136ـ كلمات في مناسبات: درس فجر يوم عيد الفطر 1443هـ

136ـ كلمات في مناسبات: درس فجر يوم عيد الفطر 1443هـ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: اليَوْمَ هُوَ يَوْمُ الجَائِزَةِ، سَبَقَ فِيهِ أَقْوَامٌ فَفَازُوا، وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ فَخَابُوا، اليَوْمَ فَازَ المُحْسِنُونَ، وَخَسِرَ المُسِيئُونَ، وَغَدًا تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ، وَيَحْصُدُ الزَّارِعُونَ مَا زَرَعُوا، إِنْ أَحْسَنُوا أَحْسَنُوا لِأَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ أَسَاؤُوا فَبِئْسَ مَا صَنَعُوا.

مَنْ هَذَا الفَائِزُ فَنُهَنِّئُهُ، وَمَنْ هَذَا الخَاسِرُ فَنُعَزِّيْهِ؟

أَيُّهَا الفَائِزُ في شَهْرِ رَمَضَانَ هَنِيئًا لَكَ، اليَوْمَ تَرْجِعُ إلى بَيْتِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَوْسٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الطُّرُقِ، فَنَادَوْا: اغْدُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَبٍّ كَرِيمٍ يَمُنُّ بِالْخَيْرِ، ثُمَّ يُثِيبُ عَلَيْهِ الْجَزِيلَ، لَقَدْ أُمِرْتُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَقُمْتُمْ، وَأُمِرْتُمْ بِصِيَامِ النَّهَارِ فَصُمْتُمْ، وَأَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ، فَاقْبِضُوا جَوَائِزَكُمْ، فَإِذَا صَلَّوْا، نَادَى مُنَادٍ: أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ، فَارْجِعُوا رَاشِدِينَ إِلَى رِحَالِكُمْ، فَهُوَ يَوْمُ الْجَائِزَةِ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي السَّمَاءِ يَوْمَ الْجَائِزَةِ».

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الفَائِزِينَ بِرَمَضَانَ.

أَمَّا الخَاسِرُ فَجَبَرَ اللهُ تعالى مُصَابَهُ، وَرَدَّهُ إلَيْهِ رَدًّا جَمِيلًا، وَشَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للإِسْلَامِ، وَحَبَّبَ إلى قَلْبِهِ الإِيمَانَ، وَكَرَّهَ إِلَيْهِ الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ، وَجَبَرَ اللهُ تعالى مُصَابَ الفَائِزِينَ عِنْدَمَا تَحْتَرِقُ قُلُوبُهُمْ عَلَيْكَ يَا أَيُّهَا الخَاسِرُ.

مَنْ هُمُ الفَائِزُونَ في رَمَضَانَ وَمَا هِيَ صِفَاتُهُمْ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الفَائِزُونَ في رَمَضَانَ أَقْوَامٌ عَاشُوا في عَالَمِ الحُبِّ الأَقْدَسِ، حُبِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحُبِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَحُبٍّ الخَيْرِ لِخَلْقِ اللهِ تعالى.

الفَائِزُونَ في رَمَضَانَ هُمُ الذينَ جَدُّوا وَاجْتَهَدُوا وَمَا فَرَّطُوا بِنَفَسٍ مِنْ أَنْفَاسِهِمْ في شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، فَكَانُوا مِنَ المُتَهَجِّدِينَ الذينَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا، وَكَانُوا مِنَ المُسْتَغْفِرِينَ في الأَسْحَارِ، وَتَحَقَّقُوا بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.

وَكَانُوا مِمَّنْ يُنْفِقُونَ سِرًّا وَجَهْرًا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَمَا اقْتَصَرُوا عَلَى الزَّكَاةِ وَصَدَقَاتِ الفِطْرِ، بَلِ انْطَلَقُوا مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾. وَلَيْسُوا مِمَّنْ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾. بَلْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الإِحْسَانِ وَالفَضْلِ.

الفَائِزُونَ في رَمَضَانَ هُمُ الذينَ دَخَلُوا عَالَمَ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَتَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَشَمَلَتْ رَحْمَتُهُمْ مَنْ عَرَفُوا وَمَنْ لَمْ يَعْرِفُوا.

الفَائِزُونَ في رَمَضَانَ هُمُ الذينَ كَانَتْ لَهُمُ الخَلَوَاتُ مَعَ اللهِ تعالى، وَتَحَقَّقُوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هُمُ التَّالُونَ لِكِتَابِ اللهِ تعالى، الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ، المُتَأَثِّرُونَ، البَاكُونَ، المُتَصَدِّقُونَ، النَّاصِحُونَ، العَامِلُونَ، المُخْلِصُونَ.

الفَائِزُونَ في رَمَضَانَ هُمُ الذينَ سَارُوا عَلَى سَيْرِ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ حَتَّى صَارُوا مِنْ إِخْوَانِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ، فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا».

قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ».

فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟».

قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا».

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ إِخْوَانِ نَبِيِّكَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذينَ ذَكَرَهُمْ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَرِدُ حَوْضَهُ وَيَشْرَبُ مِنْهُ، وَبِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ شَرْبَةً هَنِيئَةً لَا نَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: للهِ الحَمْدُ، وَلَهُ الفَضْلُ وَالمِنَّةُ، هُنَاكَ في الأُمَّةِ مَنْ سَارَ سَيْرَ سَلَفِ الأُمَّةِ في شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى كَانَ مِنَ الفَائِزِينَ وَتَحَقَّقَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

أَمَا رَأَتْ أَعْيُنُكُمْ رَجُلًا يَتَّكِئُ عَلَى عُكَّازَتَيْنِ وَيَدُبُّ عَلَى الأَرْضِ بِمَهَلٍ شَدِيدٍ يَسْحَبُ قَدَمَيْهِ، فَتَخُطُّ في الأَرْضِ خَطًّا، أَنْهَكَهُ التَّعَبُ، وَأَضْعَفَتْهُ الشَّيْخُوخَةُ، وَمَعَ ذَلِكَ خَرَجَ مِنْ أَجْلِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ وَالتَّرَاوِيحِ وَالتَّهَجُّدِ؟

وَهَذَا يُذَكِّرُنَا بِالحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ.

إِن لَمْ يَكُنْ مِثْلُ هَذَا مِنَ الفَائِزِينَ برَمَضَانَ، فَمَنْ يَكُونُ إِذًا؟

وَيَا حَسْرَةً عَلَى الشَّبَابَ الذينَ خَسِرُوا شَهْرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ، وَضَيَّعُوا أَوْقَاتَهُ بِمَا يَعْمَلُونَ.

وَوَاللهِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَحْتَقِرُ نَفْسَهُ وَعَمَلَهُ وَهُوَ يَرَى أَصْحَابَ الأَيْدِي المُرْتَعِشَةِ، وَالأَقْدَامِ المُهْتَزَّةِ، وَالعِظَامِ الوَاهِنَةِ.

أَمَا رَأَتْ أَعْيُنُكُمْ وَسَمِعَتْ آذَانُكُمْ، مَنْ كَانَ يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخْشَى الفَقْرَ؟ أَنَا عَلَى يَقِينٍ أَنَّهُ لَا يَخْلُو زَمَنٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنْ وَدَّعْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ، وَقُلْنَا لَهُ: يَا رَمَضَانُ اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ، فَإِنَّا نَقُولُ لَهُ: نَحْنُ نُوَدِّعُكَ، وَلَكِنْ لَنْ نُوَدِّعَ مَا عَوَّدْتَنَا عَلَيْهِ في حُسْنِ الإِقْبَالِ عَلَى اللهِ تعالى.

فَاللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 1/ شوال /1443هـ، الموافق: 2/ أيار / 2022م