63ـ مع الحبيب المصطفى: أحيا الليل وأيقظ أهله

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

63ـ أحيا الليل وأيقظ أهله

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: لقد تَحَقَّقَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالعُبودِيَّةِ لله عزَّ وجلَّ من خِلالِ حَياتِهِ الشَّريفَةِ في هذهِ الحَياةِ الدُّنيا.

وقد كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَجتَهِدُ في العِبادَةِ مَدى العُمُرِ، وخاصَّةً في العَشرِ الأخيرِ من شَهرِ رَمَضانَ المبارَكِ، ومن جُملَةِ هذهِ العِباداتِ الاعتِكافُ، وذلكَ تَحَرِّياً لليلَةِ القَدْرِ.

وجاءَ في الحديثِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.

وفي رواية مسلم: وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ.

وَشَدُّ الْمِئْزَرِ كِنايَةٌ عن الاستِعدادِ للعِبادَةِ، والاجتِهادِ فيها زِيادَةً على المعتادِ، وقيلَ: هوَ كِنايَةٌ عن اعتِزالِ النِّساءِ.

إيقاظُ الأهلِ في اللَّيلِ:

أيُّها الإخوة الكرام: الرَّجُلُ هوَ المسؤولُ عن أهلِ بَيتِهِ، ويَجِبُ عليهِ أن يُحَرِّضَهُم على طاعَةِ الله عزَّ وجلَّ، وذلكَ لِقَولِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون﴾.

ولِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» وعَدَّ منهم: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه الشيخان عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وربُّنا عزَّ وجلَّ يَقولُ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾. ولقد كانَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُوقِظُ أهلَهُ سائِرَ السَّنَةِ في اللَّيلِ، وذلكَ من أجلِ قِيامِ بَعضِهِ.

روى الإمام البخاري عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ لَيْلَةً فَقَالَ: «سُبْحَانَ الله، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِن الْفِتْنَةِ؟ مَاذَا أُنْزِلَ مِن الْخَزَائِنِ؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ؟ يَا رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ».

كم من النِّساءِ المتَقَلِّباتِ بالنِّعَمِ، ولكنَّهُنَّ فقيراتٌ يومَ القِيامَةِ، عارِيَاتٌ من الثَّوابِ، فاضِحَاتٌ عِندَ الحِسابِ.

وأرادَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إيقاظَ أهلِهِ في اللَّيلِ لعلَّ الرَّحمَةَ أن تُصيبَهُم.

وخاصَّةً في العَشرِ الأخيرِ من رَمَضانَ، وهذا ما كانَ يَفعَلُهُ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ المرءَ لا يَدري لعلَّهُ لا يُدرِكُها مرَّةً أخرى، لأنَّ هادِمَ اللَّذَّاتِ ومُفَرِّقَ الجماعاتِ والموتَ الذي نازِلٌ بكلِّ امرئٍ قد يأتيهِ ويُنهي عُمُرَهُ، فحينَئِذٍ يَندَمُ ولا يَنفَعُهُ النَّدَمُ.

«بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعاً»:

أيُّها الإخوة الكرام: روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعاً، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْراً مُنْسِياً؟ أَوْ غِنىً مُطْغِياً؟ أَوْ مَرَضاً مُفْسِداً؟ أَوْ هَرَماً مُفَنِّداً؟ أَوْ مَوْتاً مُجْهِزاً؟ أَوْ الدَّجَّالَ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ».

اِغتَنِموا هذهِ الأيَّامَ المتَبَقِّيَةَ من شَهرِ رَمَضانَ بِكَثرَةِ العِبادَةِ، وخاصَّةً أيَّامَ الهَرجِ أيَّامَ القَتلِ، وذلكَ لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» رواه الإمام مسلم عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: إذا كانَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَغتَنِمُ العِبادَةَ في العَشرِ الأخيرِ من رَمَضانَ، وقد غَفرَ اللهُ ذَنبَهُ ما تَقَدَّمَ منهُ وما تَأخَّرَ، حيثُ لا ذَنبَ له.

وما كانَ مُقَصِّراً فيما كُلِّفَ به، فكيفَ يَجِبُ أن يَكونَ حالُنا نحنُ الذينَ كَثُرَت خَطايانا وذُنوبُنا، وقَصَّرنا في حُقوقِ الله تعالى.

أيُّها الإخوة الكرام: تَذَكَّروا قَولَ الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين﴾.

اللَّهُمَّ وَفِّقنا لذلكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

السبت: 25/رمضان/1434هـ، الموافق: 3/آب/ 2013م