170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. لِنَجْعَلَ مِنْ أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُدْوَةً لَنَا وَأُسْوَةً بَعْدَ حَضْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخَاصَّةً في التَّعَامُلِ مَعَ الآخَرِينَ.

مَوْقِفُ الفَارُوقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ شَارِبِ الخَمْرِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَفَقَّدَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَجُلًا ذَا بَأْسٍ شَدِيدٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ تَتَابَعَ في الشُّرْبِ.

فَقَالَ لِكَاتِبِهِ: اكْتُبْ: مِنْ عُمَرَ إلى فُلَانٍ، سَلَامٌ عَلَيْكَ، وَأَنَا أَحْمَدُ اللهَ إِلَيْكَ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾.

ثُمَّ خَتَمَ الكِتَابَ؛ وَقَالَ لِرَسُولِهِ: لَا تَدْفَعْهُ إِلَيْهِ حَتَّى تَجِدْهُ صَاحِيًا، ثُمَّ أَمَرَ مَنْ عِنْدَهُ بِالدُّعَاءِ لَهُ بِالتَّوْبَةِ.

فَلَمَّا أَتَتْهُ الصَّحِيفَةُ جَعَلَ يَقْرَؤُهَا وَيَقُولُ: قَدْ وَعَدَنِي اللهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي، وَحَذَّرَنِي عِقَابَهُ؛ فَلَمْ يَبْرَحْ يُرَدِّدُهَا حَتَّى بَكَى؛ ثُمَّ نَزَعَ فَأَحْسَنَ النَّزْعَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ.

فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ أَمْرُهُ قَالَ: هَكَذَا فَاصْنَعُوا إِذَا رَأَيْتُمْ أَحَدَكُمْ قَدْ زَلَّ زَلَّةً، فَسَدِّدُوهُ وَادْعُوا اللهَ لَهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ، وَلَا تَكُونُوا أَعْوَانًا للشَّيَاطِينِ عَلَيْهِ. /تفسير القرطبي.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: في هَذَا المَوْقِفِ تَظْهَرُ عَبْقَرِيَّةُ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في تَرْبِيَةِ النُّفُوسِ، وَمَعْرِفَتُهُ بِطَبَائِعِ البَشَرِ، وَوَسَائِلِ التَّقْوِيمِ، فَمَا يَنْفَعُ شَخْصًا قَدْ يَـضُرُّ غَيْرَهُ، فَهَذَا دَرْسٌ مِنْ دُرُوسِ التَّرْبِيَةِ النَّاجِحَةِ، وَأُسْلُوبٌ رَقِيقٌ في التَّوْجِيهِ.

أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَى ضَخَامَةِ مَسْؤُولِيَّاتِهِ وَمِشَاغِلِهِ، يَغِيبُ عَنْ مَجْلِسِهِ وَاحِدٌ مِنْ رُوَّادِهِ، فَلَا يَفُوتُهُ هَذَا الغِيَابُ، وَلَكِنْ يَسْأَلُ لِيُعَالِجَ، فَيُصْلِحَ.

وَاليَوْمَ يَغِيبُ الأَخُ عَنْ أَخِيهِ، فَلَا يَشْعُرُ أَحَدُهُمَا بِغِيَابِ الآخَرِ، وَإِنْ شَعَرَ؛ فَلَا يَسْأَلُ عَنْ سَبَبِ الغِيَابِ، وَإِذَا تَحَرَّى السُّؤَالَ فَلَا يَسْعَى وَرَاءَ عِلَاجٍ إِنْ كَانَ في الأَمْرِ مَا يَسْتَدْعِي العِلَاجَ.

إِنَّ هَذَا التَّفَلُّتَ مِعْوَلٌ مِنْ مَعَاوِلِ هَدْمِ الأُخُوَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَمَا هَذَا بِحَالِ مُسْلِمِينَ يَعْرِفُونَ بِأَنَّهُمْ إِخْوَةٌ، فَهَلْ مِنَ الْتِفَاتَةٍ؛ لَعَلَّ، وَعَسَى؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَومَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ لِحُسْنِ التَّعَامُلِ مَعَ الآخَرِينَ في تَخْلِيصِهِمْ مِنَ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ بِأُسْلُوبٍ حَكِيمٍ، وَذَلِكَ أَنْ نَكُونَ عَوْنًا لِإِخْوَانِنَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، لَا أَنْ نَكُونَ عَوْنًا للشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ.

روى الإمام أحمد أَنَّ أَبَا مَاجِدٍ يَعْنِي الْحَنَفِيَّ قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا مَعَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: إِنِّي لَأَذْكُرُ أَوَّلَ رَجُلٍ قَطَعَهُ، أُتِيَ بِسَارِقٍ، فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، وَكَأَنَّمَا أُسِفَّ ـ يَعْني: تَغَيَّرَـ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّكَ كَرِهْتَ قَطْعَهُ؟

قَالَ: «وَمَا يَمْنَعُنِي، لَا تَكُونُوا عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ، إِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ حَدٌّ أَنْ يُقِيمَهُ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَفُوٌّ يُحِبُّ الْعَفْوَ: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

بَلْ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَدْعُوَ اللهَ تعالى للمُسِيءِ، يَقُولُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِذَا رَأَيْتُمْ أَخَاكُمْ قَارَفَ ذَنْبًا فَلَا تَكُونُوا أَعْوَانًا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ تَقُولُوا: اللَّهُمَّ اخْزِهِ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، وَلَكِنْ سَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، فَإِنَّا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُنَّا لَا نَقُولُ فِي أَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى نَعْلَمَ عَلَى مَا يَمُوتُ، فَإِنْ خُتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ خَيْرًا، وَإِنْ خُتِمَ لَهُ بِشَرٍّ خِفْنَا عَلَيْهِ عَمَلَهُ. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِأَنْ نَكُونَ هَادِينَ مَهْدِيِّينَ. آمين.

**   **   **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 17/ رجب /1441هـ، الموافق: 12/ آذار / 2020م