114- خطبة الجمعة: لا تخافوا على هذه الأمة فلن تشرك بإذن الله تعالى

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:

خلاصة الخطبة الماضية:

لقد عرفنا في الخطبة الماضية أنه يجب علينا أن نعظِّم الحبيب الأعظم سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم الذي عظَّمه الله تعالى وأمرنا أن نعظِّمه.

وعرفنا بأن المقدَّسات إذا عظمت في نفوس أتباعها عظمت في نفوس الآخرين، وإذا هانت في نفوس أتباعها هانت في نفوس الآخرين من باب أولى وأولى.

وقلنا: بأن هناك فئة من الناس كأنهم لا يريدون أن نعظِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفاً منهم علينا أن نقع في الشرك كما وقع غيرنا في الشرك من الأمم السابقة، يخافون علينا أن نقع فيما وقع فيه النصارى عندما قالوا: عيسى ابن الله، وعندما قال اليهود: عزير ابن الله، وعندما قال المشركون: الملائكة بنات الله، فخوفاً منهم على الأمة أن تقع في الشرك حذَّروا من تعظيم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيَّما تحذير.

لا تخافوا على هذه الأمة فإنها لن تشرك بالله بإذن الله تعالى:

أيها الإخوة المسلمون: إني أخاطب هؤلاء الإخوة وأقول لهم: كونوا مطمئنين والله فإن هذه الأمة لن تشرك بالله تعالى شيئاً بإذن الله تعالى، وهذا الكلام ليس من عندي إنما من عند سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل كما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: (إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ، أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَنَافَسُوا فِيهَا).

وفي رواية عند مسلم: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ كَالْمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ، فَقَالَ: (إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَإِنَّ عَرْضَهُ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى الْجُحْفَةِ، إِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا وَتَقْتَتِلُوا فَتَهْلِكُوا كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ). قَالَ عُقْبَةُ: فَكَانَتْ آخِرَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ.

يعني هذا: أن هذا الحديث من أواخر الأحاديث التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بالله أنه لا يخاف علينا أن نشرك بعده، وأنتم تقولون: نخاف على الأمة أن تشرك بالله، فلمن نُصدِّق؟ وعذراً من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قارنت هذه المقارنة.

لمن نُصدِّق أيها الإخوة؟ لا شك ولا ريب بأننا نصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

لذلك نقول لهؤلاء الإخوة: ناموا بملء أعينكم، واطمئنوا فإن هذه الأمة لن تشرك بالله شيئاً بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ببشارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل خافوا على هذه الأمة من أن تتنافس على الدنيا فتهلكهم كما أهلكت من قبلهم، راقبوا المعاملات المالية، عقود البيع والشراء، وعقود الإيجار والاستئجار، وعقود الرهن، وعقود التأمين التي تفشَّت في المجتمع، وعقود الأمانات، وراقبوا المعاملات المالية التي دخلتها العقود الربوية.

بل نحن نخاف عليكم:

أيها الإخوة الكرام: قولوا لهؤلاء الإخوة حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي)، قولوا لهم: لن تكونوا حريصين على الأمة أكثر من حرص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل نحن نخاف عليكم أن تقعوا في كبيرة من الكبائر.

جاء في صحيح مسلم، باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا).

وفي رواية ثانية عند مسلم: (أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلا رَجَعَتْ عَلَيْهِ).

وفي رواية عند مسلم أيضاً قال صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللَّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِلا حَارَ عَلَيْهِ).

فلا يجوز أن يكفِّرَ مسلمٌ مسلماً ما دام يصلي صلاتنا ويستقبل قبلتنا ويأكل ذبيحتنا، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه الإمام البخاري في صحيحه عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ).

وفي رواية عند النسائي: (مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكُمْ الْمُسْلِمُ).

تكفير المسلم خطره عظيم يجب علينا أن نفرَّ منه ونتركه، وننظر إلى العلماء العاملين كيف كانوا يخافون من هذه القضية الخطيرة، فعندما كانوا يتحدَّثون عن المكفِّرات يقولون: من فعل هذا فإنه يُكفَر، بالمبني للمجهول، خشية من أن ترجع الكلمة عليهم، فليس كلُّ قول أو فعل يعتبر مكفِّراً.

{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ}

أيها الإخوة: قولوا لهؤلاء الإخوة قول الله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُون}، إذا كنا نُهينا أن نقول هذا حلال وهذا حرام بدون علم، فكيف يجترئ الواحد أن يطلق كلمة الكفر والشرك على رجل مسلم مؤمن بسبب قول أو فعل له دليله؟ واللهِ إنها لكبيرةٌ من الكبائر.

خاتمة نسأل الله حسنها:

أيها الإخوة: لا تخافوا على هذه الأمة إن عظَّمت رسولها صلى الله عليه وسلم أن تقع في الشرك والكفر والبدع، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمالُه مُحاط بالجلال، ومعجزاته مُحاطة بالحفظ والأمان، وحفظه الله تعالى من أن يُعبد من دون الله عز وجل، وهذا ما سأتحدث عنه في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى.

أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.

**     **     **