ يَفْحَصُ في مَكَانِهِ كَمَا يَفْحَصُ العُصْفُورُ، حَتَّى ظَنَنْتُ وَقُلْتُ في نَفْسِي: واللهِ لَيُصْبِحَنَّ النَّاسُ وَلَا أَمِيرَ لَهُم، تَقُولُ: ثمَّ أَفَاقَ وَبَدَأَ يَقْرَأُ وَيُصَلِّي حَتَّى إِذَا بَلَغَ قَوْلَهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْـمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْـمَنفُوشِ﴾. فَخَرَّ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ البُكَاءِ.

اللَّهُمَّ زِدْ في إِيمَانِنَا حَتَّى نَلْقَاكَ وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 21/ رمضان /1437هـ، الموافق: 26/ حزيران / 2016م