85- خطبة عيد الفطر1429هـ: علامات قبول العمل

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عباد الله، لقد أمرتم بالصيام فصمتم، وأمرتم بالقيام فقمتم، وكلكم يعلم من الحديث الشريف بأن هذا اليوم هو يوم الجائزة، (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ وَقَفَتِ الْمَلائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الطُّرُقِ، فَنَادَوْا: اغْدُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَبٍّ كَرِيمٍ، يَمُنُّ بِالْخَيْرِ، ثُمَّ يُثِيبُ عَلَيْهِ الْجَزِيلَ، لَقَدْ أُمِرْتُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَقُمْتُمْ، وَأُمِرْتُمْ بِصِيَامِ النَّهَارِ فَصُمْتُمْ، وَأَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ، فَاقْبِضُوا جَوَائِزَكُمْ، فَإِذَا صَلَّوْا، نَادَى مُنَادٍ: أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ، فَارْجِعُوا رَاشِدِينَ إِلَى رِحَالِكُمْ، فَهُوَ يَوْمُ الْجَائِزَةِ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي السَّمَاءِ يَوْمَ الْجَائِزَةِ) رواه الطبراني في الكبير.

كم هي الفرصة وأنت على ثقة بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقول الملائكة الكرام: (أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ، فَارْجِعُوا رَاشِدِينَ إِلَى رِحَالِكُمْ)، ولكن يا عباد الله، المغفرة لها دلائل ولها علامات، الصيام له أثره، والقيام له أثره، هلا تفقَّدنا تلك الدلائل والعلامات في أنفسنا؟ هلاّ تفقَّدنا أثر الصيام والقيام في سلوكنا؟ إن وجدنا الأثر لنرقص فرحاً وطرباً بفضل الله علينا، {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون}.

أما إذا لم نجد أثر الصيام، ولا أثر القيام، ولا أثر تلاوة القرآن، ولا أثر الصدقة والعبادات في حياتنا، فلنبك على أنفسنا عوضاً عن الدمع الدمَ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ، فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ) رواه الطبراني والحاكم.

نعم يا عباد الله، لقد أدركْنا رمضان، وأدركَنا رمضان، وتسلَّمه الله عز وجل منا، وأرجو الله أن يتسلَّمه كاملاً غير منقوص، ولكن هل هذا الشهر العظيم المبارك شاهدٌ لنا أم علينا؟ هل سَلَّمْنا الصيام فكان حقَّ الصيام؟ وسلمنا القيام فكان حقَّ القيام؟

هل سلَّمْنا هذه العبادة كاملة لننال البشارة العظمى، (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) رواه البخاري ومسلم، والشهادة من الله تعالى القائل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين}؟ هل سلَّمْنا الصيام والقيام كاملاً لننال البشرى العظمى التي جاءت في الحديث القدسي: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ) رواه البخاري.

إذا قلنا: نعم، صمنا حقَّ الصيام، وقمنا حقَّ القيام، صمنا وقمنا كما أمر ربنا عز وجل، ونحن ننتظر وعد الله تعالى الذي لا يُخلف، أن نكون عنده من المقبولين المحبوبين.

أقول أيها الإخوة: نعم، وعدُ الله لا يُخلَف، وحاشاه أن يُخلف الوعد، وكيف يُخلِفُ الوعدَ وهو أصدق القائلين إذ يقول: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَاد}؟

ولكن حتى لا نخدع أنفسَنا، علينا أن نعلم بأن القبول له علامات، فإذا لم نجد العلامات فالخلل فينا، فالخلل في صومنا، والخلل في قيامنا، وليس الخلل في وعد الله عز وجل حاشا وكلا.

الله عز وجل يقول: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ)، إذا أصبحت محبوباً بعد الصيام والقيام، فانظر إلى أثر هذه المحبة على جوارحك، وخاصة جارحة السمع والبصر واليد والرجل، هل حافظت على هذه الجوارح، وشعرت بحفظ الله لها من المخالفات؟

انظر إلى نفسك في هذا اليوم وما بعده، هل جارحة السمع صارت مُصانة لا تسمع فيها الغناء ولا الغيبة، ولا ما لا يحل لك سماعه؟ هل صارت جارحة البصر مُصانة فلا تنظر فيها إلى مُحرَّم؟ هل صارت جارحة اليد مُصانة فلا تمتد إلى ما حرَّم الله تعالى من مصافحة، ولا ضرب، ولا سرقة، ولا رشوة، ولا ربا...؟ هل صارت جارحة الرجل مُصانة فلا تمشي فيها إلى مُحرَّم؟

إذا رأيت نفسك محفوظاً بحفظ الله تعالى، لأنك حفظت الله في أوامره، (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وإذا رأيت نفسك أصبحت تحبُّ الخيرَ وأهلَ الخير، وإذا قدرت على فعله بادرت إليه، وإذا فاتك الخير حزنتَ عليه، فأنت السعيد الموفَّق المقبول عند الله تعالى، وبحقٍّ أنت أصبحت ممن أراده الله تعالى بخيرٍ.

جاء زيد الخير إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله، أسألك عن علامة الله فيمن يريد، وعلامته فيمن لا يريد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف أصبحت؟) قال: أصبحت أحب الخير وأهله، ومن يعمل به، وإن عملت به أيقنت بثوابه، وإن فاتني منه شيء حننت إليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذه علامة الله فيمن يريد، وعلامته فيمن لا يريد، ولو أرادك بالآخرة هيأك لها، ثم لا تبالي في أي واد هلكت) رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة وحلية الأولياء، والطبراني في الكبير.

أيها الإخوة: فتِّشوا عن أثر الصيام والقيام على جوارحكم الظاهرة والباطنة، فمن وجد أثرها فليحمد الله تعالى، وإلا ـ لا قدر الله ـ فعلى نفسه فليبك من ضاع عمره، وليس له فيها نصيب ولا سهم.

أيها الإخوة الكرام: كان سيدنا علي رضي الله عنه إذا خرج شهر الصيام جلس يبكي، ويقول: عبد كلَّفه سيِّده بعمل فقام به، لا يدري هل قبل منه العمل أم لا؟

أرجو الله عز وجل أن لا نكون من أهل هذه الآية: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَة * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَة * عَامِلَةٌ نَّاصِبَة * تَصْلَى نَارًا حَامِيَة}.

أرجو الله تعالى أن نكون من المقبولين عنده، وأن نكون ممن أعتقهم الله تعالى من نار جهنم، وأدخلهم الجنة من باب الريان.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، فيا فوز المستغفرين.

** ** **