271ـ خطبة الجمعة: أين يذهب القاتل المجرم؟

 

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:

إنَّ مِنَ المَظَاهِرِ التي لا يُمكِنُ إِنكارُها ظَاهِرَةُ ضَعفِ الإيمانِ وتَقَلُّبِ القلوبِ، ويقولُ سيدنا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا سُمِّيَ القَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ، إِنَّمَا مَثَلُ القَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ، يُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ) رواه الإمام أحمد عن أَبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ) رواه الإمام مسلم عن عَبْدِ اللهِ بْنَ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (لَقَلبُ ابْنِ آدَمَ أَسْرَعُ تَقَلُّبًا مِنَ القِدْرِ، إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلْيًا) رواه الطبراني في الكبير عَنِ المِقْدَادِ بن الأَسْوَدِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وفي روايةٍ للإمام أحمد: (لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ انْقِلابًا مِنَ القِدْرِ، إِذَا اجْتَمَعَتْ غَلْيًا)

نَسألُ اللهَ تعالى أن يُثبِّتَ قُلوبَنَا على دِينِهِ حتَّى نَلقاهُ وَهُوَ عَنَّا رَاضٍ.

من مَظاهِرِ ضَعفِ الإيمانِ:

يا عباد الله! إنَّ مِن مَظاهِرِ ضَعفِ الإيمانِ الجُرأةَ على مَعصِيَةِ اللهِ تعالى، وارتِكابَ الكَبائِرِ، والتي مِن جُملتِها قَتْلُ النَّفسِ بِغيرِ حَقٍّ، يقولُ سيدنا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ) رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

الإسلامُ حَقَنَ الدِّماءَ:

يا عباد الله، لقد كانت البَشَرِيَّةُ تَعيشُ حَياةً غَيرَ مُستقِرَّةٍ، بل حَياةً مُسْتَعِرَةً، يَسُودُها الخِلافُ، كَثُرَ فيها القَتْلُ والتَّناحُرُ، وكَثُرَ فيها الصِّراعُ مِن أجلِ البقاءِ، فَرَحِمَ اللهُ تعالى البَشَرِيَّةَ بِسيدنا محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأَرسَلَ إليهم رِسالةَ نورٍ أَخْرَجَتْهم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ، واشْرَأَبَّتِ النُّفوسُ لِهذا الدِّينِ المَتينِ الذي قالَ فيه مولانا عزَّ وجلَّ: {اليَوْمَ أَكمَلتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}.

اِشْرَأَبَّت النُّفوسُ لِهذا الدِّينِ الذي جاءَ لِحِفظِ الأموالِ والأنفُسِ والأعراضِ والدِّماءِ والعُقولِ، اشْرَأَبَّت النُّفوسُ لِدِينٍ وَجَّهَ فيه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتباعَهُ أَثناءَ الجِهادِ بِقولهِ: (اِنْطَلِقُوا بِاسْمِ اللهِ وَبِاللهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلا طِفْلاً صَغِيراً، وَلا امْرَأَةً، وَلا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا، وَأَحْسِنُوا، إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ) رواه أبو داود عَن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

اِشْرَأَبَّت النُّفوسُ لِدِينٍ وَجَّهَ فيه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتباعَهُ إلى الرَّحمةِ لا بالإنسانِ فقط، بل بالحيوانِ، فقد روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: (لَعَنَ اللهُ الَّذِي وَسَمَهُ).

 اِشْرَأَبَّت النُّفوسُ لِدِينٍ حَذَّرَ فيه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِن تَخويفِ الآمِنِ، وتَرويعِ المُستأمَنِ، بقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ المَلائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ) رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أين يذهبُ القاتِلُ المجرِمُ ؟

يا عباد الله، بِسَبَبِ ضَعفِ الإيمانِ كَثُرَ الهَرجُ الذي حذَّرَ منه سيدنا محمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقولِهِ: (إِنَّ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ أَيَّامًا يُرْفَعُ فِيهَا العِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الجَهْلُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الهَرْجُ، وَالهَرْجُ: القَتْلُ) رواه الإمامان البخاري ومسلم عَنْ أَبِي وَائِلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ . وفي روايةٍ للإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُقْبَضُ العِلْمُ، وَتَظْهَرُ الفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ، قَالُوا: وَمَا الهَرْجُ؟ قَالَ: القَتْلُ).

وإنِّي أَتَوَجَّهُ إلى القاتِلِ المجرِمِ لِأقولَ له:

أولاً: أينَ تذهبُ بِكلِمَةِ التَّوحيدِ؟

يا قاتِلَ الأبرياءِ بِغيرِ حقٍّ، أينَ تذهبُ بِكلِمَةِ التَّوحيدِ التي كان يَنطِقُ بها المقتولُ حالَ حياتِهِ؟ أينَ تذهبُ بِكلِمَةِ التَّوحيدِ التي عاشَ عليها المقتولُ، وماتَ؟

اِسمع أيُّها القاتِلُ المجرِمُ هذا الحديثَ الشريفَ الذي رواه الإمامان البخاري ومسلم عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، قَالَ: فَصَبَّحْنَا القَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، قَالَ: وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِينَاهُ، قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، قَالَ: فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَ لِي: (يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا، قَالَ: أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللهُ؟ قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ).

ثانياً: ما جوابُكَ لِربِّكَ يومَ القيامةِ؟

يا قاتِلَ الأبرياءِ بِغيرِ حقٍّ، ما جوابُكَ لِربِّكَ عزَّ وجلَّ يومَ القيامةِ عندما تَقِفُ بينَ يَدَيهِ أنتَ والمقتولُ ظُلماً وعُدواناً؟

اِسمع أيُّها القاتِلُ المجرِمُ هذا الحديثَ الشريفَ الذي رواه ابن ماجه عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّه قَالَ: (يَجِيءُ القَاتِلُ وَالمَقْتُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُتَعَلِّقٌ بِرَأْسِ صَاحِبِهِ يَقُولُ: رَبِّ، سَلْ هَذَا لِمَ قَتَلَنِي؟).

وفي روايةٍ للإمام أحمد عن جُندُبِ بنِ جُنَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أن النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: (يَجِيءُ المَقْتُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ آخِذًا رَأْسَهُ إِمَّا قَالَ بِشِمَالِهِ وَإِمَّا بِيَمِينِهِ، تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ فِي قُبُلِ عَرْشِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: يَا رَبِّ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي).

وفي روايةٍ أخرى للطبراني عن عبد اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: (يَجِيءُ المَقْتُولُ آخِذًا قَاتِلَهُ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخُبُ دَمًا عِنْدَ ذِي العِزَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ فَيَقُولُ: فِيمَ قَتَلْتَهُ؟ فَإِنْ قَالَ: قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ العِزَّةُ لِفُلانٍ، قَالَ: هِيَ للهِ).

ثالثاً: هل تعلمُ بأنَّ الجزاءَ من جِنسِ العملِ؟

يا قاتِلَ الأبرياءِ بِغيرِ حقٍّ، هل تَعلَمُ بأنَّ الجزاءَ من جِنسِ العملِ يومَ القيامةِ؟ قال تعالى: {جَزَاءً وِفَاقًا}. ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (وَاعمَلْ مَا شِئتَ فَإِنَّكَ مَجزِيٌّ بِه) رواه الحاكم عن سَهلِ بنِ سعدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَحَسَّى سُمَّاً فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً) رواه الإمام أحمد عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. هذا إذا كانَ القاتِلُ قاتِلاً نفسَهُ، فكيفَ إذا كانَ قاتِلاً غيرَهُ من الأبرياءِ؟

فالجزاءُ من جِنسِ العملِ، فكما تَقتُلُ الأبرياءَ بِغيرِ حقٍّ سوفَ يَقتُلُكَ اللهُ تعالى مِثلها في نارِ جهنَّمَ، ولكن لِتَكُن على يَقينٍ بأنَّ قتْلَكَ لِلأبرياءِ في الحياةِ الدُّنيا يَنتَهِي بأن يُصبِحَ المقتولونَ في عالَمِ البرزَخِ أحياءً عند ربِّهم يُرزقونَ، وأنَّ قُبورَهم روضةٌ من رِياضِ الجنَّةِ إن شاءَ اللهُ تعالى.

أمَّا أنتَ فَيَقتُلُكَ اللهُ في نارِ جهنَّمَ بحيث لا تموتُ فيها ولا تَحيا، وإذا كنتَ مُستَحِلاً القَتْلَ فأنتَ من الخالدينَ في نارِ جهنَّمَ، قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.

واسمع يا قاتِلَ الأبرياءِ بِغيرِ حقٍّ هذا الحِوارَ  الذي جرى بين سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ والحَجَّاجِ:

قَالَ الحَجَّاجُ: وَيْلَكَ يَا سَعِيْدُ!

قَالَ: الوَيْلُ لِمَنْ زُحْزِحَ عَنِ الجَنَّةِ، وَأُدْخِلَ النَّارُ.

قَالَ: اخْتَرْ أَيَّ قِتْلَةٍ تُرِيْدُ أَنْ أَقْتُلَكَ؟

قَالَ: اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا حَجَّاجُ، فَوَاللهِ مَا تَقْتُلُنِي قِتْلَةً، إِلا قَتَلَكَ اللهُ مِثلَهَا فِي الآخِرَةِ.

قَالَ: فَتُرِيْدُ أَنْ أَعْفُوَ عَنْكَ؟

قَالَ: إِنْ كَانَ العَفْوُ، فَمِنَ اللهِ، وَأَمَّا أَنْتَ، فَلاَ بَرَاءةَ لَكَ وَلاَ عُذْرَ.

قَالَ: اذْهبُوا بِهِ، فَاقْتُلُوْهُ.

فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ البَابِ ضَحِكَ، فَأُخْبِرَ الحَجَّاجُ بِذَلِكَ، فَأَمَرَ بِرَدِّهِ، فَقَالَ: مَا أَضْحَكَكَ؟

قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ جُرْأَتِكَ عَلَى اللهِ، وَحِلْمِهِ عَنْكَ!

فَأَمَرَ بِالنِّطْعِ، فَبُسِطَ، فَقَالَ: اقْتُلُوْهُ.

فَقَالَ: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ.

قَالَ: شُدُّوا بِهِ لِغَيْرِ القِبْلَةِ.

قَالَ:فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ.

قَالَ: كُبُّوْهُ لِوَجْهِهِ.

قَالَ: مِنْهَا خَلَقْنَاكُم، وَفِيْهَا نُعِيْدُكُم.

قَالَ: اذْبَحُوْهُ.

قَالَ: إِنِّي أَشْهَدُ وَأُحَاجُّ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، خُذْهَا مِنِّي حَتَّى تَلْقَانِي يَوْمَ القِيَامَةِ. اهـ.

خاتمة نسألُ الله تعالى حُسنَهَا:

يا عباد الله، كُونُوا على حَذَرٍ مِن سَفْكِ الدِّماءِ البريئةِ، لأنَّ قاتِلَ الأبرياءِ بِغيرِ حقٍّ يَتَعَدَّى على صَنعةِ اللهِ تعالى، والتَّعَدِّي على الصَّنْعَةِ هوَ في الحقيقةِ تَحَدٍّ لِصَانِعِها، روى الترمذي عن أَبَي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ وَأَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمْ اللهُ فِي النَّارِ).

يا عباد الله، قاتِلُ العمدِ بِغيرِ حقٍّ، كم مِن زَوجةٍ رَمَّلَ؟ وكم مِن طِفلٍ يَتَّمَ؟ وكم مِن عَينٍ أَبكى؟ وكم مِن بَيتٍ هَدَّمَ؟ وكم مِن دَعوَةٍ عَلَيهِ رُفِعت إلى اللهِ تعالى؟

فلا يَظُنَّنَّ القاتِلُ بأنَّ اللهَ أهمَلَهُ ـ حاشا ـ بل أمهَلَهُ، قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَار}.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 6 / جمادى الثانية/1433هـ، الموافق: 27/ نيسان / 2012م